قرأت أمس في السلسلة الصحيحة للألباني رحمه الله تعالى حديثاً للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، حلـّق بقلبي العليل في سماء العفو والغفران، وطار بي على جناح الحب والرضوان، ثم حط بي على بساط الأمل ، وأنزلني على أرض الأمن والسلام .
يروي الإمام أحمد في مسنده ( 1/6) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ( 3/473) عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أعطيت سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ، وجوههم كالقمر ليلة البدر ، ، وقلوبهم على قلب رجل واحد . فاستزدت ربي عز وجل، فزادني مع كل واحد سبعين ألفاً " .
قرأت الحديث بعينَيْ قلبي وروحي، وتأملته بنظر الفكر والفهم ، فتبدت لي أمور أراحت فؤادي وسرّت خاطري . وهل أجملُ من حديث الحبيب، وأطيبُ من وحي الله المنزّل على قلب رسوله الكريم ؟ ، فالحديث وحيٌّ من الله تعالى لنبيه الكريم، إنه لا ينطق عن الهوى، سدده الله تعالى في القرآن الذي نزل عليه والحديث النبوي الذي طُبع في قلبه ونطق به لسانه . فقال " أوتيت القرآن ومثله معه . " فما ينطق إلا صواباً ،ولا يقول إلا الحق صلى الله عليه وسلم .
- فقد يكون العطاء عن سؤال سأله النبي الكريم ربه سبحانه وتعالى سؤال النبيهِ الفطن الرحيم بأمته، فمنحه إياه . وقد يكون المولى سبحانه ألهم نبيه أن يسأل هذا العطاء رحمة بعباده، فأجراه على لسانه صلى الله عليه وسلم ليجعله قدوة لنا ، فنسيرَ على هديه ونقتديَ به في حبه للمسلمين والاهتمام بهم، ورجاء الخير لهم في الدارين . وقد يكون سبحانه أعطى النبي صلى الله عليه وسلم هذ العطاء دون سؤال، فالكريم الحقُّ يعطي دون سؤال لأن الكرمَ خاصية من خصائصه .
- ومن كرم الله سبحانه وتعالى أن أصلَ الخير منه ، والفضلُ منه يبدأ، وتفكروا في قوله تعالى " ثم تاب عليهم ليتوبوا " فقد بدأت التوبة من رحابه ، فحث الناسَ أن يتوبوا كي يتوب عليهم ألا ترى معي أنه – سبحانه - أرحم بعباده منهم بأنفسهم ؟! إنه الإله الرحيمُ الودود التي يتقرب إلى عباده ويفرح بتوبتهم . ونسمعه – سبحانه- في سورة الصف يقول " فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم " فلم يضلهم ابتداءً كما فعل بالتوبة حين بدأهم بها لأنه لا يريدهم أن يزيغوا، فلما زاغوا ابتداءً عاقبهم بسوء فعالهم .
- أعطاه سبحانه عطاء المحب، فكانت الهدية مجزية . إنهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب . وما أسعدهم حين يُحملون على أجنحة الرحمة تحفهم الملائكة يتخطون الناس إلى عالم الهناء والسعادة، والناس ما يزالون في البداية خائفين وجلين لا يدرون ما يُفعل بهم .
- كما أنهم حين يدخلون الجنة يدخلونها على هيئة يستحقونها، وهل يدخل أحدنا على الملك إلا بأحسن حالة وأكمل زينة وأجمل صورة ؟ هذا في الدنيا، فكيف بدخول هؤلاء على ملك الملوك ورب البرية سبحانه ؟ إن وجوههم لحِسان كالبدر التمام في الليلة الظلماء، يشع كمالاً ويستفيض بهاءً، ليس في قلوبهم غل ولا حسد ولا حقد ولا دخينة، فجنة الله تعالى لا تقبل سوى الطيبين ذوي الأفئدة الخالية من الغش، المليئة بالحب والإيثار، الموسومة بالطهارة والشفافية، هكذا قلوب القوم، وهذاما يتحلون به، وهذا ما عاشوا عليه في دنياهم فاستحقوا تكريم المولى وإعزازه إياهم .
