آداب متعلم القرآن وحامله
آداب متعلم القرآن:
القرآن كلام الله العظيم - سبحانه وتعالى، قال - جل جلاله -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41، 42]، فإذا علم التالي أنه يقرأ كلام الله - تبارك وتعالى - أو يتعلَّم كتاب الله، فلا بد من توقيرِه واحترامه، والتأدب معه كما ينبغي.
والآداب التي ينبغي مراعاتها كثيرة، ولكني أذكر لك طرفًا منها، منبِّهًا به على غيره، فَانْوِ العمل، واستعنِ بالله ولا تغترَّ، ولا يغرنَّك أحوال السَّفِلة من الناس الذين لا يتأدبون مع القرآن، بل كلما زاد وقار الله في قلبك، زاد حبك للقرآن وتأدبك معه.
القارئ والمقرئ لهما أخلاقٌ وآداب حميدة، تزينهما وتسمو بهما، ولا يسعُهما إلا التخلُّق بها، فينبغي لكلٍّ من المعلِّم والمتعلِّم ألا يحرمَ نفسه من الأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة التي تزكو بها نفسه، ويعلو بها خُلُقه.
فاعلم أن الله - تعالى - لا يقبلُ عملاً إلا إذا كان خالصًا صوابًا، فالخالص ما ابتُغِي به وجه الله وحدَه، والصواب ما وافق الشرع؛ ولذلك كان على القارئ أن يعدَّ للقراءة ما تحتاجه من آداب، وهي كثيرة كما ذكرت؛ ومنها:
1- أن يخلصَ النيَّة، ويقصد بذلك رضا الله - تعالى.
2- لا يقصد بتعلُّمه توصُّلاً إلى غرضٍ من أغراض الدنيا من مال، أو رياسة، أو وجاهة، أو ارتفاعٍ على أقرانه، أو ثناء عند الناس، أو صرف وجوهِ الناس إليه، أو نحو ذلك؛ ففي صحيح أبي داود عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن تعلَّم علمًا مما يُبتَغى به وجهُ الله - عز وجل - لا يتعلَّمه إلا ليصيبَ به عرَضًا من الدنيا، لم يجدْ عَرْف الجنة يوم القيامة))؛ يعنى: ريحها.
3- وينبغي للمتعلِّم أن يتخلَّق بالخصال الحميدة؛ من السخاء، والجُود، ومكارم الأخلاق، ففي البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أجودَ الناس، وكان أجودُ ما يكونُ في رمضان حين يلقَى جبريل، وكان جبريلُ يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدَارِسه القرآن، فَلَرسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أجودُ بالخير من الريح المرسلة".
• طلاقة الوجه، والحِلْم، والصبر، وقد عُوتِب رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في القرآن حين عبس وجهه، وهو - صلى الله عليه وسلم - أحسنُ الناس خُلقًا؛ فكن بشوشًا، وأحسِنْ إلى الناس ولو أساؤوا.
• التَّنَزه عن دنيء المكاسب، وتحرِّي أكل الحلال.
• ملازمة الخشوع والسكينة، والوقار والتواضع والخضوع، قال - تعالى -: ﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾ [مريم: 58]، وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء: 107 - 109].
• اجتناب الضَّحِك، وترك المِزاح مطلقًا في مجالس القرآن.
• يحذر من الحسد والرياء، والعُجب والكِبر، واحتقار غيره، وإن كان دونه.
• يستعمل دومًا الأحاديث الواردة في التسبيح والتهليل، ونحوهما من الأذكار والدعوات.
• يراقب الله - تعالى - في سرِّه وعَلانِيَته، ويحافظ على ذلك، ويجب أن يكون معتمدًا في جميع أموره على الله - تعالى؛ قال - سبحانه -: ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [التوبة: 124].
4- يصون يديه في حال القراءة أو التسميع عن العبث، ويحفظ عينيه عن تفريق نظرهما من غير حاجة.
5- المداومة على استعمال السواك؛ لتطييب الفمِ قبل القراءة.
6- يقعد على طهارة، مستقبِل القبلة، منكسرًا، حاضر القلب.
7- يجلس بوقار، وتكون ثيابه بيضاء نظيفة، ويلبس قَلَنْسُوَة أو عِمامة.
8- إذا وصل إلى موضع جلوسه صلَّى ركعتين قبل الجلوس.
9- يجلس متربعًا إن شاء، أو غير متربع بأدبٍ ووقار.
10- يجتنب الأسباب الشاغلة عن التحصيل.
11- ينبغي أن يطهِّر قلبَه من الأدناس؛ ليصلحَ لقبول القرآن وحفظه واستثماره.
12- ينبغي أن يتواضع لمعلِّمه، ويتأدَّب معه، وإن كان أصغر منه سنًّا.
13- ينبغي أن ينقاد لمعلِّمه، ويشاوره في أموره، ويقبَل قوله.
14- لا يتعلَّم إلا ممَّن كملت أهليته، وظهرت ديانته، وتحقَّقت معرفته، واشتهرت صيانته.
15- عليه أن ينظر إلى معلِّمه بعين الاحترام والوقار.
16- من حق المعلِّم عليك أن تسلِّم على الناس عامة، وتخصه دونهم بتحية، وأن تجلس أمامه، ولا تجلس خلفه، ولا تشيرنَّ عنده بيدك، ولا تغمزنَّ بعينيك، ولا تقولن: قال فلان خلاف ما تقول، ولا تغتابنَّ عنده أحدًا، ولا تشاور جليسَك في مجلسه، ولا تأخذ بثوبه إذا قام، ولا تلحَّ عليه إذا كسل، ولا تشبع من طول صحبته.
