إن أهمَّ ما ينساه بعض المسلمين وهم يتنازلون شيئاً فشيئاً عن قواعد ثابتة في الإسلام ونصوص حاسمة ، أنَّ الله سبحانه وتعالى قد بيَّن للمؤمنين بصورة مفصَّلة وافية كيف ينهجون ويمضون ، وكيف يقدِّمون رأياً أو يتخذون موقفاً .لقد بيَّن الله للمؤمنين أن سبيل الله سبيل سواء ، سبيل يجمع المؤمنين في الحياة على درب واحد وصراط مستقيم حتى تنتهي بالهدف الأكبر والأسمى الجنَّة ورضوان الله والدار الآخرة :( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) [ يوسف : 108 ]وكذلك :( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [ الأنعام : 153]وكذلك :( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) [ النساء : 115 ]نعم ! إنَّ للمؤمنين سبيلاً واحدة ! ومن يخرج عنها فقد خرج عن الهدى الذي بُيِّن له، وشاقَّ الله ورسوله .ولقد بيَّن الله سبحانه وتعالى تفصيلات هذا السبيل وهذا الصراط المستقيم حتى لا يضلَّ عنه المؤمنون إذا صدقوا الله وأوفوا بعهدهم وصحَّت عزائمهم .ويبدو اليوم ، مع ما يحمله واقع المسلمين من ضغوط الغزو الفكري ، وضغط الحضارة المادِّيَّة العَلمانية،
وزخرف العلوم والصناعة، وضغط السلاح المدمِّر المبيد، وضغط الأجهزة المتعدِّدة الناشطة في إفساد الناس والأرض والهواء، وضغط القوى العسكرية الزاحفة أو المتربصة، يبدو اليوم أنَّ الدرب اختلطت معالمه واضطربت مسالكه، حتى لم يعد سبيلاً واحداً وإنَّما أصبحتْ سبلاً شتَّى، على كلّ سبيل شياطين الإنس والجنَّ تدعو إليه بكلِّ وسائل الإغراء والفتنة، أو التخدير والتضليل ، أو القهر والإكراه .إنَّ المؤمن ، إذا صدق إيمانه وصفا ونطق بالشهادتين وصدقت نيته وعزيمته ، فإنه يكون قد انتقل بذلك نُقلة هائلة . فإذا أقام الشعائر شعر بعظمتها وحاجته إليها وارتباطها بالإيمان والتوحيد الذي أعلنه ، ثمّ يدفعه الإيمان والتوحيد ،
والشهادتان ، والنيَّة الصادقة والعزيمة الصادقة إلى أن يُقبل على كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم إقبال شوق ولهفة وتدبّر ويقين . ينهل منهما الزاد الذي لا غناء عنه في مسيرة ممتدّة على صراط مستقيم ، إلى أهداف ربانيّة ثابتة تشرق معالم على الصراط المستقيم ، وتمتدّ إلى الهدف الأكبر والأسمى الدار الآخرة والجنّة ورضوان الله .يكون المؤمن بذلك قد عرف دربه ومضى عليه بنيَّة وعزيمة صادقتين فلا يتوقف ولا ينحرف ولا يتراجع . يمضي وهو يحمل الزاد الرئيس الحقَّ من إيمانه ، ونيّته وعزيمته ، ومن منهاج الله . ثم ينمو زاده مع الصحبة المنهجيّة
