ما هي البرمجة اللُغوية العصبية؟

 
يدرك الناس البرمجة اللُغوية العصبية بطرق مختلفة ويستفيدون منها في أشياء متباينة، لذا فإن تعريفها يتم بصور عديدة ومتنوعة ... فهي فضول، وهي دليل استخدام العقل، أو دراسة التجريب الموضوعي، وهي "برامج تشغيل العقل" على حد قول "كارول هارس" مؤلفة كتاب (عناصر البرمجة اللُغوية العصبية) . 
 
ويضيف "ستيف اندرياس" مؤلف كتاب (البرمجة اللُغوية العصبية هي التكنولوجيا الجديدة للإنجاز) أن: "البرمجة اللُغوية العصبية هي دراسة التفوق الإنساني .. وهي القدرة على بذل قصارى جهدك اكثر فاكثر .. وهي الطريقة الجبارة والعملية التي تؤدي إلى التغيير الشخصي .. وهي تكنولوجيا الإنجاز الجديدة".
 
 وكل هذه التفسيرات صحيحة للغاية، إلا أن هناك تفسيراً اكثر دقة وصحة من الناحية العلمية، وضعه مؤسسو البرمجة اللُغوية العصبية ، وهو اكثر تثقيفاً و تنويراً:
 
ـــ البرمجة : تشير إلى أفكارنا ومشاعرنا وتصرفاتنا .. حيث أنه من الممكن استبدال البرامج المألوفة بأخرى جديدة وإيجابية.
ـــ اللُغوية : المقدرة الطبيعية على استخدام اللغة الملفوظة أو غير الملفوظة. والملفوظة تشير إلى كيفية عكس كلمات معينة ومجموعات من اللكمات لكلماتنا الذهنية .. وغير الملفوظة لها صلة " بلغة الصمت " ، لغة الوضعيات و الحركات والعادات التي تكشف عن أساليبنا الفكرية و معتقداتنا .
 
ـــ العصبية: تشير إلى جهازنا العصبي وهي سبيل حواسنا الخمس التي من خلالها نرى ونسمع ونشعر ونتذوق ونشم .
 
وهي فن و علم الوصول بالإنسان لدرجة الامتياز البشري التي بها يستطيع أن يحقق أهدافه ويرفع دائماً من مستوى حياته . 
 
ما المقصود بالافتراضات المسبقة للبرمجة اللغُوية العصبية؟
 
  هي مجموعة من الافتراضات المسلم بصحتها والتي تحدد تشكيل ومميزات السلوك وجمع المعلومات والتقييم الشخصي. توصي الافتراضات المسبقة بمجموعة من التوجيهات لتمكين الناس من تطبيق فن علم البرمجة اللغوية العصبية وتحقيق نتائج أهم .
 
وهي الحقيبة التي يحملها معه ممارس البرمجة في كل مكان لاستعمال أدواتها مع نفسه والآخرين، ليست هي الصواب على الإطلاق، والافتراضات المسبقة: هي مجموعة الاحتمالات التي تضع الإطار حول كيفية رؤية السلوك وجمع المعلومات وقيمة الذات. 
 
وهي تمد ممارس البرمجة اللُغوية العصبية بالخطوط الإرشادية التي تمكنه من فهم وممارسة فن هذا العلم وهي تفصل بين الممارس الناجح والآخرين.
 

وأهم هذه الافتراضات ما يلي:

 
احترام وتقبل الآخرين كما هم:
 
يصيغها الدكتور إبراهيم الفقي باحترام رؤية الشخص الآخر للعالم ويرى أن لكل البشر مجموعة من القيم و المعتقدات تحدد أنماط سلوكهم . وقد يبدو لك شخص آخر وكأنه تحديا لك ، إذا صممت على تغييره للشكل الذي تريده أنت ، أو ما هو أسوأ من ذلك بكثير ، قد ينتهي بك الآمر إلى أن تصدم بثبات و عدم تزحزح الناس عن قيمهم و معتقداتهم . فإذا نجحت في أحداث تغيير طفيف ، قد يرجع ذلك إلى الخوف و يكون بدون جدوى ، و سرعان ما يعود الحال إلى ما كان عليه باسترجاع الشخص لسوكه القديم .
 
إذا كنت تريد أن تحدث تغييراً في الآخرين فابدأ أولاً في تغيير نفسك ، لأنك ستجد صعوبة في أن تغير نفسك كما تريد أن تكون .
 
قالت " مارج بيرس " : " أن الحياة هي الهبة الأولى ، والحب هو الثانية و التفاهم الثالثة " لذا فأجعل من ذلك قاعدة لحياتك ، أقدم على محبة و تفهم الآخرين و سوف تعيش حياة أسعد .
 
