في حب الله
( 1 )
ما هو الحب ؟.
عبد
المعز الحصري
ما
هي نقطة البداية في الحب ؟.
لا
يكمل إيمان مؤمن حتى يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما .
وعن عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ
بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر:
يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي فقال
النبي صلى الله عليه وسلم لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له
عمر فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم الآن
يا عمر" رواه البخاري في الإيمان والنذور.
تساءلت في كلمة لي في أحد المساجد أمام الأخوة الكرام : هل كلمة حب هي حرفان أم
ثلاث ؟ ثم قلت : أصل الكلمة ثلاثة أحرف أدغم الحرف الثالث في الحرف الثاني فأصبحت
حرفين ثم قلت : أيها السادة ليكتب كل واحد منا لفظ الجلالة ( الله ) ثم ( الرسول
صلى الله عليه و سلم ) ثم ليكتب كل واحد منا اسمه .
فحتى نحب الله و رسوله حق المحبة يجب أن نحبه أكثر من أنفسنا و أن يكون هوانا تبعاً
لما جاء به الرسول – صلى الله عليه و سلم – و هذا الكلام ينطبق على الحاكم و
المحكوم . قال تعالى : "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله
و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم ... " سورة النساء الآية 59 . وتبين
الآية أنّ أولي الأمر إن كان أمرهم مستنبطاً من أحكام القرآن والسنة أي مما يرضي
الله ورسوله فطاعتهم مطلوبة و إلا فلا ، أي أن الله لم يقل وأطيعوا أولي الامر
منكم
( 1 ) تعريف الحب
في
المعاجم (الود هو الحب ،
ولماذا سمي الحب حباً ،
قال: الحب مأخوذ من حبب الأسنان ، وحبب الأسنان
صفاؤها وبياضها ونقاؤها ، فالذي يحب الله عز وجل من
خصائصه الصفاء والنقاء والطهر والإخلاص .
والحب
من أحبّ البعير ، أي استناخ فالمحب خاضع للمحبوب ،
والحب
هو القرط والقرط ما تضعه النساء من الحلي في آذانهن ومن شأن القرط التقلقل .
فالمحب يتقلب في اليوم الواحد من عشرين إلى أربعين حال ، فالمحب يتقلب من الخوف
إلى الرضا إلى السكينة إلى القلق إلى السرور إلى السعادة .
والحب
من الحبة التي تنبت في شجرة
والفرق بين الحب والود هو ان الحب ما استقر في القلب ، والود ما ظهر على السلوك فكل
ودود محب وليس كل محب ودود وفي الحديث عنه صلى الله
عليه وسلم (( رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس)) .
الود والمحبة وجهان لشيء واحد
،
كل ما في الكون هو تودد من الله للإنسان فهو الودود أي تودد بنعمائه على عباده )
موسوعة أسماء الله الحسنى ؛ محمد راتب النابلسي ؛ ج1 ص507 و 508 ... )
(الحب
كامن في الفؤاد كالنار في الزناد إن قدحته أورى وإن تركته توارى فهو ألطف من أن
تدركه عبارة وأدق من أن تتناوله إشارة يستدل عليه بآثاره ويعرف وجوده بأنواره)
المرجع نزهة المجالس ومنتخب النفائس :العلامة الشيخ عبد الرحمن الصفوري الشافعي
يقول ابن داود عن الحب
هو نوع من الاستلاب يتخلى فيه المحب عن التفكير و التخيل و الإحساس بأي شيء سوى
المحبوب
يقول عالم النفس الألماني " إيريك فروم " :
الحب قوة تنبعث بين اثنين
إن سمحا فجأة للحائط بينهما أن يسقط و شعرا بأنهما أصبحا شخصاً واحداً فإن هذه
اللحظة الخاصة و الحميمة من الشعور
هي
من أشد التجارب في الحياة بعثاً للبهجة و التوهج و السعادة
......
