داوود حسني هو الرائد الذي بعث في فن الأوبرا العربية وحمل التراث القديم ثم صاغه فنا منظوراً في اسلوب متجدد على الايام له تأثيره لعلاقته بالقومية العربية ويتأثر بها ويؤثر فيها.
ولد هذا الموسيقار عام 1871م في قرية من ضواحي الاسكندرية، ودرس بمدرسة (الخرنفش) مدة اربع سنوات ولم يظهر ميلا للدراسة، ثم اشتغل في مطبعة تجليد الكتب بعد ان ترك مدرسة الفرير، وصدف ان كان المرحوم الأمام محمد عبده يزور المطبعة لأمور خاصة به فآنس إلى الفتى داوود لما سمع غناءه الشجي ونفحه بشيء من المال، وقال الأمام على ملاء من الحضور ان هذا الفتى سيكون حدثاً في الموسيقى.
كان والده يعزف العود ويحن إلى الموسيقى ويمتهن حرفة الصياغة، وكان لا يرغب ان يكون ولده بين زمرة الموسيقيين.

مراحل حياته

هرب الفتى داوود من دار أبيه وانتقل الى المنصورة فوق مركب شراعي وعاش حقبة فيه كان له اكبر الاثر في مجرى حياته.

اساتذته

تعلم على الشيخ محمد شعبان أستاذ الموشحات، كما تعلم من الحياة سر الفن، ولأول مرة غنى في بلدة المنصورة ففتن وأفتن، فلما قُدر له ان يعود إلى القاهرة وكان الاب والأم قد شغفهما الوجد، وأمضّهما ألم الفراق، وأضنتهما اللوعة رحّبا به ابناً ورحبا به مطرباً وملحنا.
عاد إلى القاهرة ليجد نفسه وجهاً لوجه في ميدان برز فيه النابغة عبده الحمولي ينشد بصوت قلّ أن يجود الزمان بمثله، وبرز فيه محمد عثمان المطرب العظيم والملحن الفذ، وإلى جانبيهما مطربون من ذوي العلم والفن والصوت، رأى الفتى هذه النجوم في سماء الطرب والموسيقى في عهد اسماعيل باشا، فلم تترك الحياة له فرصة الخيار، فإما ان يعيش نافلة على هامش هؤلاء النوابغ، وإما ان يثبت انه زعيم بأن يكون بينهم ويحسب منهم.
اما محمد عثمان فلقد أحبه لاقباله على فنه، وجعل يزّوده بالعلم ويفخر بنبوغه البكر وحيلته البارعة في تكييف اللحن ونقده وعندما قضي محمد كان قد بايع الملحن الشاب على عرش التلحين بعد أن أيقن انه جدير بالصولجان،.

 

مواهبه

استطاع داوود ان يكوّن له شخصية في عالم الغناء والتلحين بعد ان تأثر بفن هؤلاء النوابغ وأن يؤثر فيهم بما ابتدعه في الحانه من حيوية وحركة وقوة وتعبير وعاطفة فغنوا من نبعه واختلط فنّهم بفنه، فكانت تلك النهضة الموسيقية الجبارة.
لقد برز المترجم الذي سكب روحه أنغاماً، فكان نبعاً كلما استنزفت عن مائة، كلما جادك بغيث انقى وفيض أصفى، فقد غنى الحمولي، والمنيلاوي، وعبد الحي حلمي، وزكي مراد، والشنتوري، والصفتي، والسبع، وأم كلثوم، ونجاة علي، ورجاء، واسمهان، وليلى مراد، الحانه.

 

فن الأوبرا

انطلق هذا الفنان النابغة يمجد القومية العربية في فنٍ شرقي أصيل، ولكن مواهبه ما كانت لتقف عند حد، وطفق يبحث عن جديد، فاستدار يستوحي فنه الى الأوبرا فوضع اول اوبرا في الشرق (شمشون ودليلة((والعيون الحيارى) فكانت قبساً من نور العبقرية، ومن عجب ان تكون هذه الأوبرا في اسلوب من النثر الذي لا يتقيد بوزن أو قافية فيحيلها نغماً موزوناً متسقاً مع المعنى مترجماً للعاطفة.
بدأ المترجم الشوط وسار فيه إلى غاياته، واستعرت المنافسة حامية الوطيس بينه وبين القباني، وسيد درويش، فكان داوود بكثرة انتاجه واختلاف الميادين التي يعالجها الحافز الذي يلهب المنافسة بين هؤلاء الاساطين، تلك المنافسة التي أفادت الموسيقى وتقدمها أيما فائدة وقد أكمل اوبرا (هدى) للمرحوم سيد درويش.

 

آثاره

لقد لحن ما يقرب من خمسمائة دور ومقطوعة ونحو ثلاثين رواية غنائية، كان سريع الحفظ لجميع الأدوار والمقطوعات، وله الفضل في تدوين نحو مائة دور دوّنها بالنوتة للمعهد الملكي للموسيقى العربية، وقال عنه احمد شوقي امير الشعراء، انه كنز فني لا يفنى ودرة ثمينة لا تقدر بثمن، وقد وضع كتاباً اسماه (أقطاب الموسيقى الشرقية).
كان ظريفاً، حلو الفكاهة مرحاً باسم الثغر، تربطه علاقة كبيرة بالمرحوم الشيخ محمد عبده ومصطفى كامل، ومن أبرز سجاياه انه جعل فنه وألحانه مشاعاً بين اهل الفن يعيشون من نتاج عبقريته بغناء الحانه، وقد قنع هذا الفنان الجبار بحياة متواضعة واختار هذا الطريق الشاق ولم يكن له فيه حيلة، فقد هيأته الاقدار لحمل هذه الرسالة الفنية الشاقة فكان ملحناً أذاب قلبه رحيقاً يرشف منه الظامئون إلى المتعة الروحية، وكان يتمشى مع احساس الشعب، وله في ميدان الغناء السياسي جولات خالدة.

 

وفاته

وافته المنية في صباح يوم الجمعة العاشر من شهر كانون الأول سنة 1937 م، وقد دفن في القاهرة.


المراجع

alencyclopedia.com

التصانيف

الفنانون   شخصيات   الفنون   العلوم الاجتماعية