ويليام هيرشل، هو عَالِمَ فلك من بريطانيا من أصل ألماني، يعود إليه فضل تأسيس علم الفلك النجمي لرصد الأجرام السماوية بمنهجية. اكتشف كوكب أورانوس وقمريه، ووضع نظرية لنشأة النجوم. كما افترض أن السُّدُم تتكوَّن من النجوم، ومُنِحَ لقب “فارس” في سنة 1816.نَشَرَ نحو 70 ورقة بحثية، والتي تضمنت دراسات عن حركة النظام الشمسي عبر الفضاء، وبيان اكتشافه للأشعة تحت الحمراء في سنة 1800، وتحقيقات مُفَصَّلة عن الكواكب والأجرام الأخرى بالنظام الشمسي.سنة 1781، تم انتخابه زميلاً للجمعية الملكية في لندن ومُنِحَ ميدالية كوبلي.

الإنجازات

في هذه الأثناء ازداد اهتمام هيرشل بالجانب النظري للأدوات الموسيقية، وبدأ القراءة عن علم الأصوات الموسيقية في كتابيHarmonics وA Compleat System of Opticks للمُوسِيقي وعَالِم الرياضيات روبرت سميث Robert Smith. وتَعَرَّف من خلال الأخير على تقنيات بناء التلسكوب، مما شَحَذ همته لمراقبة السماء ليلاً.

لم يَكْتَفِ ويليام بمراقبة الشمس والقمر والكواكب القريبة كبقية عُلماء عصره، بل كان مُفْعَمًا بطاقة لا متناهية وأَصَرَّ على دراسة الأجرام السماوية البعيدة كذلك. وأدرك أن تحقيق ذلك يحتاج إلى تلسكوب ذي مرايا كبيرة؛ لجمع مِقْدَار أكبر من الضوء، أكثر مما تجمعه التلسكوبات المُتاحة في عصره. فاضطر إلى صَقْل مَرَايا خاصة من أقراص معدنية، تتكوَّن من نِسَبٍ مُختلفة من النحاس والقصدير والأنتيمون. في سنة 1781، تَخَطَّت طموحاته استيعاب المَسَابِك المحلية، فشَرَعَ في سَبْكِ المعادن المُنصهرة وتحويلها إلى أقراص في قبو منزله الخاص. تحطمت المرآة الأولى أثناء تبريدها، وفي المحاولة الثانية انْسَكَب المعدن المُنصهر على البَلاط، مما جعل الإحباط يتسلل إلى نفسه.

ولكن نَتَجَ عن محاولته الأخيرة والأكثر نجاحًا مَرَايا ضخمة ذات جودةٍ فائقة، وأثبتت تلسكوباته كفاءةً أعلى من تلك المُستخدمة في مَرْصَد جرينتش الفَلَكِي. كما صَنَعَ عَدساتٍ مجهرية خاصة، وكانت الأقوى بقوة تكبير تُعَادِل 6450 مرة.

خلال عمله في باث، تَلَّقَى ويليام المُساعدة من أخيه ألكسندر Alexander الذي أتى معه من هانوفر، وأخته كارولين Caroline والتي ظلَّت مساعدته المُخلصة خلال أغلب أعماله. بدأت الأنباء عن تلك التجارب المنزلية الرائعة بالانتشار في الأوساط العلمية، وشَرَع ويليام في عمل مَسْح مبدئي للأجرام السماوية مُستخدمًا تلسكوبه.

في سنة 1781، خلال المَسْح الثالث والأكثر شمولاً لسماء الليل، رَصَدَ ويليام جرمًا سماويًا غير مُشابه للنجوم المألوفة

وثَبَتَ فيما بعد أن هذا الجِرم هو كوكب أورانوس، أوَّل كوكب يتم اكتشافه منذ عصور ما قبل التاريخ. وذاع صيت ويليام فيما بين عشية وضحاها، عَرَّفه صديقه د.ويليام واتسون الأصغر Dr. William Watson, Jr، على جمعية لندن الملكية لتحسين المعرفة الطبيعية Royal Society of London for Improving Natural Knowledge، مما كان سببًا في منحه ميدالية كوبلي Copley Medal لاكتشافه أورانوس، وانتخابه زميلاً للجمعية. كما ساعده واتسون في الحصول على راتبٍ سنويٍ مقداره 200 جنيه إسترليني من الملك جورج الثالث George III، في سنة 1782.

