سيد الصفتي، هو مترجم، ولد سنة 1867م وابتدأ حياته قارئاً يجيد تلاوة القرآن الكريم فاشتهر وسعى الناس إليه، وخرج في سنة 1902م بلون جديد، فكان قارىء مولد، ومادح الرسول الاعظم، وتقرب بذلك إلى قلوب المصريين، وفي سنة 1904م انضم إلى بطانة الشيخ إبراهيم المغربي الموسيقي المعروف الذي لحن له كثيراً من الموشحات الجديدة فكانت السبب فيما ناله المترجم من شهرة طائرة ومن ارتفاع سريع لم يكتف به وقد ذاق حلاوة الشهرة والاقبال، فكان يقرأ أول الليل قرآناً ثم يثني بالقصائد النبوية حتى إذا كان الهزيع الاخير من الليل غنى أدوار الحمولي ومحمد عثمان بمصاحبة العود.
ولم يكتف بهذا التجديد الغريب، ولعله رأى ان هذا الخلط ينّفر الناس، فترك القرآن والقصائد النبوية وظهر عام 1905م على تخته الموسيقي القوي يرسل على الناس سحر صوته وقوة فنه، حتى تحكم في سوق الغناء وفي مسامع الشعب، فكان يشتغل تباعاً طول ايام السنة، ولكي يعطي القارىء صورة قريبة عن شهرة هذا الرجل العجيب في صدر شبابه، نقول أنه استمر خمس سنوات يغني دون أن ينقطع ليلة واحدة، ومثل ذلك استمر عند زيارته سورية ولبنان.
أطواره
لعل هذا المتفنن، هو أقرب الناس إلى الشذوذ والخروج عن تلك الأوضاع البشرية التي وضعت للحد من الطباع والغرائز والرغبات، فله دستوره وحده وله طباعه وتصرفاته التي يفرضها على الناس فرضاً، ثم هو بعد هذا الانسان المرهف الحس، العظيم النفس، الممتلىء نبلا ورجولة وكرما.
والسيد الصفتي من هؤلاء العناصر الذين أضفت عليهم الطبيعة كل ما فيها من فن وجمال واقبال وشذوذ حتى خطّ لنفسه في كتاب الحياة وسجل الخلود صفحة نيّرة مشرقة سوف يتلوها الزمن على سمع الاجيال المقبلة.
كان قصير القامة يلتهب نشاطاً يمتلىء قوة وجبروتاً، يزّين رأسه (عمامة) صغيرة تمتاز برشاقتها وأناقتها وشالها الحريري المفتول.
صوته
كان صوتاً مركباً من خمسة عشر مقاماً، وكان يمتاز بسلامة تامة، وباداء بارع لم يعرف (النشوز) طور حياته، ولعله من الاصوات النادرة القوية التي كان يسمعها الآلاف بوضوح وجلاء.
كان أول موسيقي شرقي، اعتنى (بالبروفات) الفنية اعتناءً عظيماً، فكان يشتغل طول نهاره فيها دون أن يتعب أو يميل أو يشكو ألماً وتوعكاً، ولعل سحر الذهب والاقبال والمجد هو الذي كان يمد هذا الرجل بالقوة الخارقة التي لا يكاد العقل يصدقها. وهل يصدق العقل أن بشراً يشتغل أغلب يومه وأكثر ليله دون أن يستريح إلا ساعة أو ساعتين.
تسجيل صوته
سجل في حياته أكثر من اربعة آلاف (اسطوانة) وهو رقم تاريخي لم يصل اليه مطرب ولا مطربة في الشرق والغرب، وقد اكتسب منها الآلاف، ولكن اسرافه أضاع كل شيء، الا ذكره ومروءته وكرمه... لقد أضاع ثروته ليشتري بها مجده وخلوده، وكانت اسطواناته توزع في الشرق والغرب كأنها الغذاء الذي لا يستغنى عنه حتى ظن السوريون ان الصفتي لا بد أن يكون مارداً لا تقع العين على نهايته، فلما سافر إلى دمشق ورأوه بحجمه الضئيل النحيل خابت ظنونهم واعتزموا ان لا يسمعوه إلا في حفلة أو حفلتين من قبيل (الفرجة والاستطلاع) وكان هذا الفنان الجبار قد علم بهذا، فاعد العدة لحفلة الافتتاح، ثم راح يشدو ويرسل سحره وقوة فنه في عقدٍ سحرية على هؤلاء الذين يظنون ان القوة في (العرض والطول) فماجوا وهاجوا وتقلبوا وصرخوا والشيخ يضحك، حتى إذا تأكد من النصر أراد أن ينتقم فأسكت التخت وسكت، ثم نزل وصرح للمتعهد بأنه يرغب في السفر والعودة إلى مصر بعد (يومين) لانه قصير لا يحسن الغناء ولا تسل عما حصل من الشفاعات والتوسلات.
لقد اجتمعت لدى الصفتي كل وسائل البهجة والسرور فاستمر خمس سنوات يغني على مسارح دمشق وحمص وحلب وبيروت لا يستريح فيها ليلة واحدة اكتسب فيها الآلاف فلما رجع إلى مصر لم يرجع بقرش واحد منها، واهله في بحبوحة من العيش.
كان في اخريات ايامه يعيش عيشة فلسفية زاهدة في كل شيء، وتناسته محطة الاذاعة وأهملته كغيره، وكان يحيا حياة الرجل الذي شبع وشبع حتى مل كل ما تهافت الناس عليه، لقد فني هذا الفنان كما فني غيره.
وفاته
وافاه الأجل صبيحة يوم الاحد في 18 حزيران سنة 1939 م.
المراجع
alencyclopedia.com
التصانيف
الفنانون شخصيات الفنون العلوم الاجتماعية