أجر حجة تامة تامة لمن لم يستطع الحج


عبد المعز الحصري

 

"ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك "

الحمد لله الذي جعل للمؤمن بنيته الصادقة – مع عجزه - أجر من أحسن عملاً لأن نية المرء خير من عمله والصلاة والسلام على من أحسن عملاً لله وحده والمبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبارك

ورد في الأثر "إذا نوى العبد - في صلاته - وقال الله اكبر بصدق يقول الله ارفعوا الحجب عن عبدي" .

 1-"إن التشبه بالكرام فلاح "

الدين رأس المال فاستمسك                      فضياعه من أعظم الخسران

صدق القائل في قوله

و تشبهوا إن لم تكونوا مثلهم                     إن التشبه بالكرام فلاح

قلت :

1-   إذا كان المؤمن عاجزا عن الحج لاسباب قاهرة فان تلبيته لنداء الشوق الله اكبر الله اكبر ... حي على الصلاة .... حي على الفلاح... يشبه تلبية الحاج أثناء نسكه لبيك اللهم لبيك .

2-       فإذا توضأ وأسبغ الوضوء فانه تشبه بالحاج الذي اغتسل للإحرام

3-       إذا صلى سنة الوضوء تشبه بالحاج الذي يصلي سنة الإحرام

4-       إذا دخل المسجد وصلى سنة تحية المسجد تشبه بالحاج الذي يصلي سنة الطواف

5-   فإذا نوى لتكبيرة الإحرام للصلاة فانه تشبه بالحاج حين ينوي نية الحج لأن الصلاة والحج عبادة وركن من أركان الإسلام

6-       فإذا دخل في الصلاة واتجه باتجاه الكعبة تشبه بأخيه الحاج الذي يصلي عند المقام بجوار الكعبة المشرفة

7-   فإذا سعى بين بيته والمسجد حفاظاً على حضور الصلوات المكتوبة في جماعة في المسجد تشبه بأخيه الذي يسعى بين الصفا والمروة

8-   فإذا انتظر الصلاة في المسجد فهو في صلاة – أي في عبادة دائمة – وهذا يشبه الحاج الذي حبسه الموقف في عرفات منتظراً نفرة الحجيج وقت غروب شمس عرفات

9-       فاذا تحلل من صلاته بالتسليم تشبه بالحاج عند تحلله من الإحرام

10- فإذا خرج من المسجد تشبه بالحاج عندما ينهي حجه ويطوف طواف الوداع ليخرج وقد كفر الله عنه سيئاته لأن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة والحج المبرور هو الذي لا يخالطه رفث ولا فسوق ولا جدال

11- ورد في الحديث "ما من مسلم يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقوم في صلاته فيعلم ما يقول الا انفتل وهو كيوم ولدته أمه "

2- أجر حجة تامة تامة تامة لمن لم يستطع الحج

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ

 سنن الترمذي 2/457،

إن المحافظة على الصلوات الخمس في جماعة وإحداث توبة وأداء حقوق العباد فبهذه الحالة يتشبه- المؤمن العاجز عن أداء الحج - بالحاج الذي لا ذنب عليه لأنه (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع مثل يوم ولدته أمه) - الحديث .. ( الصلاة الخمس والجمعة الى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر)- الحديث .

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لا يَنْصِبُهُ إِلاّ إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ وَصَلاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلاةٍ لا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ

سنن أبي داود 2/164، رقم الحديث 471

الحج هوالفرض الخامس من اركان الإسلام . وهو عبادة مالية وبدنية يشترك فيها الأنفاق من الأموال والجهد وهجرة الأوطان والأهل والأولاد والأعمال ...الخ وفي هذا تخلي عن العوالق القلبية والعوائق المادية و الدنيوية واللجوء الى الله بالكلية فيبدأ بشعائر الحج بالغسل ولبس الإحرام الأبيض- والشارات البيض في الحرب تعني الاستسلام - وكأنه ترك كل شيءخلفه وجاء متجردا فردا و مستسلما لله رب العالمين وهذه تشبه حال المؤمن حين يقدم على ربه(( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة )) والأحرام الأبيض يذكرنا بالكفن –وهو يعني الخروج من الدنيا وزخرفها – إلى رب غفور رحيم وفي هذا الموقف –موقف الحاج - يذكرنا بقوله تعالى "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " ويأتي الطواف والسعي ليذكر فيهما إسم الله تعالى وكذلك عند المشعر الحرام وفي كل موضع يتواجد الحاج فيه لأن ذكر الله افضل عند الله من إنفاق الذهب والورق-الفضة –وأفضل عند الله من أن نضرب رقاب أعدائنا ويضربوا رقابنا ومن هذا نجد أن الإسلام جاء لينشر السلام في الأرض وإنما الحرب على من وقف في وجهه يمنعه من نشر دعوته ولقد عاش اليهود والنصارى في ظل الاسلام في بحبوحة من العيش الرغيد - وأركان الحج كلها إنما شرعت لتعظيم شعائر الله والوقوف عند حدوده واجتناب نواهيه والإنقطاع والإنصياع بالكلية إلى الله مع الرغبة والرهبة منه تعالى . و اجتماع الناس في صعيد عرفات يذكرنا بيوم الحشر والنشر واسم عرفات وعرفة والذي فيها عرف الناس مناسكهم وحجهم فالجدير بهم أن يعرفوا لماذا خلقوا وإلى أين مصيرهم ومآلهم فيحرصوا على أوقاتهم و أعمالهم ومرضاة ربهم سبحانه وتعالى