وبالتالي تمكَّن من الاستغناء عن مهنة الموسيقى، والتفرُّغ التام لعلم الفلك. وفي هذه الأثناء، تم تعيين ويليام عالمًا فلكيًا للملك جورج الثالث، وانتقلت عائلة هيرشل إلى قرية داتشيت، المُجاورة لقصر وندسور.

وبرغم كونه في الثالثة والأربعين من عُمره عند بداية امتهانه لمهنة الفلك، إلا إنه واصل الليل بالنهار لتأريخ نشأة السماوات.

من القضايا الجوهرية التي أنشأ هيرشل من أجلها تلسكوباته العملاقة، كانت طبيعة السُّدُم، والتي تظهر كبُقَعٍ مُضيئة في السماء. وظَنَّ بعض عُلماء الفلك في عصره أنها مجرد مجموعات من نجومٍ لا تُعَد ولا تُحصى، والتي تَمْتَزِج أضوائها لتُعْطِي مظْهَرًا لبنيًا.

وأعتقد البعض الآخر أن بعض السُّدُم تتكوَّن من سوائل مُضيئة. في شتاء 1781 و1782، ازداد اهتمام ويليام بالسُّدُم، ولاحَظَ من خلال أقوى تلسكوباته أن بعض السُّدُم تتكوَّن من نجوم، والتي قد تظهر بشكلٍ لَبَنِي إذا ما تم رصدها باستخدام مِرْقَاب أقل كفاءةً.

وأدْرَك أن السُّدُم الأخرى ستظهر نجومها المُنفردة، إذا تم رصدها باستخدام أدواتٍ أكثر قوةً. وهذا ما دفعه في سنة 1784 و1785 لافتراض أن جميع السُّدُم تتكوَّن من النجوم، وأنه لا حاجة لافتراض وجود سائل غامض مُضئ؛ لتفسير الحقائق المُلاحَظَة.

وزَعَمَ أن السُّدُم التي لا تُرْصَد نجومها لا بُدَّ أن تنتمي لأنظمة في غاية البُعْد، وبما أنها تبدو ضخمة للراصد، فلا بُدَّ أن حجمها الحقيقي شاسع جدًا، ربما أكبر من المجموعة النجمية التي تنتمي إليها الشمس. وهذا الاستنتاج دَفَع ويليام لافتراض وجود ما سُمِّيَ فيما بعد: الجزر الكونية Island Universes للنجوم.

من أجل تفسير الاختلافات ما بين المجموعات النجمية، كان من الطبيعي أن يُوضِّح ويليام كثافتهم النسبية. والذي فعله من خلال مقارنة مجموعة نجمية مُتقاربة النجوم، بأخرى نجومها متناثرة على مدار المجموعة.

وأوْضَح أن هذه التكوينات تُظْهِر تأثير قوى التجاذب، وأن مجموعات النجوم المتناثرة بلا شك ستتكاثف وتتحوَّل إلى مجموعات مُتقاربة النجوم مع مرور الوقت. بعبارةٍ أخرى فإنَّ مجموعات النجوم المُتناثرة كانت في مرحلة مُبكرة من نشأتها عن تلك المجموعات المُتقاربة النجوم. وبالتالي توصَّل ويليام إلى أن التغيُّر في الوقت أو التطوُّر، هو أحد المفاهيم التفسيرية الجوهرية في علم الفلك.

في سنة 1785، طوَّر نظرية عن نشأة الكون تقول: إن النجوم في الأصل كانت متناثرة في كافة أنحاء الفضاء اللا مُتناهي، ومع مرور الوقت أدَّت قوى التجاذب إلى انتظامهم في مجموعات مُتقاربة النجوم. وبالنظر إلى المجموعة النجمية التي تنتمي إليها الشمس، سعى إلى تحديد ماهيتها على أساس افتراضين.

1.إن تلسكوبه بإمكانه رؤية جميع النجوم المتواجدة في نظامنا الشمسي.

2.إن النجوم مُنتشرة بشكل مُنتظم على مدار المجموعة الشمسية.