في بناء العلاقات لا بد من معاملة كل فرد على أنه مهم .. وهو بالفعل كذلك .. فلا يوجد إنسان بلا أهمية و أنت لا تعرف من ستحتاج إليه غداً .. كما أن العالم صغير حقيقة لا مجازاً ، وستدهش عندما تكتشف أن كثيراً ممن تعرفهم سيتقلدون مناصب هامة لم تكن تتوقعها . إننا بحاجة إلى الآخرين ليكتمل نجاحنا .. فالنجم لا يسطع وحده .
 
و تذكر أنك تستطيع إحداث المعجزات إذا ما كان لديك إيمان بالآخرين ، وحتى تحصل على أفضل ما لدى الآخرين ، اختار أن تفكر و تؤمن بأفضل ما لديهم من أفكار و اتجاهات و مشاعر .
 
أن تؤمن أنك بخير و أن الآخرين بخير .. و هذه المفهوم يتبناه أصحاب العقول الرشيدة الواثقة من قدراتها و قدرات الآخرين .. و رسوخ هذه التصور لديك يجعلك تحسن الاستفادة من الآخرين .. و إبداعهم . فإذا تشابه فردان في كل شيء فلا حاجة لوجود واحد منهما ..... لذلك علينا أن نشجع الاختلاف في وجهات النظر في المسائل المختلفة . 
 
و تذكر قوله تعالى : ( ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك ) .
 
و قوله تعالى : ( ... وقولوا للناس حسناً ) .
 
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله" .
 
وقوله صلى الله عليه وسلم: "الكلمة الطيبة صدقة".
 
وقوله صلى الله عليه وسلم: "وتبسمك في وجه أخيك صدقة".
 
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرن من المعروف شيئاً و لو أن تلقى أخاك بوجه طليق".
 
وقوله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً الموطؤون أكنافاً" .
 
يروى أن عتبة بن ربيعة جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : يا ابن أخي ، أنك منا حيث قد علمت من السلطة في العشيرة و المكان من النسب ، و إنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت به جماعتهم ، وسفهت به أحلامهم ، و عبت به آلهتهم ، و كفرت به من مضى من آبائهم ، فاسمع منى أعرض عليك أموراً لعلك تقبل بعضها . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم " قل يا أبا الوليد أسمع " فقال له عتبة ما قال حتى فرغ قال له : " أو قد فرغت يا أبا الوليد ؟ " قال : نعم . قال " فاسمع مني " . قال : أفعل . فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو عليه من سورة فصلت حتى إذا انتهى إلى الآية موضع السجدة منها الآية 37 سجد ثم قال لعتية : " قد سمعت يا أبا الوليد فأنت و ذاك " فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم : نحلف بالله لقد جاءكم أبوالوليد بوجه غير الذي ذهب به ، وطلب عتبة إليهم أن يدعوا الرسول صلى الله عليه وسلم و شأنه . فأبوا و قالوا له : سحرك يا أبا الوليد بلسانه .
 
وهذه القصة كلها دورس في الحوار ، نكتفي منها بالذي نحن بصدده ، فالرسول صلى الله عليه و سلم لم يحسن الإنصات و يترك المقاطعة فحسب ، بل منحه فرصة أخرى لإضافة أي شيء ربما نسيه ، أو غفل عنه : " أو قد فرغت يا أبا الوليد ؟ " وهذا خلق رفيع ، و أدب جم يستدعي حسن إصغاء من الطرف الآخر .
 
وعن أنس بن مالك قال : " كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجبذه برداته جبذة شديدة ، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ، ثم قال : يا محمد ، مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك ، ثم أمر له بعطاء "  .
 
و عن حميد الطويل ، عن أبي قلابة قال : إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك ، فإن لم تجد له عذراً فقل في نفسك : لعل لأخي عذراً لا أعلمه " .
 
وقال يونس الصدفي : ما رأيت أعقل من الشافعي ، ناظرته يوماً في مسألة ، ثم افترقنا ، ولقيني ، فأخذ بيدي ، ثم قال : يا أبا موسى ، ألا يستقيم أن نكون إخواناً و إن لم نتفق في مسألة . 
 
وروي أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب منه شيئاً فأعطاه ثم قال له : أحسنت إليك ؟ قال الأعرابي : لا و لا أجملت . فغضب المسلمون و قاموا عليه .. فأشار إليهم أن كفوا .. ثم قام و دخل منزله فأرسل إليه وزاده شيئاً ثم قال له : أحسنت إليك ؟ قال : نعم فجزاك الله من أهل و عشيرة خيراً ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " إنك قلت ما قلت آنفاً و في نفس أصحابي من ذلك شيء فإن أحببت فقل بين أيدهم ما قلت بين يدي حتى يذهب ما في صدروهم عليك " . قال : نعم . فلما كان الغد جاء الأعرابي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه فزعم أنه رضي أذلك ؟ " . قال : نعم فجزاك الله من أهل و عشيرة خيراً . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " مثلي و مثل هذا كمثل رجل له ناقة شردت عليه فاتبعها الناس ، فلم يزيدوها إلا نفوراً ، فناداهم صاحبها فقال لهم : خلو بيني و بين ناقتي ، فإني أرفق بها منكم و أعلم . فتوجه لها بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض ، و أني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار " .
 