المباركة لمنهاج الله ، ومع وعي الواقع من خلال منهاج الله ، ومع نمو التجربة والممارسة في الواقع . يمضي على صراط مستقيم : عهده الأول مع الله وولاؤه الأول لله وحبه الأكبر لله ورسوله ، وقلبه معلّق بالجنة ، بالدار الآخرة ، يصل الدنيا بالآخرة .هذه المسيرة ومع هذا الزاد لن يضلّ الطريق ولن تختلط عليه الدروب ، فهو في رعاية الله وهديه . وهو قادر على أن يحدّد موقفه مع كل حدث ، يجتهد بما يحمل من زاد ، ويمضي وأمامه نور ، حتى إذا أخطأ في اجتهاده عاد وعرف خطأه وصحَّح خطوته .( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) [ الأعراف ]إن أول هدف ، وأول مسؤولية ، وأول تكاليف من الله ، بعد أن حمل الزاد ، هو تبليغ رسالة الله إلى الناس كافّة ، ودعوتهم إلى عبادة الله الذي لا إله إلا هو ، لإخراجهم من الظلمات إلى النور .هذه هي القضية التي تحدّد علاقاته مع الناس كافة ، وتقيم روابطه كلَّها ، وسيجد أمامه ، وهو ماضٍ على هذا الدرب ، على الصراط المستقيم ، نماذج شتى جعلهم الله على دربه ابتلاء له وتمحيصاً له ، سيجد أهل الكتاب والكافرين والمنافين ، وسيجد معه المؤمنين ، وحين يردّ ذلك كله إلى منهاج الله يرى أَنّ منهاج الله بيّن له كيف تكون العلاقات والروابط ، وكيف تكون المواقف والتعامل ، مهما كان الواقع ومهما كانت القوى العاملة . وتظلّ مهمته هي نفس المهمة يدعو إلى الإيمان والتوحيد ماضياً إلى هدف ثابت بعد هدف ثابت . إنه يرتبط مع المؤمنين بموالاة تنبع منها أخوة الإيمان نابعة من الولاء الأول لله والعهد الأول مع الله والحب الأكبر لله ورسوله ، ومن سائر قواعد الإيمان والتوحيد . إنها رابطة متميّزة محورها الموالاة بين المؤمنين في الأرض جميعاً ، موالاة نابعة في قلب كلِّ مؤمن :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) [ المائدة ]هذه رابطة لها حقوقها وعليها واجباتها ، وهي خاصة بالمؤمنين في الأرض كلهم . إن إقامة هذه الرابطة بين المؤمنين هي شرط رئيس ضروريّ حتى يستطيع المؤمن أن يحدّد مسؤولياته ،
وعلاقاته وروابطه ، ومواقفه مع غير المؤمنين : وقد سبق ذكر الآية الكريمة من سورة النساء ونعيد التذكير بها هنا للأهمية :( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) [ النساء ]نعم ! " ... ويتبع غير سبيل المؤمنين ... " ! ذلك لأن المؤمنين يجب أن يكونوا صفاً واحداً كما أمر الله ، وأن يكون لهم سبيل واحد هو سبيل الله ، وهو الصراط المستقيم الذي تحدّده التكاليف الرّبانية الثابتة الممتدّة عليه .وكذلك : " .. من بعد ما تبيّن له الهُدى ... " ! ذلك لأن المؤمنين الذين هم صفٌ واحد ، كان همهم الأكبر ومسؤوليتهم الأولى وعلاقتهم الرئيسة مع جميع خلق الله هي دعوتهم إلى الهُدى وبيانه للناس كافّة ، حتى لا يكون عذر لمتخلف عن سبيل المؤمنين .علاقة المسلمين مع غيرهم : هذه هي الشروط التي يجب أن تتوافر فيمن يريد أن يفكر في طبيعة العلاقات مع غير المسلمين : صفاء الإيمان والتوحيد ، والولاء الأول لله والعهد الأول مع الله والحب الأكبر لله ورسوله ، وإقامة الشعائر وطلب العلم بمنهاج الله ووعي الواقع من خلاله ،
