هو الحكم بن محمد بن قنبر المازني مازن بني عمرو بن تميم، بصري شاعر ظريف من شعراء الدولة الهاشمية، وكان يهاجي مسلم بن الوليد الأنصاري مدة، ثم غلبه مسلم.
قال أبو الفرج: نسخت من كتاب جدي يحيى بن محمد بن ثوابة بخطه: حدثني الحسن بن سعيد قال: حدثني منصور بن جهور قال: لما تهاجى مسلم بن الوليد وابن قنبر، أمسك عنه مسلم بعد أن بسط عليه لسانه، فجاء مسلماً ابن عم له فقال: أيها الرجل، إنك عند الناس فوق هذا الرجل في عمود الشعر، وقد بعثت عليك لسانك ثم أمسكت عنه، فإما أن قاذعته، وإما أن سالمته، فقال له مسلم: إن لنا شيخاً وله مسجد يتهجد فيه، وله دعوات يدعوها، ونحن نسأله أن يجعل بعض دعواته في كفايتنا إياه، فأطرق الرجل ساعةً ثم قال:
غلب ابن قنبر واللئيم مغلب
|
|
لما اتقيت هجاءه بدعـاء
|
مازال يقذف بالهجاء ولذعه
|
|
حتى اتقوه بدعوة الآبـاء
|
قال: فقال له مسلم: والله ما كان ابن قنبر ليبلغ مني هذا، فأمسك عني لسانك وتعرف خبره بعد، قال: فبعث الرجل والله عليه من لسان مسلم ما أسكته.
أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا ابن مهرويه قال: حدثني محمد بن عبد الله العبدي القسري قال: رأيت مسلم بن الوليد والحكم بن قنبر في مسجد الرصافة في يوم جمعة، وكل واحد منهما بإزاء صاحبه، وكانا يتهاجيان، فبدأ مسلمٌ فأنشد قصيدته
أنا النار في أحجارها مستكـنة
|
|
فإن كنت ممن يقدح النار فاقدح
|
وتلاه ابن قنبر فأنشده قوله:
قد كدت تهوي وما قوسي بموترةٍ
|
|
فكيف ظنك بي والقوس في الوتر
|
فوثب مسلم وتواخزا وتواثبا حتى حجز الناس بينهما فتفرقا، فقال رجل لمسلم - وكان يتعصب له - ويحك! أعجزت عن الرجل حتى واثبته؟ قال: أنا وإياه لكما قال الشاعر:
هنيئاً مريئاً أنت بالفحش أبصر
|
وكان ابن قنبر مستعلياً عليه مدة، ثم غلبه مسلم بعد ذلك، فمن مناقضتهما قول ابن قنبر:
ومن عجب الأشـياء أن لـمـسـلـم
|
|
إلي نزاعاً في الهـجـاء ومـا يدري
|
والله مـا قـيسـت عـلـي جـدوده
|
|
لدي مفخر في الناس قوساً ولا شعري
|
ولابن قنبر قوله:
كيف أهجوك يا لئيمٌ بشعـري
|
|
أنت عندي فاعلم هجاء هجائي
|
يا دعي الأنصار بل عبدها النذ
|
|
ل تعرضت لي لدرك الشقاء
|
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني أبو توبة، عن محمد بن جبير عن الحسين بن محرز المغني المديني قال: دخلت يوماً على المأمون في يوم نوبتي وهو ينشد:
فما أقصر اسم الحب يا ويح ذي الحب
|
|
وأعظم بلواه على العاشق الـصـب
|
يمر به لفظ الـلـسـان مـشـمـرا
|
|
ويغرق من ساقاه في لجج الكـرب
|
فلما بصر بي قال: تعال يا حسين، فجئت، فأنشدني البيتين، ثم أعادهما علي حتى حفظتهما، ثم قال: اصنع فيهما لحناً، فإن أجدت سررتك، فخلوت وصنعت فيهما لحني المشهور، وعدت فغنيته إياه، فقال: أحسنت، وشرب عليه بقية يومه، وأمر لي بألف دينار، والشعر لحكم بن قنبر.
أخبرني محمد بن الأزهر قال: حدثني حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن محمد بن سلام قال: أنشدني ابن قنبر لنفسه:
ويلي على من أطار النوم وامتنـعـا
|
|
وزاد قلبي على أوجاعـه وجـعـا
|
ظبيٌ أغر ترى في وجهه سـرجـاً
|
|
تعشي العيون إذا ما نوره سطـعـا
|
كأنما الشمس في أثوابـه بـزغـت
|
|
حسناً أو البدر في أردانه طـلـعـا
|
فقد نسيت الكرى من طول ما عطلت
|
|
منه الجفون وطارت مهجتي قطعـا
|
قال ابن سلام: ثم قال ابن قنبر: لقيتني جوارٍ من جواري سليمان بن علي في الطريق الذي بين المربد وقصر أوس، فقلن لي: أنت الذي تقول:
ويلي على من أطار النوم وامتنعا
|
فقلت: نعم. فقلن: أمع هذا الوجه السمج تقول هذا؟ ثم جعلن يجذبنني ويلهون بي حتى أخرجنني من ثيابي، فرجعت عارياً إلى منزلي. قال: وكان حسن اللباس.