دخل على عمر بن عبد العزيز في أول ولايته وفود المهنئين من كل جهة ، فتقدم من وفد الحجازيين للكلام غلام صغير لم يبلغ إحدى عشرة سنة ، فقال له عمر : ارجع أنت و ليتقدم من هو أكبر منك سناً . فقال الغلام : أيد الله  أمير المؤمنين ( المرء بأصغريه قلبه و لسانه ) فإذا منح الله العبد لساناً لافظاً و قلباً حافظاً فقد استحق الكلام . و لو كان الأمر بالسن يا أمير المؤمنين لكان في الأمة من هو أحق منك بمجلسك هذه ! .
 
 روى الطبراني بإسناد حسن عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه و حديثه على شر القوم ، يتألفه بذلك ، وكان يقبل بوجهه و حديثه على : حنى ظننت أني خير القوم ، فقلت : يا رسول الله ، أنا خير أم أبو بكر ؟ فقال : أبو بكر ، فقلت : يا رسول الله ، أنا خير أم عمر ؟ قال : عمر ، قلت : يا رسول الله ، أنا خير أم عمر ؟ قال : عمر ، قلت يا رسول الله : أنا خير أم عثمان ؟ قال : عثمان ، فلما سألت رسول الله صلى عليه وسلم صد عني ، فوددت أني لم أكن سألته) .
 
قال الله تعالى : ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن ) .
 
و يقول جل ذكره مخاطباً نبييه الكريمين موسى وهارون عليمها السلام : ( أذهب أنت و أخوك بئاياتى ولاتنيا في ذكري -OQ
CQ- أذهبا إلى فرعون إنه طغى -OQCQ- فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى  ).
 
فهذا محمد صلى الله عليه وسلم أمره ربه أن يجادل قومه بالحسنى ، وهم قد أساؤوا إليه و كذبوه وآذوه ، وهذان موسى و هارون عليهما السلام يرسلهما ربهما إلى فرعون الذي طغى ، و يأمرهما أن يلينا له القول أملاً في أن يتذكر ، وأن يخشى . قال القرطبي : ( فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولاً ليناً فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه و أمره بالمعروف في كلامه ) و قال ابن كثير : ( هذه الآية فيها عبرة عظيمة ، وهو أن فرعون كان في غاية العتو و الاستكبار ، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك ، ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة و اللين ). فهل نحن أكرم على الله من أنبيائه ؟ . 
 
الخريطة ليست هي المنطقة :
 
" أن الخريطة هي إدراكك بينما المنطقة هي الحياة " .. و أطلق العالم الرياضي البولندي " الفرد كورزبسكي " هذا التعبير لوضع التأكيد على أن الإدراك غير الواقع . بذلك تطرق كورزبسكي إلى نقطة أساسية ، إلا وهي انه بتغير إدراكك لوقف ما ، فإن حياتك تتغير معه .
 
خرائط الناس في عقولهم مكونة من صور و أصوات و مشاعر و أذواق وروائح . وبعض الخرائط خارج الوعي لا نحسها ، و الناس يستجيبون لخرائطهم في عقولهم و ليس للحقيقة نفسها . ( الحقيقة ليست واحدة أو جامدة أو ثابتة إنما هي نسبية ) .
 
و يقول مارسيل بروست " إن الاكتشاف الحقيقي ليس في اكتشاف أراض جديدة و لكن في اكتشاف رؤية جديدة " .
 
إن الصفات الأخلاقية المثالية والصفات الأخلاقية الذاتية أمثلة على التصورات الذهنية الاجتماعية، ويعود أصل الكلمة في اللغة الإنجليزية إلى اللغة اليونانية ، وكانت الكلمة في الأصل تعبر عن مصطلح علمي ، في حين أنها أصبحت تستخدم الآن بصورة شائعة لتعني نموذجاً ، أو نظرية ، أو إدراكاً أو افتراضاً ، أو إطاراً مرجعياً ، و في معناها الأكثر عمومية فإنها تعني الطريقة التي " نرى " بها العالم ـ ليس حاستنا البصرية للرؤية ، بل بمعنى الإدراك ، والفهم و التفسير ، وأبسط وسيلة لفهم التصورات الذهنية .. هو النظر إليها على أنها خرائط . إننا نعلم جميعاً أن " الخريطة ليست هي الإقليم " . 
 