و روى أبو يعلى و البزار و ابن خزيمة و ابن حبان في صحيحه مرفوعاً

 " و ما من يوم أفضل عند الله تعالى من يوم عرفة ينزل الله تبارك و تعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء و يقول انظروا إلى عبادي جاءوني شعثاً غبراً ضاحين من كل فج عميق يرجون رحمتي و لم يرو عذابي فلم يُرَ أكثر عتقاً من النار يوم عرفة ." من كتاب لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية ، للمؤلف عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراوي " .

فكل نفس اطمأنت إلى ذكر ربها واشتاقت الروح إلى تلك الأماكن المباركة والمقدسة التي تقام فيها مناسك الحج وِ التي ولد فيها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خير خلق الله تعالى وبارك الله في كل مافيها من بشر وشجر وحجر فجعل من البشر خيرهم بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ...)) الصحابة الأطهار- رضي الله عنهم - والقادة النجوم تهتدي بهم البشرية على مر الدهور الذين لم يألوا جهدا في نشر الدعوة وفتحوا البلاد وقلوب العباد إلى عبادة رب العباد فعلينا نحن معاشر المسلمين أن نسير على نهجهم ونقتفي أثرهم حتى نلحق بركب المصطفين الأخيار ((وا لذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء )).... (( أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء وا لصا لحين وحسن أولئك رفيقا )).

إن المعوقات التي تقف أمام المسلم لتحول بينه وبين أداء فريضة الحج لكثيرة كثيرة – "حجوا قبل أن لا تحجوا "– ولكن من رحمة الله وكرمه أن جعل من هم بالحسنة فله أجرها وهنا تدخل النية في إصلاح الأعمال ولقد وضع البخاري رحمه الله الحديث الاول في صحيحه ألا وهو (( انما الأعمال بالنيات .....))

 3- روح الحج

تتمثل روح الحج في وحدة الأمة واتحادها وقوتها والتواضع والالتجاء إلى الله بالكلية و التضامن والتعارف و التضحية بالمال والنفس في سبيل الله كما يذكرنا اجتماع الحجيج يوم عرفة بيوم الحشر والنشر وزوال المناصب والرتب وأن الناس سواسية لافرق بين عربي وأعجمي ولا بين غني وفقير الا بالتقوى " ان أكرمكم عند الله أتقاكم " الآية

 4- الشوق وركب الحجيج

 "إن عبداً صححت له جسمه ورزقته مالاً يظل خمس سنين لا يفد عليَّ لَمحروم ٌ " الحديث .

" تابعوا بين الحج و العمرة فإنهما ينفيان الذنوب كما تنفي النار خبث الحديد " الحديث .

فعلى أهل التقى ممن منَّ الله عليهم بالتوسعة في الرزق و الجسم أن يتابعوا بين الحج و العمرة و لو كل خمس سنين مرة فإن لم يكن الشوق عندهم و سعة الوقت فليساعدوا الفقراء في أداء حجهم من فضائل أموالهم و هم في الأجر سواء .

