(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:77 و78).

أولاً: إضاءة على بعض المفردات

- اركعوا واسجدوا : مجاز مرسَل.. أي: صلّوا، لأنّ الركوع والسجود أبرز أركان الصلاة.

- اعبدوا ربكم : أفرِدوه بالعبادة، ونفّذوا منهجه عز وجل، ولا تعبدوا غيره أو لا تُنفِّذوا مناهج أخرى غير منهجه.

- وافعلوا الخير : افعلوا مع الناس ومع أنفسكم كل ما يقرّبكم من الله عز وجل، ويقوّي صلتكم به.. من عملٍ صالحٍ، وصلة رحم، وصدقة، ومواساة اليتيم، ومساعدة الناس.. وكل عملٍ فيه الخير.

- لعلّكم تُفلِحون : تفوزون وتظفرون في الدنيا والآخرة.

- حق جهاده : جهاداً خالصاً لله عز وجل، باستنفاد الوسع والطاقة، من غير الخوف من لومة لائم.

- اجتباكُم : اختاركم من بين الأمم لتنصروا دينه، وتقوموا بتكاليفه، وتنفِّذوا منهجه ودستوره.

- حَرَج : ضيق وشدّة ومشقّة أكبر من طاقتكم.

- ملّة : دِين.

- المسلمين : الذين يُسلِمون قلوبَهم ووجوهَهم لله عز وجل وحده لا شريك له.

- من قبل : في الكتب المنـزلة السابقة.

- وفي هذا : في هذا الكتاب، وهو القرآن الكريم.

- واعتصموا بالله : استمسكوا بحبله المتين، واستعينوا به في كل أموركم.

- مَوْلاكُم : ناصركم، ومتولّي أموركم، ومُعينكم.

ثانياً: في ظلال الآيتين الكريمتين

1- الخطاب موجَّه إلى المؤمنين من أبناء الأمة، للنهوض بتكاليف دعوتهم، والقيام بها خير قيام، وحق قيام.

2- طريق الفلاح يمرّ عبر ثلاث وسائل:

أ- خاصّ : يتمثّل بالصلاة التي هي ركن من أركان الإسلام (أي القيام بالأركان بشكلٍ عام).

ب- عامّ : يتمثّل بالعبادة بشكلٍ عام، وهي كل حركةٍ أو سكنةٍ أو فعلٍ أو توجّهٍ، يتوجّه فيه العبد إلى الله عز وجل، بقلبه وروحه وقصده واتجاهه.

ج- أعمّ : يتمثّل بفعل الخير، بكل وجوهه وأصنافه وأنواعه.

وهكذا تكتمل الدائرة : فالصلاة والأركان تُقوّي الصلة بالله عز وجل، هذه الصلة التي تتقوّى أكثر وبشكلٍ أشمل بالعبادة المتعدّدة الوجوه، ثم يأتي فعل الخير في التعامل مع الناس، ليُقوِّ الصلة بينهم بجماعيةٍ واسعة، على قاعدة الإيمان الخالص.

3- بعد استعداد الأمة المسلمة بعدّة (الصلة بالله عز وجل) و(العبادة) و(فعل الخير).. تصبح قادرةً على حمل تكاليف الدعوة، والنهوض بالمهمة الشاقة المكلَّفة بها: (الجهاد في سبيل الله)، ليكون الإسلام هو المنهج الشامل والوحيد للحياة!.. والمقصود بالجهاد، هو كل أنواع الجهاد: جهاد الأعداء، وجهاد الدعوة إلى الله عز وجل، وجهاد الشرّ والفساد، وجهاد الشيطان، وغير ذلك من أنواع الجهاد المعروفة في الإسلام..

4- اختيار الله عز وجل لهذه الأمة المسلمة، وانتدابها لحمل الأمانة الضخمة من بين الأمم، يحمل بين طيّاته حقيقتين هامّتين:

أ- الإكرام من الله عز وجل لهذه الأمة، والتكريم لها، والتشريف لأبنائها.. وهي أمور تستدعي الشكر لله عز وجل، وتتطلّب حُسن أداء هذه الأمانة على أكمل وجه.

ب- عدم قبول الله عز وجل من هذه الأمة أو من أبنائها.. التخلي عن الأمانة أو الفرار منها أو تجاهلها أو التقاعس عن أدائها.. وأنّ ذلك سيؤدي إلى: الهلاك، والزوال، والضعف، والذيلية، والعبودية للأمم الأخرى، فهذه الأمة ترتبط عزّتها وقوّتها وكرامتها.. بأداء أمانة الله عز وجل على أكمل وجه، وهي: الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا، بالحكمة والموعظة الحسنة، ليعمّ منهجُ الإسلام الأرضَ كلها.

5- الآية الكريمة: (وجاهدوا في الله حق جهاده..) تربِط ماضي الأمة (ملّة أبيكم إبراهيم..) بحاضرها (هو اجتباكم..) بمستقبلها (وتكونوا شهداء على الناس..)!..

فالأمة المسلمة، ذات منهجٍ واحدٍ على تتابع أجيالها ورُسُلِها ورسالاتها.. إلى يوم الدين.

6- خير الزاد لحمل الأمانة بحرصٍ وإيجابيةٍ تُرضي الله عز وجل هو: الصلة مع الله (بالصلاة والعبادة بشكلٍ عام)، والصلة القويمة مع الناس (بالزكاة وأعمال الخير بشكلٍ عام)، و(الاعتصام) بحبل الله سبحانه وتعالى، الذي يُمتِّن العلاقة بين العبد وربّه بعروةٍ وثقى لا تنفصم.

هذا ما يمكن أن نذكره، مما توحي به الآيتان الكريمتان، فهل من معتبِر؟!.. هل من مستفيد؟!..

               

*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام


المراجع

odabasham.net

التصانيف

قصص  أدب  مجتمع   الآداب