.
قلت
وكلامه هذا خاص بالمخلوقين ولا يقاس كلامه على علاقة الحب بين الخالق والمخلوق
حصل
للنبي صلى الله علبه وسلم مرض في بعض الأيام فعاده أبو بكر رضي الله عنه فلما خرج
من عنده أصابه مرض من جزعه على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أن النبي صلى الله عليه
وسلم عوفي فعاد أبا بكر فلما رآه أبو بكر رضي الله عنه أنشد يقول
مرض الحبيب فزرته فمرضت من أسفي عليه
شفي الحبيب فزارني فشفيت من نظري إليه
المرجع (نزهة المجالس ومنتخب النفائس :العلامة الشيخ عبد الرحمن الصفوري الشافعي )
كان
أبو يزيد البسطامي رحمه الله يتكلم عن الحب أمام مريديه فنزل طيرٌ أمامه وأخذ يضرب
منقاره في الأرض حتى مات .
جذع
الشجرة حنّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، جبل أحد يحب النبي صلى الله عليه وسلم
فمالنا قست قلوبنا كأنها الحجارة الصماء وكأننا لا نعرف النبي صلى الله عليه وسلم و
لا نحبه ، قال تعالى : ( أم لم يعرفوا رسولهم فهم له
منكرون ) المؤمنون الآية 69 .
فإذا كان هذا حالنا - إن لم نصلحه - فعلى الأمة السلام .
قال
تعالى : " و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون "
قال
ابن عباس في تفسير ( ليعبدون ) أي ليعرفون .
فالمؤمن يحب الله لما يفيض عليه من النعم و الجمال فكل ما في الكون من حسنٍ و جمال
ونعم هو من الله تعالى وهذه كلها مسخرة للإنسان ،وهناك من المؤمنين رجال صدقوا مع
الله في أحوالهم فأحبوا الله لذاته سبحانه لأنه أهل لذلك رغم ما أصابهم من أمراض (
أيوب عليه السلام ) و (سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وما أصابه من شدة وبلاء
وهجرة للوطن )
( 2 ) نقطة البداية في الحب
إن
نقطة البداية في الحب هي في ابتهاج القلب وميله نحو المحبوب ثم الابتسامة و
التحية والتعارف ثم تأتي التضحية والإخلاص قال صلى الله عليه وسلم
والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة
حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا
حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم
رواه مسلم في الإيمان رقم 93 و 94 و متسلسل 54 و انظر ابن الأثير جزء 6 رقم 4770
منقول من كتاب مبادئ تربوية – ص 217 – د . مأمون صالح النعمان
ولم
يكن الإسلام الذي أكمله الله وأتم نعمته على عباده أن ينسى
الكلام عن الحب الذي يقربنا من الله ثم من خلقه .
وهنا يقتضي الأمر أن نكثر من الإخوان في الله حتى يسود الحب بيننا لله وحده فيزداد
النصح والتعارف ونشر الدعوة فتزداد الهداية والإيمان لأن الإيمان يزداد وينقص و
حتى يلحق النائم بالقائم .
و صلى الله و سلم و بارك على سيدنا محمد الذي علم البشرية الحب الذي يرضي الله و
يخرجهم من الظلمات إلى النور .
(2)
عبد
المعز الحصري
ما هي نقطة البداية في فهم الوجود ؟
الحب وفهم الوجود
لو
عرف الناس لماذا وجدوا لأحبوا الله وعبدوه حق العبادة ولكن ظلمات الجهل والهوى
وإبليس والنفس الأمارة بالسوء لهي أشد أعداء الانسان وهي معه في حله وترحاله
من
عرف الله تعالى فَهِمَ الوجود و فهم لماذا هو موجود .
قال
تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) قال
ابن عباس في تفسير :
(
ليعبدون ) ليعرفون .