 روى البخاري في صحيحة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا حسد الا في اثنتين رجل علمه الله القرآن فهو يتلوة آناء الليل وآناء النهار فسمعه جار له فقال :ياليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل ،

 ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق فقا ل رجل :ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل

وهذه قصيدة يبث فيها الشاعر شوقه وحنينه الى تلك الأماكن الطاهرة –مكة المكرمة وماحولها -

كنت أسمعها - وأ نا في الربيع الخامس من عمري من صوت أخي الكبير محمد صالح أحمد الحصري( رئيس قسم الدراسات الإسلامية سابقاً في جامعة الملك عبد العزيز بجدة / السعودية ) وهو ينشدها أمام جدتي-والدة سيدي الوالد الشيخ أحمد الحصري – رحمهما الله و المسلمين -- وهي في الثمانين من عمرها فتسيل دموعها شوقاً وحباً لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم وأداء الحج

وهذه قصيدة للمحب السيد عبدالرحيم البرعي اليمني تظهر الشوق والحنين الى تلك الاماكن المقدسة التي فيها شعائر الحج تنير درب السالكين إلى الله على بصيرة .

يـا  راحـلـين إلى منى iiبقيادي
سـرتـم  وسار دليلكم يا وحشتي
وحـرمـتموا جفني المنام iiببعدكم
ويـلوح  لي مابين زمزم iiوالصفا
ويـقـول لـي يانائما جد السُرى
مـن نال من عرفات نظرة iiساعة
تالله  مـا أحلى المبيت على iiمنى
ضـحوا ضحاياهم و سال iiدماؤها
لبسوا ثياب البيض شارات الرضا
يـارب  أنت وصلتهم صلني iiبهم
فـإذا وصـلـتـم سالمين iiفبلغوا
قـولـوا لـهـم عبد الرحيم متيم
صـلـى  عليك الله يا علم iiالهدى













هـيـجـتموا يوم الرحيل iiفؤادي
الـشـوق أقلقني وصوت iiالحادي
يـا سـاكـنين المنحنى iiوالوادي
عـند المقام سمعت صوت iiمنادي
عـرفـات تجلو كل قلب iiصادي
نـال  الـسرور ونال كل iiمرادي
فـي  لـيل عيد أبرك iiالأعيادي
وأنـا الـمـتيم قد نحرت iiفؤادي
وأنـا  الـملوع قد لبست iiسوادي
فـبـحـقـهم  يا رب فُك iiقيادي
مـنـي  السلام أُهيل ذاك iiالوادي
ومـفـارق الأحـبـاب iiوالأولاد
مـا سـار ركـب أو ترنم iiحادي

ورحم الله الشاعر الاسلامي الكبير ( شاعر الهند والباكستان وفيلسوف الشرق ) محمد إقبال حين قال:

مـن قـام يهتف باسم ذاتك قبلنا
كـنـا  نـقدم للسيوف صدورنا
ورؤوسـنـا  يا رب فوق iiأكفنا
تـوحـيدك  الأعلى جعلنا iiنقشه
أشـواقـنا نحو الحجاز iiتوجهت
إن الطيور وإن قصصت جناحها
والطور يرتقب التجلي iiصارخا
إن  الـجواهر حيرت مرآة iiهذا
أسـمـعهُموا يا رب ما iiألهمتني









مـن كـان يدعو الواحد iiالقهارا
لـم نـخـش يوما غاشما جبارا
نـرجـو ثـوابك مغنما وجوارا
نـورا  يضيء بصحبة iiالأزمان
كـحـنين مغترب الى iiالأوطان
تـسـمو  بفطرتها إلى iiالطيران
بـهوى  المشوق ولهفة iiالحيران
الـقـلب  فهو على شفا البركان
وأعـد إلـيـهـم يقظة iiالإيمان

5- أحب الأعمال إلى الله في هذه الأيام

قال الله تعالى : " و الفجر و ليالٍ عشر " سورة الفجر

على المسلم الحاج وغير الحاج أن يغتنم هذه الأيام ويكثر فيها من الأعمال الصالحة ويكون على استعداد دائم للقاء ربه فإن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

قال صلى الله عليه وسلم : ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام "يعني أيام العشر "قالوا يا رسول الله : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ) رواه البخاري .

 الأيام العشر هي : العشر الأوائل من ذي الحجة .

 6- اكبر تجمع علمي عالمي للخبرات

إن تجمعا علميا في أي دولة يكلف الاموال الطائلة بينما نرى في الحج تجمعاً علمياً عالمياً للخبرات المتنوعة ولا يكلف شيئا من المال وجدير بالأمة أن تعمد إلى الإستفادة من هذه الخبرات في سبيل رفع رايتها خفاقة بين الأمم والخلاص من الأزمات التي تثقل كاهلها وترجع بها القهقرى لتكون في آخر الركب من الأمم ولا حول ولا قوة الا بالله . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

 وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وبارك

               


المراجع

odabasham.net

التصانيف

قصص  أدب