سليمان بن داوود عليه السلام
قال تعالى: «وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء،إن هذا لهو الفضل المبين»النحل16. أي ورث سليمان عن والده النبوة والحكم معاً وليس الوراثة بمعنى الأموال. وقد أوتي سيدنا سليمان مالم يؤت أحداً قبله، فقد فهم لغة الحيوانات فيما بينهم جميعاً كما قد سخر الإنس والجن لخدمته عليه السلام.
قال تعالى:«وحشر لسليمان جنوده من الجن والأنس والطير فهم يوزعون، حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكاً من قولها وقال رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين»النمل17ـ 19.
ثم ذكر تعالى ماكان من أمر سليمان والهدهد وذلك أن كل الطيور كانوا يحضرون مجلس سليمان كما هي عادة الجنود مع الملك، وكانت وظيفة الهدهد الكشف عن أماكن وجود الماء، فلما تفقده سليمان عليه السلام ذات يوم لم يجده في موضعه فتوعده أنه سيعذبه إن لم يعط عذراً مقبولاً لسبب غيابه فما كانت مدة طويلة وإذا بالهدهد يتقدم من نبي الله ويخبره بما لا يعلمه فقد أتاه بخبر من أقاصي البلاد من اليمن أن هناك ملكة أوتيت من كل شيء، ولها مملكة عظيمة، ثم ذكر له كفرهم بالله وعبادتهم الشمس وإضلال الشيطان لهم وصدهم أياه عن عبادة الله تعالى وحده لا شريك له.
عند ذلك بعث سليمان برسالة مع الهدهد إلى بلقيس ملكة سبأ قال لهم فيها:أن لا تستكبروا علي وعلى طاعتي وأقدموا إلى سامعين مطيعين.
فلما وصلت الرسالة جمعت وزراءها:قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلى كتاب كريم، إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم.
ألا تعلوا علي واتوني مسلمين فشاورتهم في الأمر ورأت أن تبعث له بالهدايا مخافة منه، فأرسلت له الهدايا الغريبة الفريدة، فلما وصلته هذه الهدايا قال لحاملها:ارجع بهديتك التي قدمت بها إلى من ارسل فإن عندي من نعم الله ما هو أضعاف هذا وخيرمنه.
والا قدمن عليكم بجيوش لن تستطيعوا عليها أبداً.فلما بلغها ذلك عن سليمان أرسلت له السمع إلطاعة وأجابته بأنها ستسير إليه وعندما علم أنها قادمة طلب سليمان من الجن أن يحضروا له عرش بلقيس وهو سرير مملكتها التي تجلس عليه وقت حكمها.
فقال عفريت انه سياتي به قبل ان ينفض هذا المجلس أي من الصبح أي ما قبل الزوال وسأحافظ على ما فيه من ذهب وجواهر نفيسة وقال أحدهم وكان على علم بالكتاب:أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك نظرك لأي أمر، فرآه مستقراً عنده بلحظات فقال سليمان: «هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر».ثم أمر أن يغيروا لها عرشها قليلاً، فلما وصلت سألها:هكذا عرشك فقالت، كأنه هو وقالت ربي إني ظلمت نفسي، ثم أعلنت إسلامها مع سليمان، فتزوجها سليمان وأقرها على ملكها وبنى له هناك ثلاثة قصور هم:غمدان وسالحين وبيتون وكان يزور في الشهر مرة فيجلس عندها ثلاثة أيام.
وقد ورد عن سليمان أنه كان شغوفا بحب الخيل جداً إلى أن كان يوم أمر باستعراض الخيل أمامه فألهته عن صلاة العصر حتى المغرب فلما فطن عن ذلك عزم على ذبحها لأنها ألهته عن ذكر الله، وقد كان عددها كبيراً وعوضه الله عنها بأن سخر له الرياح لحمله على بساط إلى شاء.قال تعالى:«ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر، وأسلنا له عين القطر، ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه، ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير. يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات، اعملوا آل داوود شكراً وقليل من عبادي الشكور»سبأ 12 ـ 13.
ثم أمر سليمان بتجديد بناء بيت المقدس. ومن المعلوم أن أول من بنى بيت المقدس هو سيدنا يعقوب، وانما سليمان قام بتجديده ويؤكد هذا حديث رسول الله أن أول مسجد بني هو المسجد الحرام ثم مسجد بيت المقدس وقد كان بينهما أربعون عاماً، فإبراهيم بنى المسجد الحرام في مكة مع ابنه إسماعيل وجاء يعقوب وبنى بيت المقدس.وأما عن وفاته عليه السلام فقد أخبرنا رسول الله قال:كان سليمان نبي الله عليه السلام إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيقول لها: ما اسمك فتقول كذا.