فالخريطة هي ببساطة شرح لمظاهر معينة للإقليم ، و هذا هو التصور الذهني بدقة . إنه فكرة ، شرح أو نموذج لشيء آخر . إن كلاً منا يختزن في رأسه الكثير و العديد من الخرائط و التي يمكن تقسيمها إلى فئتين رئيسيتين : خرائط خاصة بالأشياء كما هي ، أو الحقائق ، و خرائط خاصة بالأشياء كما ينبغي أن تكون أو القيم ، ومن هنا فإننا نقوم بتفسير كل ما يمر بنا من تجارب وفقاً لهذه الخرائط الذهنية ، ونادراً ما نتساءل حول مدى دقتها ، بل إننا عادة لا ندرك أنها بداخلنا ، إننا نفترض ببساطة أن الطريقة التي نرى بها الأشياء هي الطريقة التي هي عليها حقيقة أو الطريقة التي يجب أن تكون عليها .
 
وفي هذا الصدد يذكر ستيفن ر . كوفي تجربة خاضها في صباح يوم أحد في قطار الأنفاق بمدينة نيويورك أسفرت عن تغيير صورة ذهنية طفيف .فيقول : كان الركاب جالسين في سكنية ـ بعضهم يقرأ الصحف ، وبعضهم مستغرق في التفكير ، وأخرون مغمضين أعينهم في استرخاء ، وكان الجو ساكناً و مفعماً بالهدوء . و فجأة صعد رجل يصحبه أطفاله الذين سرعان ما ملأ ضجيجهم عربة القطار و نقلها على الفور من حال إلى حال . جلس الرجل إلى جانبي ، و أغلق عينية ، غافلاً على ما يبدو عن الموقف كله . كان الأطفال يتبادلون الصياح ، ويتقاذفون بالأشياء ، بل ويجذبون الصحف من الركاب . وكان الأمر مثيراً للانزعاج ، وغم ذلك استمر الرجل في جلسته على جواري دون أن يحرك ساكناً .

كان من الصعب ألا أشعر بالضيق . لم أكن أصدق أن يكون على هذا القدر من التبلد والسماح لأبنائه بالركض هكذا دون ضابط ، ودون أن يفعل شيئاً ، ومتخلياً عن مسؤوليته تماماً. وكان من اليسير أن تلمس أيضاً ما يشعر به الركاب الآخرون من ضيق . و أخيراً . وبقدر غير معتاد من الصبر وضبط النفس، التفت إلى الرجل قائلاً "إن أطفالك، ياسيدي، يسببون ازعاجاً للكثير من الناس، وأني لأعجب إن لم تستطيع أن تكبح جماحهم أكثر من ذلك؟" فتح الرجل عينيه كما لو كان يعي الموقف للمرة الأولى وقال في لطف " نعم، إنك على حق. يبدو أنه يتعين على أن أفعل شيئاً إزاء هذا الأمر.

لقد قدمنا لتونا من المستشفى حيث لفظت والدتهم أنفاسها الأخيرة منذ ساعة واحدة. إنني عاجز عن التفكير ، وأظن أنهم لا يدرون كيف يواجهون الموقف أيضاً. " ويقول كوفي: هل لك أن تتخيل شعوري أنئذ؟ لقد حدث تغيير للصورة الذهنية. لقد رأيت الأمور مختلفة فجأة ، و نظراً لأني رأيت بصورة مختلفة ، فقد فكرت بصورة مختلفة، وأحسست بصورة مختلفة، وتصرفت بصورة مختلفة . لقد أنفثأ غضبي. لم أعد أعبأ بالتحكم في توجهي أو في سلوكي، وامتلاء قلبي بآلام الرجل، وتدفقت مشاعر التعاطف والتراحم دون قيود. "هل ماتت زوجتك للتو؟ إنني آسف هل تتحدث معي بشأنها؟ هل يمكنني المساعدة؟". لقد تغير كل شيء في لحظة .
 
و هكذا يبدو بجلاء أنه إذا رغينا في إجراء تغييرات طفيفة نسبياً في حياتنا فلربما استطعنا التركيز بطريقة ملائمة على توجهاتنا و سلوكياتنا . أما إذا رغبنا في إجراء تغيير جوهري و كمي ، فإنه يتعين أن تنصب جهودنا على تصوراتنا الذهنية الأساسية ، ووفقا لكمات ثور " مقابل ألف ضربة على أوراق الشجر ، تأتي ضربة واحدة على الجذور " .
   
و قاعدة ذلك قوله تعالى في محكم التنزيل : " .. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .. " .
   
 روت كتب السيرة أن حصيناً الخزاعي جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل قريش ، فقال له : يا محمد إنك تسب آلهتنا و تسفه أحلامنا ، لقد كان أبوك حصينة و خير ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : " يا حصين : دع عنك هذا ، إن أبي و أباك في النار ، يا حصين كم إلهاً تعبد ؟ فقال : سبعة، ستة في الأرض وواحد في السماء ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : إذا أصابك المرض فمن الذي تدعو ؟ قال : الذي في السماء ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : يا حصين إذا الجوع و الفقر فمن الذي تدعو ؟ قال : الذي في السماء ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم فيستجيب لك وحده وتشرك معه غيره ؟ وهنا تنبه حصين ، واقتنع بالعقل و المنطق بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ثم عرض عليه الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلم . 
 