حتى يتبيَّن للمؤمن دربه على صراط مستقيم ، وتتبيّن له أهدافه الربانيّة التي كلَّفه الله بها . وأول هذه التكاليف دعوة غير المسلمين دعوة واضحة جليّة إلى الإيمان والتوحيد ، إلى الله الحق ، إلى الإسلام ، وأن يكون المسلمون أمة واحدة وصفاً واحداً .إن هذه الدعوة إلى الله ورسوله ، إلى الإيمان والتوحيد ، إلى الإسلام ، هي الأساس التي تقوم كل العلاقات مع أهل الكتاب وغير أهل الكتاب عليها . إذا لم يقم هذا الأساس عملياً في بناء العلاقات ، فعلي أيِّ أساس آخر نقيم علاقاتنا ، وكيف ندّعي أن تلك العلاقات التي تُبْني على غير هذا الأساس علاقات إيمانيّة ؟! وكيف يحلُّ لنا أن نجتزيء بعض الآيات لنسوّغ " التنازل " الذي يسمّيهه بعضُهم " بالحكمة " ، و " الاستسلام " الذي يسميه البعض بالموعظة الحسنة ! ولنستمع إلى
هذه الآية الكريمة :( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) [ النحل ]إن كثيراً من الناس يأخذون بعض هذه الآية ويتركون بعضها الآخر الذي هو الأساس . إنهم يقولون : يجب أن نتعامل مع هؤلاء وهؤلاء بالحكمة ونخاطبهم بالتي هي أحسن . وفي سبيل هذا الهدف يمكن أن نتنازل ونعاون ونتقارب . وبذلك يلغون القاعدة التي قامت عليها الإشارة إلى الحكمة وما تلاها ، ألا وهي : " ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ ... " ! تَركُوا الدعوة إلى الإيمان والتوحيد ، وأقاموا مكانها علاقات اجتماعية واقتصادية ومصالح مادية ، وأخذوا من الآية الكريمة ما يظنّون أنه يسوّغ ما هم فيه من علاقات تطورت حتى أصبح فيها المسلمون يمتدحون مبادئ هؤلاء وفلسفاتهم ونظمهم وأدبهم وفكرهم ! انقلبت الآية وأصبحنا نحن الذين نُدْعَى ولسنَا الذين يَدْعُون ، على الأقل من الناحية العمليّة التطبيقية والنتائج الملموسة ([1]) .كيف يأمرنا الله أن ندعو هؤلاء من أهل الكتاب وغيرهم ، وكيف تكون العلاقة معهم . فلنستمع إلى آيات الله البيّنات :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا (48) [ النساء ] إنَّ أول ما نفهمه من هذه الآية الكريمة هو أن الدعوة إلى الإيمان والتوحيد ، إلى الإسلام ، دعوة واضحة جادّة صريحة ، دعوة إلى التخلّي عن الشرك . إنَّ المواربة في هذا الأمر أو المداهنة أو المساومة ليست أسلوباً يدعو له الإسلام أو يرضى به الله . إن الله يريد أن تكون دعوته واضحة جلّية ، وأن نبلّغها كما أُنزلت على محمد r . ليست الدعوة إذن إلى التقارب .
