استحوذ قانون حفظ الطاقة-القانون الأول للديناميكا الحرارية-على إعجاب بلانك وتقديره منذ كان طالبًا في المدرسة. وخلال سنوات الدراسة الجامعية، اقتنع بلانك أيضًا أن قانون الإنتروبيا-القانون الثاني للترموديناميك-كان قانونًا مطلقًا.
وقد أصبح القانون الثاني موضوع أطروحة الدكتوراه التي قدمها في جامعة ميونيخ، بالإضافة إلى كونه محور جميع الأبحاث التي ساهمت في اكتشافه الكمّ، أو ما يعرف بثابت بلانك.
عرّف كيرشوف الجسم الأسود بأنه أفضل جسم يبعث الإشعاع ويمتصه. وقد كان بلانك مهتمًا بشكل خاص بالصيغة التي وضعها زميله فيلهلم فيين، فحاول عدة مرات اشتقاق "قانون فيين" اعتمادًا على القانون الثاني للترموديناميك. ولكن وجد بعض العلماء التجريبيين، أمثال أوتو ريتشارد لومر، وإرنست برينغشيم، وهاينريخ روبنز، مؤشرات واضحة تبين أن قانون فيين كان متطابقًا مع النتائج عند ترددات عالية، وغير متطابق معها عند ترددات منخفضة.
علم بلانك بهذه الأمر قبل اجتماع الجمعية الفيزيائية الألمانية، وكان يدرك جيدًا أنه حتى يكون قانون فيين صالحًا، يجب أن تعتمد إنتروبيا الإشعاع على طاقته عند الترددات العالية، ولا بدّ أن يسري ذلك أيضًا عند التردد المنخفض للحصول على النتائج التجريبية. وبناء على ذلك، قدّر بلانك أن عليه محاولة الجمع بين هذين المفهومين بأبسط طريقة ممكنة، وتحويل النتيجة إلى صيغة تربط بين طاقة الإشعاع وتردده.
أُطلق على النتيجة التي توصل إليها بلانك اسم "قانون بلانك"، وقد لاقت ترحيبًا كبيرًا لدى علماء الفيزياء. أما بلانك نفسه فكان يرى أن الأمر لا يعدو عن كونه مجرد ضربة حظ.
ولكنه أثناء محاولة إثبات صحة نتيجته، اكتشف أنه مضطر للتخلي عن وصف القانون الثاني للترموديناميك بالمطلق، وقبول تفسير لودفيغ بولتزمان الذي رأى أنه قانون إحصائي. بالإضافة إلى ما سبق، افترض بلانك أن الجسم الأسود لا يمكن أن يمتص الطاقة الإشعاعية بشكل مستمر، وإنما على صورة كميات صغيرة جدًا يطلق على كل واحد منها اسم الكمّ.
كان مفهوم كم الطاقة الذي توصل إليه بلانك يتعارض بشكل جوهري مع النظرية السائدة في الفيزياء آنذاك. وفي الواقع، مضت عدة سنوات قبل أن يلاقي اكتشاف بلانك اعترافًا عامًا، وكان لأينشتاين دور محوري في ذلك. ففي سنة 1905، جادل أينشتاين أن الطاقة الإشعاعية نفسها تتكون من كموم في ظل ظروف معينة (كموم ضوئية سميت لاحقًا بالفوتونات).
وفي سنة 1909، قدم أينشتاين مفهوم ازدواجية الجسيم-الموجة. وبعدها بسنتين حضر أينشتاين وبلانك برفقة علماء آخرين مؤتمر سولفاي الأول للفيزياء في مدينة بروكسل، وقد دفعت النقاشات التي جرت هناك عالمَ الرياضيات الفرنسي هنري بوانكاريه، إلى تقديم دليل رياضي يثبت أن قانون بلانك يتطلب بالضرورة إدخال الكم، مما ساهم في تغيير رأي بعض العلماء، مثل جيمس جينز، فأعلنوا دعمهم للنظرية الكمومية.
حاز بلانك جائزة نوبل للفيزياء لسنة 1918 بالإضافة إلى عدد كبير من الجوائز التكريمية نظير اكتشافه الشهير. وبالرغم من كونه لم يحقق بعد ذلك أي اكتشافات مهمّة، فإنه استمر في أبحاثه العلمية التي شملت مجالات مختلفة مثل البصريات والديناميكا الحرارية والميكانيكا الإحصائية وغيرها.
كذلك، كان أول عالم فيزيائي بارز يدافع عن النظرية النسبية لأينشتاين. وفي عام 1914، نجح في إقناع أينشتاين بالحضور إلى جامعة برلين، وبعده بخمس سنوات تمكن من إحضار طالبه ماكس فون لاو. وعندما تقاعد من منصبه، اختير عالم الفيزياء إرفين شرودنجر خلفًا له، وبذلك أضحت برلين مركز علوم الفيزياء النظرية في العالم.
كرس بلانك جلّ وقته في السنوات الأخيرة من حياته للكتابة حول الأسئلة الفلسفية والدينية والجمالية.
"يشكو الناس من عدم وجود أي فلاسفة في جيلنا، ولكنهم مخطئون في ذلك؛ لأنهم الآن موجودون في كلية أخرى، وأسماؤهم هي ألبرت أينشتاين، وماكس بلانك" أدولف فون هارناك (مؤرخ ألماني).
وقد تولى خلال حياته العديد من المناصب المهمة في أماكن مختلفة مثل الأكاديمية البروسية للعلوم، وجمعية القصير فيلهلم وغيرها، ونادرًا ما كانت قراراته موضع تساؤل، نظرًا لما تمتع به من أخلاق ونزاهة وحكمة لا تقبل الجدل إطلاقًا. حاول بلانك إقناع هتلر بتغيير سياساته العنصرية، ولكنه فشل في مهمته، فآثر البقاء في ألمانيا لعله يتمكن من الحفاظ على المدرسة الفيزيائية الألمانية.