وروى أن رجلاً من المسلمين كانت عنده شبهة على عثمان إذ كان يتهمه بأنه يهودي ، و حاول المسلمون أن يقنعوه أن عثمان مسلم فما استطاعوا أن يزيلوا هذه الشبهة من عنده ، فجاء له الإمام أبو حنيفة فقال له : جئتك خاطباً ، فقال من ؟ قال : ابنتك ، قال : لمن ؟ قال : لرجل شريف عفيف صالح منفق كريم صوام بالنهار قوام بالليل ، فقال الرجل : فما ون ذلك مقنع ، فقال أبو حنيفة : لكن فيه عيب واحد ، فقال الرجل : و ما هو ، قال أبو حنيفة : أنه يهودي ، فقال الرجل : يغفر الله لك يا أبا حنيفة أتريد أن أزوج ابنتي من يهودي ؟ فقال أبو حنيفة : نعم لقد زوج الرسول صلى الله عليه وسلم ابنته من يهودي ، وهو عثمان ، فانتبه الرجل و اقتنع وقال : أستغفر الله أن عثمان مسلم ، وليس يهودياً .
 
كما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه " أن رجلاً من أهل البادية أتى النبي صلى الله علي وسلم فقال : إن امرأتي ولدت ولداً أسود ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هل لك من إبل ؟ قال : نعم ، قال : ما ألوانها ؟ قال : حمر . قال : هل فيها من أورق ؟ قال : نعم . قال : فأني ترى ذلك ؟ قال : نزعه عرق . قال : ولعل هذا نزعه عرق " . 
إن هذا الأسلوب الذي استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم في إقناع الرجل يعتمد على الحوار المنطقي المتناسق مع خارطة الرجل و الذي طرد الشك و حل محله اليقين ، و على التشبيه التمثيلي حينما الذي يدركه الرجل حينما شبه ولادة الغلام الأسود بولادة ولد الناقة الأورق .
 
كل إنسان له من تاريخ ماضيه جميع الإمكانيات التي يحتاجها لإنجاز تغيير إيجابي في حياته :
 
فكر في موقف مضى حينما كنت تشعر بالثقة في النفس و كنت متحفزاً للعمل ـ على سبيل المثال حصولك على شهادة أو ترقيه متوقعة منذ زمن طويل أو إتمام صفقة مبيعات ناجحة أو ولادة أو طفل لك ـ عش إحدى تلك التجارب من جديد كما لو كانت تحدث الآن ، قم برؤيتها و سماعها و الشعور بها مرة ثانية ، واستفد من القوة التي تمدك بها هذه التجربة ، وقبل أي شيء تذكرها. كلما احتجت إلى الشعور بالثقة و التشجيع ، عد إلى هذا الزمن الإيجابي و عشه مرة أخرى ، وسوف يزودك بالحافز الذي تحتاج إليه في الحاضر و المستقبل . كرر التجربة كلما احتجت إلى ثقة و تشجيع . ليست هنالك حدود للاستعانة بمصادر الماضي ـ سواء كانت للاسترخاء أو للحب أو للاتصال الجيد ـ فان ماضيك منجم حافل بالمصادر من شأنها تمكينك من التمتع بحياة أكمل و أفضل .
 
وقد ورد في السيرة العديدة من الشواهد على استفادة الرسول صلى الله عليه وسلم و الصحابة من خبراتهم السابقة و التأكيد على الإيجابي منها و تعزيزه فقد أخرج ابن سعد عن الشعبي : أن عمر بن الخطاب رضي الله كان في بيت ومعه جرير بن عبد الله رضي الله عنه ، فوجد عمر ريحاً ، فقال : عزمت على صاحب هذه الريح لما قام فتوضأ ، فقال جرير : يا أمير المؤمنين أو يتوضأ القوم جميعاً ؟ فقال عمر : رحمك الله ، نعم السيد في الجاهلية ! نعم السيد في الإسلام .
 
و عن سويد بن الحارث رضي الله عنه قال : وفدت على رسول الله صلى الله عليه و سلم سابع سبعة من قومي فلما دخلنا عليه و كلمناه فأعجبه ما رأى من سمتنا وزينا فقال : " ما أنتم ؟ " قلنا مؤمنين ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم و قال : " إن لكل قول حقيقة و ما حقيقة قولكم و إيمكانكم ؟ " قال سويد فقلنا : خمس عشرة خصلة : خمس منها أمرتنا رسلك أن نؤمن بها ، و خمس منها أمرتنا رسلك أن نعمل بها ، وخمس منها تخلقنا بها في الجاهلية ، فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئاً ـ فذكر الحديث في الإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و القدر خيره و شره و أركان الإسلام و الأخلاق الطيبة .
 
