ترتبط عبارة (افعل ولا حرج) بما أثر عنه -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث إنه ما سئل يوم النحر عن شيء من أعمال الحج إلا قال: افعل ولا حرج، وهذه العبارة تبين يسر الإسلام وسماحته، فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها.
والله عز وجل قد منح الحاج رخصا عديدة، كقصر الصلاة الرباعية، والجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وجواز النيابة في الرمي، والرخصة في عدم الترتيب بين المناسك، وإمكانية الانصراف من مزدلفة بعد منتصف الليل لذوي الأعذار، وإمكانية المبيت إلى نصف الليل بمنى، والاكتفاء بالجلوس فيها يومين بدلا من ثلاث.
كل هذه مظاهر من مظاهر التيسير التي تبدو واضحة في العبادات عامة، وفي الحج بصفة خاصة، غير أن الحاج في هذه التيسيرات ينبغي أن يقتدي بالنبي –صلى الله عليه وسلم-، فيأخذ بالرخص التي أخذها الرسول –صلى الله عليه وسلم- واستحبت للحجاج عامة، سواء كانوا من ذوي الأعذار أو من غير ذوي الأعذار، كقصر الصلاة وجمعها في عرفات ومزدلفة، وما عليه من حرج في الأشياء التي سئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب بقوله: افعل ولا حرج.
أما الرخص التي شرعت لذوي الأعذار في الحاج، فأرى –والله أعلم- أنها نتجت عن ضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، فلا يأخذها إلا من عنده عذر فعلا، فمثلا المبيت بالمزدلفة يجوز لأصحاب الأعذار أن ينصرفوا بعد منتصف الليل، لرمي جمرة العقبة الكبرى، ثم لهم بعد ذلك أن يحلقوا ويذبحوا ويطوفوا ويسعوا بين الصفا والمروة ويتحللوا من إحرامهم.
والبعض يكون شابا قويا قادرا على المبيت بالمزدلفة في العراء ويتذرع بأنه من أصحاب الأعذار ويذهب إلى الرمي، وأرى أن هذا غير مناسب، ففقه الرخص مطلوب، ومأخوذ به؛ وهو هدية من الله، لكن أن يتوسع فيه المسلم فهذا قد يوقعه في محظورات.
والبعض يتتبع الرخص في المذاهب وأقوال العلماء، وهذا نهى عنه الفقهاء وشددوا عليه، ففي حاشية المختار في الفقه الحنفي: (تتبع الرخص فسق)1/401. وهذا القول مقصود به أن يتتبع المسلم رخصة كل عالم، ورأيه في التيسير، لا الرخص التي يتفق عليها بين العلماء، ويؤيد هذا الفهم ما قاله ابن عبد البر - رحمه الله -: "من أخذذ برخصة كل عالم اجتمع فيه الشر كله"، فالمنهي عنه تتبع الرخص من المذاهب. انظر حاشية الحاوي على المراقي2/171.
إن شريعة الإسلام جاءت باليسر والسماحة، والله لا يريد أبدا إعنات العباد وإتعابهم، بل يريد تهذيبهم، ليكونوا في صفاء ونقاء يتطلب منهم جهدا، وهذا الجهد تكليف من الله تعالى الذي يعين على هذا التكليف، فهو لا يكلف نفسا إلا وسعها، وإذا عجز المسلم عن أداء التكليف رفع عنه بعضا منها غير منتقص من ثوابه، فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما) رواه البخاري.
ومن هنا نستطيع أن نفهم أن الشريعة الإسلامية جاءت للتيسير على الناس ورفع الحرج عنهم، وقد اجتهد سادتنا الفقهاء في هذه القاعدة الفقهية الكبيرة، فبينوا المشقة التي تحدث للإنسان، وحددوها في سبعة أسباب هي: (السفر، المرض، الإكراه، النسيان، الجهل، العسر وعموم البلوى، النقص). وهذه الأسباب معروف أن بها شغلا يعيق من أداء العبادة على الوجه الأكمل؛ فالسفر قطعة من العذاب، ومن ثم أتى اليسر في التخفيف من أداء العبادات كما وكيفا كما بينا، والمرض لا يخفى ألمه على الإنسان، أما الإكراه فإنه عائق به يكون الإنسان لا يملك حريته بأن يكون مسجونا مثلا وهو عذر يرخص فيه للإنسان بنطق كلمة الكفر حفاظا على صحته....وهكذا كل سبب أو عذر يجعل المسلم غير قادر على أداء العبادة يرفع الله عنه من العبء ما يناسب قدرته؛ إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وهذه الأسباب يجتمع بعضها للحج، وأحيانا تجتمع كلها، فالحجاج يأتون من كل فج عميق، فهم مسافرون، ثم قد يتعرضون للنسيان، أو الإكراه على قبول وضع معين في الإقامة والعيش قد يعيقهم عن أداء بعض المناسك، كما أن من الحجاج من يعذر بجهله بالمناسك.
إن الحاج الذي خرج صادق النية، نقي السريرة، مجيبا نداء لبيك، سيعينه الله على أداء نسكه، فيكون شاكرا لأنعمه، وحامدا له على هذه النعمة التي اصطفاه بها وجعله من الذين اختارهم الله ليكونوا من زوار حرمه الآمن.
نسأل الله أن يبلغنا حج بيته الحرام، وزيارة نبيه عليه الصلاة والسلام، وإلى لقاء قادم إن شاء الله.
المراجع
odabasham.net
التصانيف
الآداب قصص أدب مجتمع