صدق
القائل في قوله :
من
الحب يبدا فهم الوجود ، وجود بهيٌّ نديٌّ ودود ، اذا المرء لم يبلغ حب الإله
فلن يعرف المرء ماذا يريد ، وبالحب قلبي يجوب الزمان ندياً أبياً ويطوي المكان ،
ويرجع قلبي مستسلماً إلى الله يلقى لديه الأمان .
.....الحب ليست كلمة تنزلق على طرف اللسان أو ينبت فرعها على بعض الجوارح وإنما
أصلها متعمق في شغاف القلب بل وتملكه وما حوى وقد تكون متجذرة في أعماق أعماق
الجسد حتى لايسع الجسد الا لمحبوب واحدٍ حينها يكون الجسد والروح مُلكٌ للمحبوب
وهناك تكون الخِلَّةُ وعندئذ يكون المؤمن خليلُ الله فقد كان نبي الله إبراهيم
عليه الصلاة والسلام خليلُ الله وهذا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وبارك لم
يتخذ خليلاً من البشر بل كان خليله الله جل جلاله .
كلما زاد العبد في حبه للعبادة ارتقى به الحال من الإسلام إلى الإيمان ثم إلى
الإحسان –
فيصبح
العبدُ خالصاً لله مُخلِصَاً وكان الله له ففي الحديث القدسي كنت سمعه الذي يسمع
به وبصره الذي يبصر به ،وهنا يتطلب الأمر من كل مسلم أن يعبد الله مع كامل الحب
لأنه سبحانه المستحق للحب وحده
قال الرازى : مثقا ل ذرة من المحبة أحب إلى الله من عبادة
سبعين عام بلا محبة .
إن
الكلام في الحب الذي يقربنا من الله و يعرفنا برسوله صلى الله عليه وسلم
و
يزيد قلوبنا و جوارحنا حباً و اتّباعاً لسنة المصطفى صلى الله عليه و سلم لهو
المقصود و المطلوب من المؤمنين حتى يكونوا أشد حباً لله .
قال تعالى : "..... و الذين آمنوا أشد حباً لله ...... "
الآية .
إن المطلع على حياة
الرسول صلى الله عليه وسلم وردود أفعاله تجاه أعدائه وحتى الحيوان والإنس
والجن لتنم عن رحمة ومحبة وصدق قال تعالى في صفته للرسول صلى الله عليه
وسلم :"
وما أرسلناك الا رحمة للعالمين "
والرحمة تنبع من عين الحب ذاته "ومن
آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة
" الآية.
فتقدمت كلمة مودة على كلمة رحمة ومثال ذلك – الرحمة – ما لاقى صلى الله عليه
وسلم من كفر وعناد أهل الطائف واستشارة ملك الجبال وقصة الأعرابي الذي بال فى
المسجد .....
إن
الهيام في الحب يجعل المؤمن كلما أذنب أو شط فكره أو خطر على قلبه خاطر لا يرضي
الله استغفر و تاب فبذلك يبدل الله سيئاته حسنات فلطالما وجد الحب كان الإصرار على
الذنب أبعد ما يكون من المؤمن الأواب المحب لله ،
قال تعالى : " ....... إلا من
تاب و آمن و عمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ..... " الآية .
فالمتحابون بالله و لله و على الله على منابر من نور يغبطهم الأنبياء و المرسلين و
ما هم بأنبياء ولا مرسلين و لكنهم قوم أخلصوا في الحب لله و ذاق طعم الإيمان من أحب
لله و أبغض لله .
تقول الدكتورة صهباء محمد بندق من كتاب الحب كيف نفهمه و كيف نمارسه ..
من
حرم الكلام في الحب ؟
ما
في الحب ذنب ، و لا على المحبين من سبيل ، إنما السبيل على من ينسى في الحب دينه
يضيع خلقه أو يهدر إنسانيته أو يشترى بلذة لحظة في الدنيا عذاب ألف سنة في جهنم .