وراء كل سلوك نية إيجابية:
 
 مثلاً .. إذا سألت لصاً عن سبب سرقته ، قد يقول لك أنه لجأ إلى السرقة لكي يطعم عائلته . و بالتركيز على نية تصرفه سوف تلاحظ قدراً من طيبة القلب . ربما قد تجد أو تشابه أخرى ـ ولكن في إدراكك العقلي ، يظل سلوكه هو قاعدة الحكم عليه وانتقاده ولو بصرامة . إذا عندما نتعامل مع الناس ، من الضروري أن تفصل بين سلوكهم و نواياهم ، و إلا سوف تقع في شرك التعميمات . تذكر إلا تدع تصرفاً واحداً لإنسان يصبح إدراكك الكلي له ، لأننا نحن في الحقيقة أكثر من تصرف واحد . وفي النهاية من الأفضل التمسك بالاعتقاد أن وراء كل سلوك نية إيجابية . قال ارسطو : "اعتقد أن الهدف من وراء كل علم و كل تساؤل ، وكذلك كل نشاط ومواظبة ، هو قصد خير ".
 
و تدبر قصة كتاب حاطب بن أبي بلتعة و كيف كانت نيته الإيجابية خلف سلوكه في مراسلة كفار قريش حيث أخرج البخاري عن علي بن رضي الله عنه يقول : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير و المقداد ـ رضي الله عنهم ـ فقال : " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها " ، فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى أتينا الروضة . فإذا نحن بالظعينة ، فقلنا ( لها ) أخرجي الكتاب ، فقالت : ما معي ، فقلنا : لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب ؟ قال : فأخرجته من عقاصها . فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : " يا حاطب ما هذا ؟ " . فقال : يا رسول الله لا تعجل على إني كنت امرأ ملصقاً في قريش ـيقول : كنت حليفا ـ ولم أكن من أنفسها ، وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون بها أهليهم و أموالهم ، فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يداً يحمون قرابتي ، ولم أفعله ارتداداً عن ديني و لا رضا بالكفر بعد الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما إنه قد صدقكم " ، فقال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال : " إنه قد شهد بدراً ، و ما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدراً فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله سورة : (يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء ) إلى قوله ( فقد ضل سوآء السبيل). 
     
وعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله عليه وسلم يقول : " إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله و كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " رواه البخاري و مسلم .
 
لكل إنسان مستويان من الاتصال : الواعي واللاواعي :
 
 صرح العالم النفسي " جورج أ. ملر " من جامعة " هارفارد" ـ في الدراسة التي أجراها عام 1956ـ أن العقل الواعي قادر على استيعاب اكثر من سبع (+_) قطعتين من المعلومات في لحظة ما ... أي أن سعة العقل الواعي محدودة . أما العقل اللاواعي ففي امكانه استيعاب ما يزيد عن 2 بليون معلومة في الثانية . وفي الواقع ، يحتوي العقل اللاواعي على جميع ذكرياتك و برامجك منذ كنت جنيناً في الرحم ، أي أن للعقل اللاواعي قدرة استيعاب لا محدودة على الإطلاق . فكيفية برمجتك للاتصال خلال المراحل المتقدمة من العمر ، وأيضاً ردود فعلك الاعتيادية تجاه أشياء معينة و تصرفات محددة بإختصار ، فأن هذه البرامج الموجودة منذ أمد طويل هى التي تحدد طبيعة سلوكك . و الأخبار السارة هي أننا نستطيع تبديل أي برنامج لتمكيننا من التمتمع بحياة أسعد . 
 
ومن هنا نستطيع ترقية الاتصال بأنفسنا وبالآخرين . ويمكن التحدي في تحديات عقلك الواعي ، حيث أنه هو الذي يتولى برمجة عقلك اللاواعي . فالبدء يكون بالتأثير على العقل الواعي و كذلك على تقديرنا و تقيمنا للأشياء التي نقولها لأنفسنا و لغيرنا ، وهو شيء لا مفر منه ، ولذا قم بإلغاء ومحو الأحاديث و الأفكار السلبية واستبدلها بأخرى إيجابية جديدة . مثلاً ، إذا اعتقدت أن فلان شرس و قاسي ، قم بالغاء هذه الفكرة فوراً لأنه في صميم القلب لا وجود لأي شخص شرير . أن ما يقلقك هو السلوك وفيه تجد نية إيجابية . ركز على النوايا الإيجابية و أجد تفسيراً مختلفاً للموقف . حينما تتصرف بهذا الأسلوب ، تقوم بتزويد عقلك الواعي بمعلومات طيبة ونتيجة لذلك يغذى عقلك الواعي عقلك اللاواعي ببرامج طيبة ، والنهاية سوف تجد نفسك تمارس اتصال أفضل من أي وقت مضى .
       
