صالح المحبك (1911م ـ م) هو الأستاذ صالح بن محمد المحبك، ولد بحلب سنة 1911م وماتت أمه وهو في السادسة من عمره فترعرع بين أحضان نساء الأب، وكان أبوه مطلاقاً مزواجاً فناله من الأذى والتشريد الشيء الكثير، وكان يغيب عن دار أبيه الليلة والليالي دون أن يشعر والده بذلك، لأن زوجة أبيه همها إقصاءه عن البيت ليخلو لها الجو، ولما بلغ العاشرة من عمره عمل والده على أن يحفظ صالح القرآن الكريم غيباً فحفظه بمدة سنتين وتردد مع والده على حلقات الأذكار وحفظ أناشيدها، ونشأت في نفسه ملكة الإنشاد. ولما بلغ سن المراهقة كان حافظاً للقرآن ومرتلاً مجوداً.
وسمعت به الخوجه الفنانة الشهيرة (أم سامي) فرغبته لملازمتها وأخذ عنها علم العود وأصبح مرافقاً لها في احتفالاتها، واعتنت بأمره فذاع صيته بأوساط حلب الفنية وأصبحت لا يمكنها الاستغناء عنه لجمال صوته وبراعته بأغاني ذلك العصر.

نشأته الفنية

كان والده فناناً ومعاصراً لأشهر فناني حلب أمثال المعظم وابن عقيل وغيرهما، وقد لقنه الإيقاع والأوزان والموشحات وكان يبعده عن الأغاني التي لها سمة الخلاعة ويصرفه عنها.
وفي عام 1923م، فتبناه الأستاذ الشيخ كامل الغزي فعينه كاتباً في فرع المجمع العلمي العربي، وقام بتنسيق المكتبة بمهارة فائقة وانكب على دراسة اللغة العربية وقواعدها واستطاع نظم الشعر فمدح مقام الإفتاء بحلب بقصيدة كانت أول أثر أدبي له ومطلعها:
يا سيداً في فضله يفخر العصر
ومن قوله فعل ومن لفظه در
تباهى بك الفتوى ويعلو منارها
ويزهو بك النعمان ما طلع الفجر
ولازم الفنان المرحوم محمد جنيد المنشد الشهير واشترك بعدة تمثيليات في نادي التمثيل والموسيقى بحلب وأخذ عن الفنان المرحوم أحمد الأوبري الفنون العصرية، واشتهر أمره وتهافتت النوادي على دعوته لحفلاتها الساهرة، ورافق الفرقة الأرمنية برئاسة السيد نعلبنديان ومن هذا المحيط درس علم النوطة والصولفيج والعزف على العود، وتلقى الناحية الشرقية على الأستاذ علي الدرويش الموسيقار الشرقي المشهور.

رحلته إلى العراق ومصر

وفي سنة 1929م سافر مع المطربة فيروز الحلبية إلى العراق وفيها اجتمع لأول مرة في حياته مع الأستاذ المرحوم عمر البطش الذي كان يرأس فرقة موسيقية تشتغل ببغداد وأخذ عنه الكثير من الموشحات والأوزان واستغرقت رحلته هذه خمسة أشهر ما بين البصرة والموصل وكربلاء وسامراء وبغداد واجتمع بفطاحل الفنانين العراقيين، ورافق الأستاذ المرحوم أحمد الأوبري إلى مؤتمر الموسيقى الذي عقد في القاهرة بتاريخ 16 آذار 1932م ليلقي طرفاً من ألوان الموسيقى الحلبية، وسجل خلالها موشح القباني المشهور (كلما رمت ارتشافاً) واشترك في حفلة ختام المؤتمر التي أقيمت في دار الأوبرا الملكية وألقى الموشح القديم (إن العيون السود سهام القدر).
ومكث في مصر مدة ستة أشهر لازم فيها الأستاذ المرحوم علي محمود أستاذ الفن في القطر المطري. حفظ المترجم الكثير من ألحان المرحوم سيد درويش فأعجب به الملحن المشهور زكريا أحمد وأخذ عنه الموشح المشهور (منيتي عز اصطباري) من ألحان سيد درويش الخالدة، وأعجبت بفنه أم كلثوم وأثنى على نبراته الحادة الفنية الأستاذ المرحوم داوود حسني.
وفي سنة 1933م ذهب إلى بغداد للاشتراك في حفلة أربعين المرحوم الملك فيصل ودعي مع الوفد السوري إلى حفلة رسمية بعد انتهاء الحداد مساء 26 تشرين الأول 1933، فلحن بهذه المناسبة نشيد (في ذمة الأوطان والمجد يا فيصل) ومكث شهراً في بغداد ثم رجع إلى حلب.

إنتاجه الفني

لحن أناشيد حماسية وطنية كثيرة حفظها المنشدون وذاع أمرها، منها نشيد هنانو (يا زعيم الشرق يا فخر الملا) وقبض عليه الفرنسيون فسجن ونفي وعذب وهو صابر، ولحن نشيد الشباب (نحن رمز الفدى) ونشيد ميسلون (رددي يا سهول واهتفي يا هضاب) ونشيد الجنود (نحن جند للوطن) ونشيد العرب (نحن العرب نبغي الارب) ونشيد العروبة (حق الجهاد عن الحرم) ونشيد العلم (علم الأوطان رفرف) ونشيد سوريا (يا ربة المجد التليد) ونشيد الوحدة السورية (يا بني سوريا يا خير البنين) ونشيد الربيع (اقطف الورد فقد لاح الصباح) ونشيد فلسطين (يا فلسطين الحزينة) ونشيد المجد (في سبيل المجد والأوطان نحيا ونبيد) ونشيد الجنود (نحن جند للبلاد) ونشيد الأحرار (أيها الأحرار هيا).
ولما وقعت حوادث فلسطين لحن أناشيد كثيرة منها (يا فلسطين مضى عهد الرقاد) ونشيد (جردوا السيف والقلم) ونشيد (أيها الجيش تل أبيب تل أبيب).
ولحن وصلات من الموشحات الأندلسية منها وصلة من مقام الهزام (ودع الصبر محب ودعك) ووصلة من مقام (السيكاه) هبت رياح الأحبة، ووصلة من مقام الزنجران (لم يطل ليلي ولكن لم أنم).

رحلته الثانية إلى مصر وفلسطين

وفي سنة 1942 ذهب إلى مصر لإتمام دراسة القراءات بالروايات السبع وتلقاها عن الشيخ درويش الحريري ومكث فيها سنة وتعرف خلالها على أشهر فناني مصر. وفي سنة 1947 كانت رحلته مع الفرقة الفنية إلى فلسطين فاستقبل بحفاوة من قبل فنانيها وعاد إلى وطنه.
ولما حضر الفنان المشهور الحاج عمر البطش إلى دمشق وقام بتدريس فنونه في المعهد الموسيقي الشرقي أخذ المترجم عنه فاصل السماح الجديد الذي سماه (المشط) وأخذ منه ما كان مشكلاً عليه من دقائق فن الموشحات الأندلسية وفن السماح والأوزان.
وسجل لإذاعة راديو باريس أربع تلاوات من القرآن الكريم. وفي سنة 1931 كان زواجه الأول وفي سنة 1932 كان زواجه الثاني وانتقل مع أسرته إلى دمشق فاستوطنها وعمل أستاذ الموشحات في المعهد الموسيقي الشرقي.


المراجع

alencyclopedia.com

التصانيف

الفنانون   شخصيات   الفنون   العلوم الاجتماعية