17- أن يردَّ غِيبة شيخه إن قدر، فإن تعذَّر عليه ردُّها، فارق ذلك المجلس.
18- ويدخل على الشيخ كامل الخصال، متطهرًا، مستعملاً للسواك، فارغًا من الأمور الشاغلة.
19- لا يدخل بغير استئذان، إذا كان الشيخ في مكان يحتاج فيه إلى الاستئذان.
20- يقعد بين يدي الشيخ قعدة المتعلِّمين، لا قعدة المعلِّمين.
21- ولا يرفع صوته رفعًا بليغًا من غير حاجة.
22- ولا يضحك، ولا يكثر الكلام من غير حاجة.
23- ولا يعبث بيده ولا بغيرها، ولا يلتفت يمينًا ولا شمالاً من غير حاجة، بل يكون متوجِّهًا إلى الشيخ، مُصغِيًا لكلامه.
24- لا يقرأ على الشيخ في حال شغل قلب الشيخ، وملله، وغمه، وفرحه، وعطشه، ونعاسه، وقلقه، ونحو ذلك مما يشقُّ عليه، أو يمنعه من كمال حضور القلب والنشاط.
25- يغتنم أوقات نشاط الشيخ.
26- يتحمَّل جفوة الشيخ، ولا يصده ذلك عن ملازمته واحترامه، وإن جفاه الشيخ ابتدأ هو بالاعتذار إلى الشيخ، وأظهر أن الذنب له والعتب عليه، فذلك أنفع له في الدنيا والآخرة، وأنقى لقلب الشيخ.
27- أن يكون حريصًا على التعلُّم، مواظبًا عليه في جميع الأوقات التي يتمكَّن منه فيها.
28- لا يقنع بالقليل من العلم، مع تمكُّنه من الكثير.
29- لا يحمِّل نفسه ما لا يُطِيق؛ مخافة من الملل وضياع ما حصل.
30- إذا جاء إلى مجلس الشيخ فلم يجده انتظره، ولازم بابه، ولا يفوِّت وظيفته، إلا أن يخاف كراهة الشيخ لذلك.
31- إذا وجد الشيخ نائمًا أو مشتغلاً بمهمٍّ لم يستأذن عليه، بل يصبر إلى استيقاظه أو فراغه، أو ينصرف، والصبرُ أولى.
32- يحافظ على قراءة محفوظه، ويراجعه دومًا.
33- لا يحسد أحدًا من رفقته أو غيرهم، على فضيلة رزقه الله إياها.
34- لا يعجب بنفسه بما خصه الله، وأن يذكِّر نفسه أنه لم يحصِّل ما حصَّله بحَوْلِه وقوَّته، وإنما هو فضلٌ من الله - تعالى - ولا ينبغي له أن يعجب بشيء لم يخترعه، بل أودعه الله - تعالى.
••••
آداب حامل القرآن:
1- حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي أن يلهوَ مع مَن يلهو، ولا يسهو مع مَن يسهو، ولا يلغو مع مَن يلغو، تعظيمًا لحق القرآن.
2- أن يكون على أكمل الأحوال وأكرم الشمائل، تعظيمًا لما في جوفه من كلام الله - تعالى.
3- يرفع نفسه عن كلِّ ما نهى القرآن عنه، إجلالاً للقرآن.
4- وأن يكون مصونًا عن دنيء الاكتساب، شريفَ النفس عفيفًا، مترفعًا عن الجبابرة والجفاة من أهل الدنيا، متواضعًا للصالحين وأهل الخير والمساكين، وأن يكون متخشعًا، ذا سكينة ووقار.
5- أن يحذر كلَّ الحذر من اتخاذ القرآن معيشة يتكسَّب بها.
6- ينبغي أن يحافظ على تلاوته، ويُكثِر منها، وأن يكون عالي الهمَّة في ذلك، لا يقنع بالقليل.
7- يتعهَّد القرآن، ولا يعرِّضه للنسيان.
8- ينبغي أن يكون اعتناؤه بقراءةِ القرآن في الليل أكثر، وفي صلاة الليل أكثر، والآثار والأحاديث في هذا كثيرة، ومن الآيات قوله - تعالى -: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 113، 114]، وقال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 1 - 4].
وإنما رجحت صلاة الليل وقراءته لكونِها أجمعَ للقلب، وأبعدَ عن الشاغلات والمُلْهِيات، والتصرُّف في الحاجات، وأصونَ عن الرياء وغيره من المُحبِطات، مع ما جاء الشرع به من إيجاد الخيرات في الليل.
واعلم أن فضيلة القيام بالليل والقراءة فيه تحصلُ بالقليل والكثير، وكلَّما كان أكثر كان أفضل، إلا أن يستوعبَ الليل كله، فإنه مكروهة المداومة عليه؛ لئلاَّ يضر بنفسه.
وأفضل القراءة ما كان في الصلاة، وأما القراءة في غير الصلاة، فأفضلها قراءة الليل، والنصف الأخير من الليل أفضل من النصف الأول، والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة، وأما القراءة في النهار، فأفضلها بعد صلاة الصبح، ولا كراهة في القراءة في أي وقت من الأوقات، ويختار من الأيام: الجمعة، والاثنين، والخميس، ويوم عرفة، ومن الأعشار: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأُوَل من ذي الحجة، ومن الشهور شهر رمضان.