حياتك من صنع أفكارك ... فسعادة الإناء أو شقاوته أو قلقه أو سكينته تنبع من نفسه وحدها . إنه هو الذي يعطي الحياة لونها البهيج ، أو المقبض ، كما يتلون السائل بلون الإناء الذي يحتويه : " فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط " . عاد النبي صلى الله عليه وسلم أعرابياً مريضاً يتلوى من شدة الحمى ، فقال له مواسياً و مشجعاً: "طهور " فقال الأعرابي : بل هي حمى تفور ، على شيخ كبير ، لتورده القبور . قال : " فهي إذن " . يعنى أن الأمر يخضع للاعتبار الشخصي ، فإن شئت جعلتها تطهيراً ورضيت ، وإن شئت جعلتها هلاكهاً و سخطت . 
و تأمل معي قصة توبة الفضيل بن عياض رحمه الله لتلحظ كيف غيرت آية من مجرى حياته بعد أختار التغيير فقد أمضى الشطر الأول من شبابه فاتكاً بطاشاً ، يقطع الطريق ، ويسلب أموال الناس . وكان يتربص بالسابلة و المسافرين ، في مفازة مابين ( أبيورد ) و ( مرو ) ، حتى عرفت تلك المفازة باسمه ، وغدت منطقة رعب في نفوس المجتازين ورجال القوافل ، فكانوا يتواصون بالابتعاد عن ذلك الطريق ، كي لا يقعوا في كمائنه . وكان الفضيل يعمد إلى الأموال التي ينهبها من عمله هذا ، فينفقها على متعه و أهوائه ، ويبددها في سبيل ملاذه . وفي غمرة حياته التائهة هذه ، لقي جارية فأحبها و تعلق بها ، فكان يختلف إليها كلما أمكنته الفرصة ، وقلما كانت تسعفه الفرص السانحة ، فشغله التعلق بها عن جزء كبير من اهتمامه بقطع الطريق ، و متابعة المسافرين و التربص بهم .. و مضى ليله يفكر في الخطة التي ينبغي أن يهتدي إليها للقاء محبوبته و إطفاء غلة اشتياقه الشديد إليها . و اهتدى أخيراً إلى أن عليه أن ينتظر إلى الهزيع الأخير من الليل ، حيث يكون النوم قد حجب عنه أعين الأهل و الرقباء ، ثم يمضى إلى دار حبيبته فيتسور إليها الجدار ، دون ضجيج سؤال أو قرع للأبواب .. و نفذ مخططه .. و قبل أن يهوي ساقطاً داخل الدار ، وقف يلقي السمع إلى أي صوت يمكن أن يبلغ أذنه ، بحثاً عن مزيد من الطمأنينة إلى أنه قد جاء في الوقت المناسب .. وبينما هو كذلك ، إذ سمع قارئاً يرتل في جوف الليل قوله عز وجل : "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله و ما نزل من الحق و لا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ... ) الحديد57.
وما أن طرقت سمعه هذه الكلمات الربانية الفياضة بالحب و العتب الرقيق ، حتى سرت منها شعلة إلى قلبه ، فصاح بصوت مجلجل اخترق سكون الليل من حوله : بلى يارب .. لقد آن . وكانت توبة الفضيل .
   
ليس هناك فشل بل نتائج و خبرات :
 
أن الناس ميالون إلى الالتفاف بأفكارهم إلى الأشياء المؤسفة التي مضت في حياتهم ، وتأمل الصعاب و المضايقات واجهوها واعتبروها إخفاقا وفشلاً ، وسرعان ما تظهر مشاعر عدم الملاءمة . لا أهمية لعدد المرات التي تكون قد فشلت فيها في الماضي ، كل ما يهم هو كيف تستفيد من هذه التجارب . كما بقول الصينيون : " يأتي النجاح من القرارات الصائبة ، والقرارات الصائبة تأتي من التقدير السليم للأمور ، والتقدير السليم يأتي من التجارب ، و التجارب تأتي من التقدير الخاطئ للأمور " .
 
و لهذا لم ييأس الرسول من دعوة القبائل العربية و لا من دعوة صناديد قريش بل أستمر في دعوتهم حتى عمت دعوته الأفاق .
 
ولعل أيضاً صلح الحديبية مثال بارز على استفادة الرسول من هذه الخبرة في فتح مكة و كذلك هزيمة المسلمين في أحد كانت بعون الله شرارة انطلاق أوسع للجيش الإسلامي .
 
