جميل الشرابي الحمصي (1890 ـ 1946م)

أصله ونشأته

هو جميل بن محمد أبو الخير الشرابي، ولد في حمص سنة 1890 ميلادية ونشأ بكنف والده وتلقى العلوم الإبتدائية في مدارس حمص، وهبه الله الصوت البديع فكان أحد بلابل حمص ونجومها السواطع في ميدان الفن الموسيقي، تعلق به منذ حداثة سنه فكان غاوياً وحافظاً أكثر الأدوار والقصائد والموشحات المصرية يساعده صوته الشجي الرخيم وعزفه بالعود على إجادة الإلقاء، يصور النغمات بشكل رائق ويتنقل في بحرها ببراعة وانسجام وله المام بالأنغام التركية ينشد ألحانها بشكل مطرب.

 

الحسد الفني

الحسد بين الفنانين داء دفين، ومن النكبات التي حلت بساحة المترجم له في حياته. إن فنه كان موضع حسد بعض فناني حمص المحترفين وسبباً لكدره غمه لحادث وقع بينه وبين المرحوم نجيب زين الدين الفنان المشهور في حدود الفن، فاتهم بالجناية بتاريخ 21 كانون الأول 1925، ثم أصدرت المحكمة الجنائية قرارها ببراءته، فطار صواب خصمه الذي لاحق الدعوى أكثر من سنة، وصدع رجال القضاء بشكاياته، وأزهق أرواح عشاق فنه بأحاديثه عنها، وذهب إلى دار المرحوم نادر بك المؤيد العظم وكان نائباً عاماً للمحكمة في حينه، فطرق الباب، وخرج إليه نادر بك فاستمطره المرحوم نجيب زين الدين بسؤالاته المائعة، فقال له: ليت جميل الشرابي قتلك وأراحنا من غلاظتك. فكان هذا الخلاف الفني ووقائع الدعوى مثار التندر والتفكه في الأندية والمجالس.

 

أحواله وأوصافه

لقد استخدم المترجم في وظائف الدولة ولو احترف الفن واستثمر مواهبه وصوته البديع لبرع في ميدانه وتغير مجرى حياته وعاش بيسر ورغد، غير أن عزة نفسه وإبائه قضيا على مواهبه فارتضى لنفسه العيش بالكفاف.
كان رحمه الله فاتن المحيا كما قال الشاعر:
مورد الخدين فاق بجيده
وبطرفة الساجي على الآرم
يتكلم برزانة وأدب، أنيس المعشر شديد الوفاء لاصدقائه والعطف على أسرته، عبس الدهر بوجهه مرات في مراحل حياته بسبب الوظيفة، تعلو محياه الجميل كآبة عميقة وتنهدات صادرة عن قلب مفعم بالأسى والحرقة لو مست الحديد لصهرته وأذابته.
كان الفن سلوته وبلسماً لفؤاده الكليم، وكم بكى وهو يغني معبراً عن مآسي حياته، فكانت كل خلجة من خلجات صدره تفيض بالشعور.

وفاته

لقد كان آخر اجتماع في منزل أحد الأصدقاء وكأن الفقيد قد شعر بدنو أجله فراح يغني قصيدة الشيخ يوسف المنيلاوي الشهيرة (الله يعلم أن النفس هالكة) وانصرف من السهرة ففاجأ المطر في الطريق فوقف في منعطف الطريق هو وصديق له حتى صحا الجو، وتحدث إليه ببعض أموره بحسرة وألم وسر الموت الخاطف بين عينيه، ثم افترقا وفي يوم الجمعة الثامن عشر من شهر كانون الثاني سنة 1946 عصفت المنية بروحه الطاهرة أثر إصابته بالسكتة القلبية الفجائية وهو في سن الكهولة، فشق نعيه على أهله وذويه ودفن بجانب والدته بمقبرة أسرته الكائنة في باب هود بحمص.
لقد فرق الموت بين نجيب زين الدين وجميل الشرابي وهما على جفاء وانقطاع، وتلقى نجيب نبأ وفاة خصمه بوجوم وذهول وكان مريضاً، لأن الموت الذي يمحو كل ضغينة وحقد لا شماتة فيه، فقد تجلت في عبرات نجيب شعور النبل والتسامح وتمنى لو استطاع أن يودعه إلى مرقده الأبدي ليقرأ الفاتحة على قبره، إلا أن النزلة الصدرية الحادة التي ألمت به قد أودت بحياته بعد ثلاثة أيام.

المراجع

alencyclopedia.com

التصانيف

الفنانون   شخصيات   الفنون   العلوم الاجتماعية