ولكنه اضطر إلى التخَلِّي عن هذين الافتراضين فيما بعد. من خلال أبحاثه، أعطى أوَّل نموذج جوهري لفائدة علم الإحصاء في دراسة النجوم، حيث مَكَّنته من إحصاء عدد النجوم واستخدام هذه البيانات لتقدير المساحة التي تحتلها المجموعات النجمية في المجرات.

في سنة 1787، انتقلت عائلة هيرشل إلى قرية وندسور القديمة، ثُمَّ إلى بلدة سلوغ المُجاورة في السنة التالي، حيث أمضى ويليام ما بَقِيَ من عُمره. ليلةً تلو الأخرى، كلما كان الطقس وإضاءة القمر ملائمين، كان ويليام يَرْصُد السماء بمرافقة أخته كارولين، التي كانت تُسَجِّل مُلاحظاته.

وفي الليالي المُلَبَّدة بالغيوم، كان ويليام يُرْسِل أحدًا لمراقبة السماء واستدعائه في حالة انكشاف الغيوم. وأثناء النهار، غالبًا ما كانت كارولين تُلَخِّص نتائج عملهم، بينما كان ويليام يتولَّى صُنْع التلسكوبات، والتي كان يبيع العديد منها كمصدر للدخل.

أضخم التلسكوبات التي صنعها والذي لم يكن مُلائمًا للاستخدام العادي، كانت مرآته مصنوعة من معدنٍ عاكِس، قطرها 122 سنتيمترًا وبُعْدَها البؤري 12 مترًا. انتهى من إنشاء هذا التلسكوب الضخم في سنة 1789، وأصْبَح أحد العجائب التقنية للقرن الثامن عَشْر.

نظرية تكوين السُّدُم

في 13 نوفمبر 1790، ارتبك مفهوم ويليام للنظام النجمي عندما رَصَدَ سديمًا استثنائيًا، فاضطر لتفسيره على أنه نجم مركزي مُحَاط بسحابة من السائل المُضئ. وهو اكتشاف مُتناقض مع تأويلاته السابقة. وفي تلك اللحظة استنتج ويليام أن العديد من السُّدُم التي لم يتمكَّن من رصد نجومها مُنفردة، حتى باستخدام أفضل تلسكوباته، ربما كانت "جزرًا كونية" بعيدة، وهي الأجرام السماوية التي تُعْرَف الآن باسم المجرات.

ومع ذلك تمكَّن من التوفيق بين نظريته السابقة وهذا الدليل الجديد، باستنتاج أنَّ النجم المركزي الذي رَصَدَه كان مُتكاثفًا خارج السحابة المُحيطة نتيجة لقوى الجاذبية. في سنة 1811، عاد بنظريته عن نشأة الكون بالزمن إلى الوراء حتى مرحلة قبل تكوُّن النجوم من السائل.

نَتَج عن عمليات المسح المنهجية التي أجراها هيرشل على السُّدُم طوال عشرين عامًا، من سنة 1783 وحتى 1802، إصدار ثلاثة فهارس تضم 2500 سديمًا ومجموعة نجوم، والتي استبدلها بنحو المائة بقعة لبنية المعروفة سابقًا. كما فَهْرَّس 848 نجم ثنائي، وهو عبارة عن نجمين يدوران حول مركز الكتلة المشترك، إلى جانب قياسات الإضاءة النسبية للنجوم. لاحظ أنَّ النجوم الثنائية لم تقع مُصَادفةً نتيجة لتناثر النجوم العشوائي في الفضاء، بل في الواقع يدور كل منهما حول الآخر.

نَشَرَ نحو 70 ورقة بحثية، والتي تضمنت دراسات عن حركة النظام الشمسي عبر الفضاء، وبيان اكتشافه للأشعة تحت الحمراء في سنة 1800، وتحقيقات مُفَصَّلة عن الكواكب والأجرام الأخرى بالنظام الشمسي.

التكريم والإشادة

في سنة 1781، تم إنتخابه زميلاً للجمعية الملكية في لندن ومُنِحَ ميدالية كوبلي.

في سنة 1782، تم تعيينه عَالِم فلك للملك جورج الثالث.


المراجع

arageek.com

التصانيف

علماء ومخترعين أجانب   العلوم الاجتماعية   الفلك