{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }آل عمران102.
    ذُكرت التقوى في 258 آية في القرآن مما يدلل على أهميتها وأنها منبع الإيمان ودليله.
المعاني المفردة[1]
اتَّقُوا: التقوى مأخوذة من مادة (وقي) من أصل كلمة الوقاية ووقي تعني أنه جعل بينه وبين الشيء الأخر حاجزاً يحميه ويقيه.
وعرَّف علي بن ابي طالب التقو فقال: هي العمل بالتنزيل، والخوف من الجليل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.
وقيل: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سأل أبيّ بن كعب عن التقوى، فقال له: أما سلكت طريقًا ذا شوك؟ قال: بلى قال: فما عملت؟ قال: شمرت واجتهدت، قال: فذلك التقوى.
وقد أخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال:
خـل الذنوب صغيرها          وكبيـرهـا ذاك التقـى
واصنع كماش فوق أر          ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقـرن صغيـرة          إن الجبال مـن الحصـى
وأنشد أبو الدرداء يومًا:
يريد المرء أن يؤتى مناه          ويأبـى  الله  إلا مـا أرادا
يقول المرء فائدتي ومالي          وتقوى الله أفضل ما استفادا
حَقَّ تُقَاتِهِ: باستفراغ الوسع في امتثال أمره، واجتناب نهيه.
المناسبة في السياق
انتقل تعالى من تحذير المخاطبين من الانخداع لوساوس بعض أهل الكتاب – في النداء السابق -، إلى تحريضهم على تمام التقوى، لأن في ذلك زيادة صلاح لهم ورسوخاً لإيمانهم، وهو خطاب لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويسري إلى جميع من يكون بعدهم.
في ظلال النداء
"إنهما ركيزتان تقوم عليهما الجماعة المسلمة، وتؤدي بهما دورها الشاق العظيم. فإذا انهارت واحدة منهما لم تكن هناك جماعة مسلمة، ولم يكن هنالك دور لها تؤديه:
ركيزة الإيمان والتقوى أولاً .. التقوى التي تبلغ أن توفي بحق الله الجليل .. التقوى الدائمة اليقظة التي لا تغفل ولا تفتر لحظة من لحظات العمر حتى يبلغ الكتاب أجله:
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته } ..
اتقوا الله - كما يحق له أن يتقى - وهي هكذا بدون تحديد تدَعُ القلب مجتهداً في بلوغها كما يتصورها وكما يطيقها. وكلما أوغل القلب في هذا الطريق تكشفت له آفاق، وجدّت له أشواق. وكلما اقترب بتقواه من الله، تيقظ شوقه إلى مقام أرفع مما بلغ، وإلى مرتبة وراء ما ارتقى. وتطلع إلى المقام الذي يستيقظ فيه قلبه فلا ينام!
﴿ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾..
والموت غيب لا يدري إنسان متى يدركه. فمن أراد ألا يموت إلا مسلماً فسبيله أن يكون منذ اللحظة مسلماً، وأن يكون في كل لحظة مسلماً. وذِكرُ الإسلام بعد التقوى يشي بمعناه الواسع: الاستسلام. الاستسلام لله، طاعة له، واتباعاً لمنهجه، واحتكاماً إلى كتابه. وهو المعنى الذي تقرره السورة كلها في كل موضع منها.
هذه هي الركيزة الأولى التي تقوم عليها الجماعة المسلمة لتحقق وجودها وتؤدي دورها. إذ أنه بدون هذه الركيزة يكون كل تجمع تجمعاً جاهلياً. ولا يكون هناك منهج لله تتجمع عليه أمة، إنما تكون هناك مناهج جاهلية. ولا تكون هناك قيادة راشدة في الأرض للبشرية، إنما تكون القيادة للجاهلية .
فأما الركيزة الثانية فهي ركيزة الأخوة .. الأخوة في الله، على منهج الله، لتحقيق منهج الله :
﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم، إذ كنتم أعداء، فألف بين قلوبكم ، فأصبحتم بنعمته إخواناً. وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها. كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون﴾..
هداية وتدبر[2]
1- فضل هذه الآي إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حاجة تلا آية آل عمران: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون﴾. وتلا هذه الآية، ثم آية الأحزاب ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾، ثم يقول: أما بعد ويذكر حاجته.
2- أهمية الأمر بتقوى الله تعالى إذا كررت في آية واحدة مرتين في أولها وفي آخرها.
3- هذه الآية أصل عظيم من أصول الأخلاق الإسلامية، وحاصل امتثال الأمر، واجتناب المنهي عنه، في الأعمال الظاهرة، والنوايا الباطلة. وحق التقوى هو أن لا يكون فيها تقصير، وتظاهر بما ليس من عمله، وذلك هو معنى قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾(4)[3] لأن الاستطاعة هي القدرة، والتقوى مقدور للناس. وبذلك إن لم يكن تعارض بين الآيتين، ولا نسخ.
4- إن سوء أخلاقنا هو الذي جلب علينا الويلات والمآسي والظلم على المستوى الشخصي ومستوى المجتمع كله يرجع بالدرجة الأساس إلى فقدان تقوى الله سبحانه، وعدم الخوف منه ومن بطشه ومكره الذي يتجاهله الأغبياء الذين لا يقيمون وزناً لتقوى الله ولا للخوف منه رغم أن الشواهد على غضب الله على الناس لفقدانهم التقوى وعدم مصداقيتهم فيها هي شاخصة للعيان من مآسي الحروب والكوارث الطبيعية المزلزلة والمدمرة. قال تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً﴾[4] وذلك لفقدانهم لتقوى الله والخوف منه وانغماسهم في الفساد بكافة أشكاله.
5- إن تقوى الله سبحانه هي الطريق للنهوض بالأمة الإسلامية في كافة مجالات الحياة وكذلك هي الطريق لتخليص المجتمع الإسلامي من كافة آفاته وسلبياته الاجتماعية والنفسية والأخلاقية والتربوية وحتى الاقتصادية والسياسية.
6- "التقوى حساسية القلب وشعوره بالخوف من الله وتحرجه من غضبه وتطلبه لرضاه. إنه بغير هذا الرباط (التقوى) لا تقوم شريعة ولا يفلح قانون ولا يتحرج متحرج ولا تكفي التنظيمات الخاوية من الروح والحساسية والخوف والطمع في قوة أكبر من قوة الإنسان.
7- عن ابن عباس قوله: "اتقوا الله حق تقاته"، قال: "حق تقاته"، أن يجاهدوا في الله حق جهاده، ولا يأخذهم في الله لومةُ لائم، ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم.
8- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ".[5]
9- من عاش على شيء مات عليه، فمن كان في حال صحته ونشاطه وإمكانه مداوما لتقوى ربه وطاعته، منيبا إليه على الدوام، ثبته الله عند موته ورزقه حسن الخاتمة.
                 
[1]. أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير. التحرير والتنوير من التفسير.
[2] . أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير. التحرير والتنوير من التفسير. في ظلال القرآن. الطبري.
[3]. [التغابن: 16]
[4] . الإسراء16.
[5] . صحيح مسلم 4882.
 

المراجع

odabasham.net

التصانيف

قصص  أدب  مجتمع