الشخص الأكثر مرونة يمكنه التحكم في الأمور :
 
ظلت ذبابة تصطدم بنافذة مغلقة ، مجهدة نفسها بالطيران نحو النافذة دون أن تجد منفذا للخروج ، فهلكت الذبابة إجهاداً ، بينما كان بالقرب من النافذة باباً مفتوحاً كان السبيل إلى الحرية .. يدل سلوك كهذا على انعدام المرونة .. إذا جاز التعبير يتصرف العديد من الناس كالذبابة ، ويعيدون و يكررون أنماط السلوك الفاشلة ، ويقولون نفس الأشياء ، ويفعلون ذات الأشياء ، وفي النهاية يسودهم التعب و الإجهاد وأيضاً الإحباط . لا تنسى أن تظل مرناً في كل شئ تفعله ، حيث أن المرونة هي القوة .
 
و تدبر كيف يعلم رسول الله صلى الله عليه و سلم معاذاً كيف يدعو إلى فرائض الإسلام في اليمن مراعياً التدرج و المرونة فقد أخرج البخاري عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل رضى الله عنه ـ بعثه إلى اليمن ـ : " إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك و كرائم أموالهم ، و اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ".
 
العقل و الجسم يؤثر كلاً منهما على الآخر :
 
أن وجوهنا و حركات أجسامنا مرآة لأفكارنا ، والعكس صحيح . جرب ما يأتي : فكر في شيء لا تحبه ـ فكر فيه كما لو كان هنا أمامك الآن . أثناء التفكير فيه ، لاحظ بدقة تعبيرات وجهك وحركات جسمك ، والآن اعمل عكس ذلك ـ فكر في شيء تحبه كما لو كان هنا أمامك الآن ، ومرة أخرى سجل بعناية تعبيرات جسمك . والآن جرب ما يلي : اهبط كتفيك ، ونكس رأسك ، وتنفس جيداً و قل : " أشعر أنني في حالة رائعة ‍‍‍‌" مع أنك غالياً لا تشعر بهذا الشعور . جرب شيئاً آخرا : انهض و استقم، ادفع رأسك ، تنفس بعمق وقل " أنني في حالة بؤس " اعتقد أن ذلك لن ينجح أيضاً . هذا ما نقصده بالتأثير المتبادل للجسم و العقل على بعضهما ــ كلاهما مرتبطاً بالآخر داخلياً .
 
 
ولهذا عالج رسول الله صلى الله عليه وسلم الغضب بالجلوس أو الاضطجاع رغم أن الغضب حالة شعورية إلا أن التوجيه الكريم كان بتغير السلوك الجسدي فعن أبي ذر قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " إذا غضب أحدكم و هو قائم ، فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب ، وإلا فليضطجع " كما عالجه أيضاً بالوضوء والاغتسال فعن أبي وائل القاص قال : دخلنا على عروة ابم محمد السعدي ، فكلمه رجل فأغضبه ، فقام فتوضأ ، ثم رجع وقد توضأ فقال : حدثني أبي عن جدي عطية قال : قال رسول الله عليه وسلم أن الغضب من الشيطان ، والشيطان خلق من النار ، وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ".
   
إذا كان أي إنسان قادراً على فعل أي شيء فمن الممكن لأي إنسان آخر أن يتعلمه و يفعله :
 
قال الإمبراطور الروماني "ماركس اورليوس": "لا تعتقد أن ما هو صعب عليك يعجر أي إنسان عن عمله، ولكن إذا كان شيئاً في مستطاع أي إنسان، فإعتبر هذا اليءً في متناولك أيضاً". طبعاً هناك قواعد تنطبق في هذه الحالة:
ـ يجب أن تكون لديك رغبة قوية في التعلم.
ـ يجب أن تباشر التعلم.
ـ يجب أن تلزم نفسك بالتعلم تحت أية ظروف.  
 
أخرج أحمد بإسناد حسن والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة" فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه ، قد علق نعليه بيده الشمال ، فلما كان الغد قال النبي صلي الله عليه وسلم مثل ذلك ، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى ، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً ، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول ، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال : إني لاحئيت أبي ، فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثاً ، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضى فعلت ، قال : نعم ، قال أنس : فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئاً ، غير أنه إذا تعار ـ تقلب على فراشه ـ ذكر الله عز وجل و كبر حتى يقوم لصلاة الفجر ، قال عبد الله : غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا . فلما مضت الليالي و كدت أن احتقر عمله قلت : يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولاهجرة ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات : " يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة " فطلعت أنت الثلاث مرات ، فأردت أن أوي إليك فأنظر ما عملك فأقتدي بك ، فلم أراك عملت كبير عمل ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : ما هو إلا ما رأيت ، فلما وليت دعاني فقال : ما هو إلا ما رأيت ، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ، ولا أحسد أحداً علي خير أعطاه الله إياه ، فقال عبدالله : هذه التي بلغت بك .

المراجع

sst5.com

التصانيف

تطوير الذات   العلوم الاجتماعية   علم النّفس