عادل هندي - مكتب القاهرة

 

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}

بينما يعيش الإنسان في عمره بلا قلب، ولست مبالغًا في قولي، فبالفعل يعيش بدون قلب: لأنه لو كان له قلب لحافظ على طاعة مولاه وغضّ بصره عن المحارم ودندن بقراءة القرآن في كل وقت، وأكثر من ذِكْر الله... ولكنه عاش مفرطًا، عاصيًا، مقصرًا، فبينما هو كذلك إذ هو بموعد مع المفاجأة حيث جاءه منادٍ ينادي: "مبروك جالك قلب" كان على موعد مع الدموع... موعد مع القرب والحبِّ... موعد مع الرحمات... موعد مع الهداية والهدى؛ حيث جاءه رمضان، الذي بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا الذي عاش عامًا بعد صاحبه الذي استُشْهِد في معركة من معارك المسلمين، فلما عجب الصحابة من ذلك قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «أليس قد مكث هذا بعده بسنة؟» قالوا: بلى. قال : «وأدرك رمضان فصامه، وصلى كذا وكذا في المسجد في السنة ؟» قالوا: بلى، قال: « فلَمَا بينَهما أبعدُ ممَّا بين السماء والأرض».

بلى والله فرمضان شهر لميلاد القلوب، وهو شهر العودة لعلَّام الغيوب، وكذا شهر الإقرار بكل الذنوب، لعل الله أن يتوب.

وأضرب لك نموذجًا ليصلك ما أريد:

نفرض أن رجلاً من المسلمين ما كان ينجب لمدّة طويلة وعانَى كثيرًا من البحث عن أسباب العلاج من العُقْم هو وزوجته سنين عدة على هذا الحال... وفجأة إذا بزوجته تشعر بآلام شديدة في بطنها حتى ذهبا للطبيب فوجدا المفاجأة.. إنها حامل، وتمضي الشهور شهرًا تِلْو الآخر حتى كان الموعد بعد تَعَبٍ وألم وحبٍّ للولد المفقود، فخرج لعمله يومًا فإذا باتصال تليفوني: يا فلان "مبروك جالك ولد" فعاد الرجل سريعًا إلى بيته وبينما الناس من حول زوجته في غاية الفرح يدخل عليهم فيأخذ الولد فيحتضنه لفترة ويبكي ويشتد البكاء وإذا به يأخذه ليرميه من فوق السطح فيموت الولد... لا حول ولا قوة إلا بالله... ماذا حدث لعقل ذلك الرجل؟

أسألك: ماذا تقول عن مثل هذا الشخص لو صنع ذلك فعلاً؟

لا بدَّ أنك ستقول وسريعًا: إنه رجل مجنون.

نعم مجنون مَن بُشِّر بولد بعد طول عقم ثم يقتله

هكذا أخي الحبيب: هذا الذي طال غياب قلبه عنه، حتى جاءه رمضان فعاد إليه قلبه ووُلِد من جديد و"جاله قلب"، ثم إذا مرَّ رمضان فرَّط فيه بسرعة وفارق مواطن الطاعات، فذلك أقبح الفعال...

وإذا كانت أيام رمضان قد مضت فإن لنا أن نقول: إنه والله لقد وُلِد أناس من جديد في رمضان وما زالوا أحياء، وآخرون ولدوا في رمضان ودمِعت عيونُهم وعثروا على قلوبهم، ولكن ما إن فارقهم رمضان حتى ماتوا من الانقطاع عن الطاعة بعده.

فشتَّان بين أحياء يحيون بالإيمان، وأموات غير أحياء وما يشعرون!!

فهلاَّ أعَدْت قلبَك من جديد يا أخي بعد رمضان.

وإذا أردت أن تجد قلبك بعد رمضان فإليك وصية أحد الصالحين، إذا أردت أن تجد قلبك فابحث عنه في ثلاثة مواطن:

1. في مجالس الذكر.

2. في مواطن الخلوة.

3. عند سماع القرآن.

ففي هذه الثلاثة ومِن خلالِها يمكننا القول لك: "مبروك جالك قلب"، فإن لم تجد قلبك مع هذه الثلاثة فسَلْ الله أن يمنَّ عليك بقلب فإنك بدون قلب. ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وأخيرًا: "مبروك لَمَّا يجيلك قلب حافظ عليه"

استغِل موت أحد الناس للعظة والعبرة... زُر المقابر وتذكر نهايتك ووقفتك أمام منكر ونكير... انظر في أحوال المرضى في المستشفيات... وتذكَّر أنه لا يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله فيها.

فهيَّا للعمل والطاعة... هيا وشمِّر عن ساعديك... وانتبه لا تُضَيِّع قلبك لئلا تضيع.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

              


المراجع

odabasham.net

التصانيف

قصص  أدب