الحب، وكل ما ينبض به القلب من إحساس يقظ، ومشاعر حية، وعواطف ندية، لغة بالغة
التأثير في النفس البشرية، فالحب كلمة تشيع في النفس أنسا وارتياحا، وتنفرج
بسماعها الأسارير، ومن ملئ قلبه حبا فاض به على من حوله، فأيقظ فيهم المشاعر
المكنونة ..
أنا قلب خافق أيقظ في الناس الشعورا ...
ونحن المسلمون أولى من غيرنا في أن نفعل هذه اللغة في تعاملاتنا، فديننا – إن
جاز التعبير – دين الحب، ولو استعرضنا النصوص التي وردت في الحب ، لعرفنا
اهميته في ديننا .
ففي حب الله، يقول تعالى في سورة المائدة (54) :" .. يحبهم ويحبونه .." ، وفي
سورة البقرة (165) :" .. والذين آمنوا أشد حبا لله .." ، وقال عليه الصلاة
والسلام :" إن الله تعالى يقول : ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " .
ومن الروايات الواردة في حب الله : أنه كانت امرأة متعبدة تقول : والله لقد
سئمت الحياة، حتى لو وجدت الموت يباع لاشتريته شوقا إلى الله تعالى، وحبا
للقائه. فقيل لها: فعلى ثقة أنت من عملك ؟قالت: لا، ولكني لحبي إياه وحسن
ظني به، أفتراه يعذبني وأنا أحبه ؟.
رب سبحانك دوما يا إلهي ... نغمة تسري بقلبي وشفاهي
وقال بعض السلف: كنت قد وجدت حلاوة المناجاة، فكنت أدمن قراءة القرآن، ثم
لحقتني فترة فانقطعت، فرأيت في المنام قائلا يقول:
إن كنت تزعم حبي = فلم هجرت كتابي
أما تدبرت ما فيه = من لطيف عتابي
... فإن كنت تحب الله، فأطعه ...
لبيك ملء فمي لبيك ملء دمي = لبيك يا رب من قلبي ووجداني
وقال بعضهم : المحب لله طائر القلب ، كثير الذكر، متسبب إلى رضوانه بكل سبيل
يقدر عليها من الوسائل والنوافل دؤبا دؤبا ، وشوقا شوقا .
وأما عن حب رسول الله – عليه الصلاة والسلام - ، فيقول تعالى في سورة آل عمران
(31) :" قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله .." ، فحبه – عليه الصلاة
والسلام – من حب الله ، ففي الحديث أن رجلا سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم
– عن الساعة ، فقال :" ما أعددت لها ؟" قال : يا رسول الله ، ما أعددت لها من
كثرة صلاة ولا صيام ، إلا أني أحب الله ورسوله . فقال رسول الله – صلى الله
عليه وسلم - :" المرء مع من أحب ، وأنت مع من أحببت " . فما فرح المسلمون بعد
الإسلام فرحهم بها .
ولقد ألقي حبه – عليه السلام – حتى في الجمادات، فقد قال عليه الصلاة والسلام
:" أحد جبل يحبنا ونحبه " ، ولقد سلم عليه الشجر والحجر، وحن إليه الجذع فأن
من فراقه ...
وألقي حتى في الجمادات حبه = فكانت لإهداء السلام
له تهدى
وفارق جذعا كان يخطب عنده = فأن أنين الأم إذ تجد الفقدا
ومما يؤكد أهية دور العاطفة في حياة البشر، أن
رجلا كان عند النبي – صلى الله عليه وسلم – فمر رجل به ، فقال : يا رسول الله،
إني لأحب هذا، فقال له النبي – عليه الصلاة والسلام - :" أعلمته ؟" قال : لا .
قال :" أعلمه ". وقال عليه السلام :" إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبه " ،
وقال :" إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليبين له ، فإنه خير في الإلفة ، وأبقى في
المودة ". وكلنا يعلم ما مدى تأثير أن يقول لك إنسان أنه يحبك في نفسك و وجدانك
.
ويقول كعب بن مالك – رضي الله عنه - ، ذلك الصحابي الذي تاب الله عليه في غزوة
تبوك : .. حتى دخلت المسجد، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – جالس، حوله
الناس، فقام إلي طلحة بن عبيد الله فحياني وهنأني، و والله ما قام إلي رجل من
المهاجرين غيره، فكان كعب لا ينساها لطلحة. أرأيت ما مدى تأثير هذه اللفتة
الطيبة من طلحة في قلب كعب ؟!.
ومن كلامه وتوجيهاته – عليه السلام - ، والتي من شأنها إشاعة المحبة بين
المسلمين ، قوله :" تهادوا تحابوا " ، و " تبسمك في وجه أخيك صدقة " ، و التبسم
عادة في الوجه المقابل لا يكون إلا بالنظر في عينيه ، يقول الداعية الأستا عباس
السيسي عن نظر المسلم لأخيه المسلم : .. نظرة تتوجه إلى القلب، تتحدث إليه
بعاطفة رقيقة تهزه وتأسره ، فتلتقي القلوب، وتتعانق الأرواح ، ولا يكون ذلك
إلا بالنظرة الصافية الطاهرة ، نظرة ود وحب في الله تعالى .
وقال عليه السلام :" لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ،
أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم " . وغالبا ما
يكون مع السلام مصافحة ، والنبي –عليه السلام – يقول :" إن المؤمن إذا لقي
المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه ، تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر "
.ويقول الداعية عباس السيسي عن المصافحة : إن تشابك الأيدي لا يتم إلا بين
قلبين متحابين ، فلن تتقدم يد إلى اخرى إلا بحركة موجهة من القلب والعقل معا.
ولقد كان عليه السلام إذا صافح إنسانا لم يخلع يده من يده حتى يخلعها هو ،
ترطيبا لنفسه، وتعليما لنا. وروي عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – أن رسول
الله – صلى الله عليه وسلم – أخذ بيده وقال :" يا معاذ ، والله إني لأحبك .." .
أما عن الحب في الله، فيقول عليه السلام :" يقول الله عز وجل : حقت محبتي
للمتحابين في ، وحقت محبتي للمتباذلين في ، وحقت محبتي للمتزاورين في ". يقول
الإمام الشافعي :
مرض الحبيب فعدته = فمرضت من حزني عليه
وأتى الحبيب يعودني = فبرئت من نظري إليه
وقال عمر – رضي الله عنه - : ثلاث يصفين لك ود
أخيك : أن تبدأه بالسلام، وأن تناديه بأحب الأسماء إليه، وأن تفسح له في
المجلس .
رفاق الدرب مازلتم بعمق القلب أحبابا = وإن غبتم
وإن غبنا فإن الحب ما غابا
أيها الإخوة، هل يستقيم بعد هذا كله أن يكون
هنالك مسلما عديم الإحساس ؟! غنه بذلك يكون في عداد الأموات، لا يشعر بأحد،
ولا يشعر به أحد. يقول علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – خالط المؤمن بقلبك،
وخالط الفاجر بخلقك .
فيا أيها المسلمون، أحيوا قلوبكم بالإيمان، واملأوها بالحب، لتكونوا مشاعل
ومصابيح هداية، ليفتح الله بكم قلوبا غلفا، وأعينا عميا، وكونوا كما قال
الشاعر :
فسح الله في فؤادي فلا أر= ضى من الحب والوداد
بديلا
اللهم أذق قلوبنا برد عفوك، وحلاوةحبك .......
اللهم آمين، والحمد لله رب العالمين.
|