فأيُّ تقارب بين التوحيد والشرك ؟! إنَّ قوة أهل الكتاب اليوم وسلطانهم الممتد يضغط على بعض المسلمين وعلى فكرهم ، فتختلط الأمور تحت تأثير هذا الضغط . لا بدّ من أنَّ نؤكد أن أساس العلاقات هو الدعوة إلى الإسلام . وأن تكون الدعوة واضحة جليّة لا تدع لأحد عذراً يدّعي معه أنه لم يستوعب الدعوة ويجب أن تكون الدعوة عامة على جميع المستويات ، كما أنزلت من عند الله .ولنستمع إلى آيات بيّنات أخرى توضح ذلك :( الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ۚ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) [ آل عمران ] وهذا أسلوب آخر لدعوة أهل الكتاب إلى الإسلام يحمل نفس خصائص الأسلوب السابق : الوضوح والجلاء ، النهي عن المراء والمماراة ، فإذا لم ينفع الجدل بإقناعهم بالحق من عند الله ، فليجتمعوا ليدعوا أن لعنة الله على الكاذبين . وأسلوب آخر :( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) [ آل عمران ] أسلوب ثالث ولكنه مثل سائر الأساليب واضح جليّ حاسم . فإن لم يستجيبوا فيعلن
المسلم إسلامه واضحاً جليّاً ويقول : " اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ " . لقد عرضت هذه الآية الكريمة أسس الخلاف وأخطر قضاياه ، حتى إذا سُوِّيت سائر القضايا . هذه هي الحكمة والموعظة الحسنة التي يريدها الله والتي أشار إليها في الآية من سورة النحل : قول الحق والصدق ، الوضوح والجلاء ، عرض أخطر القضايا ... ! ويمضي الإسلام ، ويظل في جميع الحالات واضحاً جليّاً حاسماً . ذلك لأنه يدعوهم إلى الحق ، من آمن به واتبعه نجا في الدنيا والآخرة ، ومن أبى هلك . ومن خلال الجدال يبيّن لهم أخطاءهم بأسلوب واضح حاسم :( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) [ آل عمران ] لم يكن القرآن " يبحث عن العوامل المشتركة الأساسية في دعوة الآخرين من المشركين ومن أهل الكتاب وغيرهم كما يدّعي بعض المسلمين اليوم .
إِنه كان يعرض الحق ويدعو إِليه . فأنى يكون بين التوحيد والشرك عوامل مشتركة . وإذا كانت هنالك عوامل مشتركة هم يؤمنون بها ونحن نؤمن بها ، فلماذا ندعوهم إِليها . فما ذكرته الآية الكريمة من سورة آل عمران : " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ ... " ، لا تعرض عوامل مشتركة ، وإنما تعرض جوهر الخلاف والقضايا غير المشتركة لتذكِّرهم بها ، لأَنها كانت هي أساس دينهم الذي حرّفوه ، حتى أصبحوا بسبب التحريف مشركين . وإذا كانت " كلمة السواء " عاملاً مشتركاً فلماذا ندعوهم إليها . إن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن ندعوا أهل الكتاب إلى الحق الذي فارقوه ، وأمرنا أن نجادلهم بالتي هي أحسن ، دون أن نُغَيِّر حقيقة الدعوة وأهميتها وقضاياه تحت ادعاء " بالتي هي أحسن " :( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)[ العنكبوت ] نعم ! بالتي هي أحسن ؟! إنها الأسلوب الذي يقنعهم بالحق دون أي تنازل عنه . وهذا الحق هو الذي أُنزل إلينا فآمنا به وحفظه الله لنا ،
وهو الذي أُنزل إليهم كذلك فحرّفوه وبدَّلوه فأشركوا . ثم تكون النتيجة هي الحسم والفصل : " وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ " ! لا بد أن يكون أسلوب الجدال يجمع قوة الحجة وصدق النيّة وسلامة المنهج . إن الذي يعرضه القرآن الكريم من أجل التعامل مع أهل الكتاب وغيرهم من المشركين والكافرين هو منهج متكامل متماسك ، وليس قطعاً منثورة هنا وهناك . فلا بدَّ حين نتحدَّث عن هذا الموضوع أن نشير إلى هذا المنهج وإلى تكامله وإلى أسسه التي يقوم عليها ، حتى تكون الصورة التي نعرضها أقربَ للتقوى . وحين لا نلتزم النهج أو لا نشير إليه وإلى أُسسه ، ونكتفي بأخذ آية واحدة من هذا المنهج ، فإن الصورة ستختلف عندئذ كثيراً ، والمصطلحات التي نستخدمها لا تنصف الدلالة المرجوة وقد تفارقها. (1) يُراجع كتاب : الفقه امتداده وشموله بين المنهاج الرباني والواقع الباب الثالث الفصل الخامس للكاتب.
المراجع
odabasham.net
التصانيف
قصص أدب مجتمع الآداب