الأمر يبدأ من المدرسة، التعليم في بلادنا تعليم تلقيني يتعامل مع عقل الطفل علي
أنه مخزن، تصب فيه المعلومات طوال العام ليفتح المخزن يوم الامتحان لتفريغ ما
به من معلومات، هذا لا يبني إنساناً.
أتدرون كيف تتم تربية الأطفال في اليابان؟ منذ عمر ٩ سنوات إلي ١٢عاماً، في هذا
العمر الصغير الذي نعتبره في بلادنا عمر أطفال، يأخذون حصة كل أسبوع في بعض
المدارس في اليابان، أتعلمون ما اسم هذه الحصة؟
حصة «ما هو هدفك في الحياة؟» نحن عندنا أفراد يبلغون من العمر ٣٥ عاماً ولا
يعرفون الإجابة عن هذا السؤال. عرفتم الآن لماذا ينجحون ولا ننجح؟
يدخل الطفل المدرسة، فيسألونه: ما هو هدفك في الحياة؟ فلا يعرف الإجابة عن
السؤال، وفي الحصة التالية يتكرر الأمر، فيبدأ الطفل يشعر أنه مضطر لأن يجيب،
فيبدأ في قول أي شيء لكي يخرج نفسه من الموقف. فيقول شيئاً، فيقولون له ماذا
تحب وما هي مهاراتك؟ فيحركونه بطريقة صحيحة.
- فإذا كان يريد مثلاً أن يكون أحسن رسام، يحاولون أن يروا طريقة رسمه.
- أو مهندساً، فيحاولون تشغيله علي الكمبيوتر لمعرفة مهاراته.
فيبدأ طوال العام في تغذية هذا الهدف حتي يجيء الصيف، فترسل إدارة المدرسة إلي
أبويه مذكرة أن ابنهما قال إن هدفه في الحياة كذا، ويجب أن تنموا في الصيف هذا
الهدف. ويرجع إلي المدرسة في العام التالي ومعه شهادة من أبويه أنه تم تدريبه
علي كذا وكذا، فهم يقومون ببناء الإنسان. والله بناء الإنسان أصعب بكثير من بناء
العمارات و المصانع والسدود.
أن تبني إنساناً عنده رسالة وعنده هدف، فالطفل عندهم يعمل بجدية حتي إذا بلغ
١٢ عاماً يكون هدفه واضحاً: أنا سأكون أحسن مهندس كمبيوتر في البلد، أو أحسن
روائي يكتب قصصاً في البلد، ويبدأ الموضوع يكبر مع الطفل عاماً إثر عام ويبدأ
الحلم يكبر، وأحلام الطفولة تتحول إلي حقائق، ويجد الطفل نفسه وعنده هدف في
الحياة.
يا آباء ويا أمهات، إذا كانت مدارسنا لا تفعل ذلك، فأرجو أن تفعلوا ذلك مع أولادكم،
وهيا بنا نصنع هدفاً في الحياة. هل إلي الآن وأنت تبلغ من العمر ٤٠ أو ٤٥ عاماً،
هدفك ليس مكتوباً و غير واضح ومشوش أمام عينيك، إذن أرجوك أن تدرك الجيل
القادم، وابحث عن مهارات ابنك من الآن، وماذا يجيد واغرس فيه: «يا بني يجب أن
يكون عندك هدف»، وتبدأ في تصعيد هذا الموضوع معه.