- والنبي الحبيب الذي وصفه مولاه بأحسن الصفات فقال فيه " لقد جاءم رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " يرتاح لهذه العطية ويسعد بهذه الهدية، فيستزيد ربه – وهو عليه الصلاة والسلام ما يزالُ في سياق الطلب والقبول – فتكبرُ الهدية وتعظم بعِظم مقدّمها المليك العظيم سبحانه وعِظم المقدّم إليه حبيبه محمد . وكلما كان الهادي كبيراً كانت الهدية كبيرة ، وكلما كان المهدِيّ مكرَّماً كان العطاءُ وكانت الزيادة مناسبة. إن أحدنا قد يزيد على العشرة خمسة ، وعلى العشرة عشرة مثلها، وعلى المئة خمسين أو مئتين أو ثلاثة أضعافها . أما أن تكون الزيادة بهذا الحجم الذي غمر نفس النبي صلى الله عليه وسلم ونفس اصحابه معه حبوراً وهناء فما تصدر إلا عن سيد الكون المحب لعباده المتقرّب إليهم – سبحانه من إله رحيم – فإذا مع الواحد من إولئك السعداء سبعون ألفاً مثله . ولا تسل عن العدد الذي يصل إليه العتقاء في ذلك الموقف الرائع الذي يتمناه كل مسلم مؤمن. إنه موقف واحد من مواقف الكرم الإلهي الذي لا ينقطع، فهل نتشوّف أن نكون من هؤلاء؟
- إن الصحابي الجليل عكّاشة بنَ مِحصَن من السبعين ألفاً الأوائل، فقد بشره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. وهو أهلٌ لهذه البشارة ، فهو مجاهد حضر أكثر الغزوات وقتل شهيداً في غزوة اليمامة. فمن سار على دربه وحاكى فعله وفعل الأبرار كان معهم. ومن لم يكن مثلهم إلا أنه أحبهم ورجا أن يكون رفيقهم وعمل ما استطاع ليلحق بهم فهو منهم، إنّ من أحب قوماً حُشر معهم، فكان في زمرتهم .
- إني لأودّ أن أكون من هؤلاء الكرام، الذين يدخلون الجنة بغير حساب، لا لعملي الحسن الذي يضاهيهم، فأين أنا منهم ؟! وهل لقبصة التراب أن تعاليَ عمالقة الجبال ؟ ولنجمة الأرض أن تطاول النخيل الذاهب في السماء ؟ وأنّى لعثمان الضعيف المليء ِبالذنوب والأخطاء أن يسابق عكاشة بله َ أبا بكر وعمر وعثمان ذي النورين وعلياً ؟ ولكنني أحبهم وأرجو أن أكون معهم وفي زمرتهم يوم تبيَض وجوه وتسودّ وجوه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " هم القوم لا يشقى بهم جليسُهم " .
- أقول في قادتي وأحبابي وسادتي " الخلفاء الراشدين " رضي الله عنهم وأرضاهم " رضي الله عنهم ورَضُوا عنه " الذين أقف في أعتابهم راجياً صحبتهم في زمرة سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه في كتابي " قصص رواها الصحابة رضي الله عنهم " :
إلى الصدّيق والفاروق أُهدي **** كتاباً صغتـُه دُرّاً بعـِقـدي
وذي النورين فاسمي من نَداهُ **** ورابع هؤلاء الصيد جدي (1)
إلـيهـم أنـتـمـي قــولاً وفـِعـلاً **** فـإن ألحَق بهم فالوُدّ وُدّي
ولسـتُ بمـُدرك مـنهـُم يسـيراً **** ولكنْ حبُّهم في الله سعدي
في أصحاب خير الخلق عذراً **** فأنتم قدوتي، واللهُ قصدي
عسـاني أبلغ الفـِردوسَ فيـكـم **** إلى الرحمن في جنات خُلدٍ
(1) يذكر المرحوم محمد راغب لطباخ في كتابه: أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء أن جدنا عمر مكانسي ينتمي إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما، فأرجو أن يجمع الله تعالى لنا العمل الطيب والنسب الشريف اللهم آمين.
المراجع
islamsyria.com
التصانيف
قصص أدب مجتمع