فيقول لأي شيء أنت فإن كانت لغرس غرست وإن كنت لدواء انبتت فبينما هو يصلي ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه فقال لها: ما اسمك قالت: الخروب قال لأي شيء أنت ؟ قالت:لخراب حفدا البيت، قال:ماكان ليخربه وأنا حي أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس. فقال: اللهم عم على الجن موتي حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، فنحتها عصاً وتوكأ عليها وقبض وهو على هذه الحال ـ
وبقي هكذا حولاً والجن تعمل من حوله، فأكلت الأرضة العصا. فوقع فعلموا أنه قد مات، فتبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولاً في العذاب المهين.قال تعالى:«ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته، فلما خر تبينت الجن أن لوكانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين» وقد عاش سيدنا سليمان اثنين وخمسين سنة وكان ملكه أربعين سنة، ثم تفرقت من بعده بنو إسرائيل.
بعض من أنبياء بني اسرائيل وخراب بيت المقدس:قال تعالى:«وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً» الاسراء2 ـ 3.
بعد داوود عليه السلام مرج أمر بني إسرائيل واختلطت أحداثهم وكثر شرهم وكان عندهم نبي اسمه شعيا فقام بينهم ووعظهم وذكرهم وأخبرهم عن الله وأنذرهم بأسه وعقابه إن خالفوه، فكذبوه واعتدوا عليه وضربوه ثم لحقوه فاختبى داخل شجرة ووجده بنو إسرائيل فنشروا الشجرة بالمنشار وقتلوه.
ثم كثر هرجهم ومرجهم وازداد طغيانهم فبعث الله لهم نبياً اسمه أرميا بن حلقيا وأمره أن يذكرهم ويهديهم إلى الصراط المستقيم وإلا فإنه سيرسل عليهم رجالاً أشداء لا يخشون الله ولا يخافون عقابه وأنهم سوف يبيدونهم ويهدمون مساجدهم ويسبون نسائهم ويحرقون بيوتهم. فلما بلغهم أرميا رسالة ربهم وسمعوا ما فيها من الوعيد والعذاب عصوه وكذبوه واتهموه وقالوا له: كذبت وأعظمت على الله الفرية فتزعم أن الله سيعطل أرضه ومساجده من كتابه وعبادته وتوحيده واتهموه بالجنون فأخذوه وقيدوه وسجنوه.
عند ذلك بعث الله عليهم بختنصر قأقبل بجنود كثيفة فحاصرهم فترة ثم فتحوا له الأبواب، فبطش فيهم بطش الجبارين وحرمه بيوتهم وهدم مساجدهم وسبى نسائهم وقتل مقاتليهم ومضى على بني إسرائيل.وقبل أن يرجع بختنصر إلى بلاده سأل عن دانيال الذي كان قد كتب له كتاب صلح فوجده قد مات فأقر الكتاب مع دانيال الأصغر ابن حزقيل، إلا أنه خشي منه فأخذه معه أسيراً إلى بلاده، وهناك ألقى به في جب فيها أسدين إلا أنهما لم يلحقا به أي أذى.
مكث بينهما فترة إلى أن اشتهى ما يشتهي الأدميون من الطعام والشراب فأوحى الله إلى أرميا وهو ببيت المقدس أن اصنع طعاماً لدانيال فقال: يا رب: أنا بأرض المقدس ودانيال بأرض بابل فأوحى الله إليه أن أعدد ما أمرناك به فإنا سنرسل من يحملك ويحمل ما أعددت. ففعل وأرسل الله من حمله وحمل ما أعده حتى وقف على رأس الجب وعندما رآه دانيال حمد الله وأثنى عليه كثيراً.
وقد روي عن أبي موسى الأشعري أنه حينما دخل المسلمون تستر ووجدوا في بيت مال الهرمزان سريراً عليه رجل ميت عند رأسه مصحف، وكان هذا الرجل يدعون به حتى تمطر عليهم فيجابون وقد وجدوه كما هو ما تغير منه شيء وقد وجدوا في يده خاتماً نقش عليه أسدان بينهما رجل يلحسانه.
وقد سأل أبو موسى علماء هذه القرية عن هذا الرجل فقالوا إنه دانيال وقد أمره عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يدفنه وأن يخفي قبره، فأمر ببعض جنوده فنبش ثلاثة عشر قبراً ودفنه في أحدها وسوى القبور كلها حتى عماه على الناس فلا ينبشونه.
ثم أوحى الله تعالى إلى أرميا عليه السلام أني عامربيت المقدس فأخرج إليها فأنزلها.
فوصلها وهي خراب، فقال في نفسه:سبحان الله أمرني الله أن أنزل هذه البلده وأخبرني أنه عامرها، فمتى يعمرها ومتى يحييها الله بعد موتها فوضع رأسه فنام ومعه حماره وسلة من طعام فمكث في نومه سبعين سنة، عاد خلالها بنو إسرائيل من العراق إلى فلسطين بأمر من بختنصر فأعادو عمارتها وبنيانها، ثم فتح الله لأرميا عينيه فنظر إلى المدينة كيف تبنى وكيف تعمر، ثم بعثه وهو لا يظن أنه نام أكثر من ساعة وقد عهد المدينة خراباً فلما نظر إليها عامرة آهلة قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير.
المراجع
mawdoo3.com
التصانيف
قصص الأنبياء شخصيات إسلامية أنبياء ورسل الدّيانات