أولاً - قبل العمل
المعنى المقصود :
- جاهد نفسك ، وانظر قبل العمل.. هل هو لله تعالى ؟
فإن كان لله أمضه وتوكل على الله ، وإن كان لغير الله توقَّف .
- جاهد نفسك , وصحح نيَّتك ، وواظب المتابعة مع نفسك حتى تصل إلى الإخلاص.
أما الخطوات العملية نحو اكتساب الإخلاص قبل العمل فيمكن إجمالها فيما يلي :
1- التأمل في قلبك :
تأمل في عظمة الرب سبحانه و وقوته وجبروته ، وأنه
الخالق
،
وأنه الرازق ، وأنه المحيي المميت الفعال لما يريد ، وأنه المستحق للعبادة وحده لا
شريك له .
وشاهد بعد ذلك ضعف نفسك وفقرك وبعدك عن طاعته ، والربُّ مع ذلك يسترك ويرحمك
ويرزقك ويحلم عليك .
2- العزيمة الصادقة :
بعد
هذا التأمل في قلبك لابد من العزيمة الصادقة على الإخلاص ؛ لأنه لولا هذه العزيمة
سرعان ما يفتر القلب ، ومتى صدق العزم أعانك الله– عز وجل– بـ (( البصيرة )) وهي
نورٌ يقذفه الله تعالى في القلب يرى به حقيقة الأشياء .
3- التوبـة :
وهي
الرجوع عمَّا يكرهه الله ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه الله ظاهراً وباطناً ، وهي
واجبة على الفور ؛ لقوله تعالى : ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا
الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: من الآية31] .
والتوبة هي البداية العملية ، ولا تصح البداية بدون توبة ، وهي ليست خاصة بالعصاة ,
كما يفهم بعض الناس ؛ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أخلص الخلق قال : (( يا
أيها الناس ، توبوا إلى ربكم ، فوالله إني لأتوب إلى الله عزَّ وجلَّ في اليوم مائة
مرة )) [ رواه مسلم ] .
4- المسارعة :
قال
تعالى : ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا
السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران:133] .
قال تعالى : ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ......﴾ [الحديد: من
الآية21] .
قال
تعالى : ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: من الآية148] .
ومدح الله عز وجلَّ زكريا عليه السلام وآله فقال : ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ
فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا
خَاشِعِينَ﴾[الأنبياء: من الآية90] .
ومدح أهل الإيمان والخشية بقوله: ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ
لَهَا سَابِقُونَ﴾[ المؤمنون:61] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة )) [ رواه
أبو داود وصححه الألباني ] . والتؤدة هي التأني والتثبت وعدم العجلة .
5- الفورية :
لا
يجوز التراخي أو الانتظار ، فمن انتبه من غفلته ، لابُدَّ أن يبدأ فوراً بالإخلاص ،
أسوة بالصديق رضي الله عنه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم , لما عرض عليه الإسلام
، وعرف أنه الحق ، لم يتلعثم ولم يتردد ، وإنما أخلص لله من ساعته .
وهؤلاء سحرة فرعون، لمَّا علموا أن موسى على الحق ، قالوا على الفور : ﴿آمَنَّا
بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ [لأعراف: من الآية121- 122] .
ولم
يلتفتوا بعد ذلك إلى فقد مناصبهم الدنيوية ومكانتهم الاجتماعية ، حيث كانوا مقربين
من فرعون ، ولم يعبئوا كذلك بما توعدهم به فرعون من العذاب والنكال بتقطيع أيديهم
وأرجلهم وصلبهم على جذوع النخل , إنها لحظة الإخلاص الصادقة .
ثانياً – أثناء العمل
المعنى المقصود :
اطرد وساوس الشيطان حين يزين لك الافتخار بالعمل ، وأكثر من الاستعاذة بالله تعالى
منه , واعلم أن العمل لأجل الناس رياء ، وترك العمل لأجل الناس شرك ، فلا تخرج من
الرياء للشرك ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما .
أما الخطوات العملية نحو اكتساب الإخلاص أثناء العمل فيمكن إجمالها فيما يلي :
1- الوعي :
-
بالوعي ينضبط الإخلاص ، حيث لا تفريط ولا إفراط ، قال تعالى في شأن أعظم كلمة وهي
كلمة التوحيد : ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: من الآية19]
.
-
وعلى طالب الإخلاص أن يتقيد بالكتاب والسنة ، وليحذر أشد الحذر من أهل الأهواء
والبدع ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ))
.
2- الجدية :
الجدية مطلب أساس لطالب الإخلاص ، دون تساهل , أو تمييع , حتي لا يصير الالتزام
مجرد شكل دون مضمون ، والله تعالى يقول : ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ﴾
[البقرة: من الآية93] . وقال عن موسى عليه السلام: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي
الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا
بِقُوَّةٍ ﴾ [لأعراف: من الآية145] .
3- تبديل الاهتمامات :
على المخلص ، أن يترك ما كان عليه من اهتمامات سيئة ويجعل مكانها غيرها من
الاهتمامات النافعة ، خاصة الاهتمامات العصرية التي فتحت اليوم على الناس الكثير من
السيئات , نتيجة الاستعمال غير المنضبط .
ثالثاً : تدرّب على الإخلاص
المعنى المقصود :
اقرأ في فضل الإخلاص ومضار الرياء ، وآثار كل منهما , ودرِّب نفسك في الإخلاص
تدريجياً ، وراقب قلبك ونيتك في كل ما تعمل , ولا تبتعد عن ميادين الخير و جاهد
نفسك على الإخلاص فيها ، ومن جاهد فإن عون الله معه .
أما الخطوات العملية نحو اكتساب الإخلاص بالتدريب فيمكن إجمالها فيما يلي :
1- صحبة المخلصين :
الله تعالى يقول : ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا
الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف:67]
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ))
.
فالاستمرار في مخالطة أهل الشر والفساد يؤدي إلى الانتكاس والعودة إلى الماضي السيئ
، وكم من إنسان انتكس بسبب حنينة إلى صحبته القديمة .
2- ترتيب الأولويات :
على
طالب الإخلاص أن يبدأ بأهم المهمات ، ثم الأهم فالمهم ، فيبدأ بتصحيح الصلة بالله ،
ويقدِّم الأصول على الفروع ، والواجبات على المستحبات ، ويعطي كل شيء حقَّه من
العناية ، ويهتم بتنظيم وقته حتى لا يضيع منه شيء دون فائدة .
رابعاً : بعد العمل
المعنى المقصود :
كن وجلاً ألا يُقبل عملك عند الله فيضيع منه ، ويكون هباء منثورًا ، كما قال تعالى
: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ) ، والإنسان يعمل
العمل الصالح ولا يدري هل تقبَّل الله تعالى منه أم لا؟
واعقل حقيقة ثناء الناس عليك ، فما الذي يعود عليك حين يثني عليك الناس الثناء
الحسن ، وقد ضاع ثواب العمل عند الله ؟
أما الخطوات العملية نحو اكتساب الإخلاص بعد العمل فيمكن إجمالها فيما يلي :
( عينك على الله )
- انظر
إلى ثواب الله تعالى وثواب الناس ، فقد ادخر الله تعالى لعباده الصالحين في الجنة
ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .
- كن
على يقين أنك عبد الله ، وأن على العبد أن يقدم العمل لسيده لا لعبيدٍ مثله .
- أكثر من الدعاء لله أن يرزقك ويمنّ عليك بإخلاص العمل له ، وتعوَّذ من الرياء كما
كان دعاء النبي صلي الله عليه وسلم : (اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا نعلمه
ونستغفرك لما لا نعلمه) .
-
استعن
بالله عزَّ وجلَّ ، فالاستعانة تعني الخروج من الحول والقوة , إلى طلب الحول والقوة
والمعونة من الله تعالى .
- اصبر وجاهد
, لأن الإخلاص ميلاد جديد وحياة بعد موت ، وبهذا الصبر والمجاهدة يتبيَّن الصادق من
الكاذب ، قال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا
وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت:69] .