أخبرني محمد بن الحسين الكندي مؤدبي قال: حدثني علي بن محمد النوفلي قال: حدثني عمي قال: دخل الحكم بن قنبر على عمي - وكان صديقاً له - فبش به ورفع مجلسه، وأظهر له الأنس والسرور، ثم قال: أنشدني أبياتك التي أقسمت فيها بما في قلبك. فأنشده:
وحق الذي في القلب مـنـك فـإنـه
|
|
عظيم لقد حصنت سرك في صـدري
|
ولكنمـا أفـشـاه دمـعـي وربـمـا
|
|
أتى المرء ما يخشاه من حيث لا يدري
|
فهب لي ذنوب الدمـع إنـي أظـنـه
|
|
بما منه يبدو إنما يبـتـغـي ضـري
|
ولو يبتغي نفعي لخلـى ضـمـائري
|
|
يرد على أسرار مكنونـهـا سـتـر.
|
فقال لي: يا بني اكتبها واحفظها، ففعلت وحفظتها يومئذٍ وأنا غلام.
أخبرني اليزيدي قال: أخبرني عمي عن ابن سلام، وأخبرني به أحمد بن ابن عباس العسكري عن القنبري عن محمد بن سلام قال: أنشدني ابن قنبر لنفسه قوله:
صرمتن ثم لا كلمـتـنـي أبـداً
|
|
إن كنت خنتك في حالٍ من الحال
|
ولا اجترمت الذي فيه خيانتـكـم
|
|
ولا جرت خطرة منه على بالي
|
قال: فقلت له وأنا أضحك: يا هذا لقد بالغت في اليمين. فقال: هي عندي كذاك، وإن لم تكن عندك كما هي عندي. قال اليزيدي: قال عمي وهو الذي يقول وفيه غناء:
ليس فيها ما يقال لـه
|
|
كملت لو أن ذا كملا
|
كل جزء من محاسنها
|
|
كائنٌ في فضله مثلا
|
لو تمنت في ملاحتها
|
|
لم تجد من نفسها بدلا
|
فيه لحنٌ لابن القصار رمل.
أخبرني الحسن بن علي قال: حدثني ابن مهرويه قال: قال لي إبراهيم بن المدبر: أتعرف الذي يقول:
إن كنت لا ترهب ذمي لـمـا
|
|
تعرف من صفحي عن الجاهل
|
فاخش سكوتي فطناً منصـتـا
|
|
فيك لتحسين خـنـا الـقـائل
|
مقالة السـوء إلـى أهـلـهـا
|
|
أسهل من مـنـحـدر سـائل
|
ومن دعا الـنـاس إلـى ذمـه
|
|
ذموه بالحـق وبـالـبـاطـل
|
فقلت: هذه للعتابي، فقال: ما أنشدتها إلا لابن قنبر، فقلت له: من شاء منهما فليقلها، فإنه سرقه من قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة:
وإن أنا لم آمر ولم أنه عنكما
|
|
سكت له حتى يلج ويستشري
|
أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا ابن مهرويه قال: حدثني أبو مسلم يعني محمد بن الجهم قال: أطعم رجل من ولد عبد الله بن كريز صديقاً له ضيعة، فمكثت في يده مدة، ثم مات الكريزي، فطالب ابنه الرجل بالضيعة، فمنعه إياها، فاختصما إلى عبيد الله بن الحسن، فقيل له: ألا تستحي! تطالب بشيء إن كنت فيه كاذباً أثمت، وإن كنت صادقاً فإنما تريد أنت تنقض مكرمةً لأبيك، فقال له ابن الكريزي - وكان ساقطاً - الشحيح أعظم من الظالم أعزك الله، فقال له عبيد الله بن الحسن: هذا الجواب والله أعز من الخصومة ويحك، وهذا موضع هذا القول، اللهم اردد على قريش أخطارها، ثم أقبل علينا فقال: لله در الحكم بن قنبر حيث يقول:
إذا القرشي لم يشبه قريشـاً
|
|
بفعلهم الذي بذ الـفـعـالا
|
فجرميٌّ له خلقٌ جـمـيل
|
|
لدى الأقوام أحسن منه حالا
|
أخبرني محمد بن الحسين الكندي قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال: حدثنا مسعود بن بشر قال: شكا العباس بن محمد إلى الرشيد أن ربيعة الرقي هجاه فقال له: قد سمعت ما كان مدحك به، وعرفت ثوابك إياه، وما قال في ذمك بعد ذلك، فما وجدته ظلمك به، ولله در ابن قنبر حيث قال:
ومن دعا الناس إلى ذمه
|
|
ذموه بالحق وبالباطـل
|
وبعد، فقد اشتريت عرضك منه، وأمرته بأن لا يعود لذمك تعريضاً ولا تصريحاً.
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال: حدثنا محمد بن سلام قال: مرض ابن قنبر فأتوه بخصيب الطبيب يعالجه، فقال له:
ولقد قلت لأهـلـي
|
|
إذ أتوني بخصـيب
|
ليس والله خصـيبٌ
|
|
للذي بي بطـبـيب
|
إنمـا يعـرف دائي
|
|
من به مثل الذي بي
|
قال: وكان خصيب عالماً بمرضه، فنظر إلى مائه فقال: زعم جالينوس أن صاحب هذه العلة إذا صار ماؤه هكذا لم يعش، فقيل له: إن جالينوس ربما أخطأ، فقال: ما كنت إلى خطئه أحوج مني إليه في هذا الوقت. قال: ومات من علته.
خليلي من سعد ألما فسلـمـا
|
|
على مريمٍ لا يبعد الله مريما
|
وقولا لها هذا الفراق عزمته
|
|
فهل من نوال قبل ذاك فنعلما
|
الشعر للأسود بن عمارة النوفلي، والغناء لدهمان ثاني ثقيل بالوسطى.
المراجع
al-hakawati.net
التصانيف
فنون ثقافة وحضارات