في حب الله (12)

عبد المعز الحصري

hosry2007@hotmail.com

 

الولاء و البراء

ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك

وصلاة وسلاما على سيدنا محمد – وآله وصحبه وسلم – الذي علمنا الولاءوالبراء

 اللهم اجعلنا هادين مهتدين لاضآلين ولامضلين سلما لأؤلئك حربا على أعدائك نوالي من والاك ونعادي من عاداك " سمعت هذا الدعاء من سيدي الوالد الشيخ أحمد الحصري رحمه الله آمين "

قال الله تعالى :

) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (22)  المجادلة

- جاء في تفسير الرازي "مفاتح الغيب ، التفسير الكبير " ج15 ص278،

قال ابن عباس:  ( نزلت هذه الآية في أبي عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد ، وعمر بن الخطاب قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر ، وأبي بكر دعا ابنه إلى البراز فقال النبي صلى الله عليه وسلم " متعنا بنفسك " ، ومصعب بن عمير قتل أخاه عبيدة بن عمير ، وعلي بن أبي طالب وعبيدة قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يوم بدر ، أخبر أن هؤلاء لم يوادوا أقاربهم وعشائرهم غضبا لله ودينه .

قال الرازي – رحمه الله – في تفسير الآية (( المعنى أنه لا يجتمع الإيمان مع وداد أعداء الله، وذلك لأن من أحب أحدا امتنع أن يحب مع ذلك عدوه وهذا على وجهين 

  أحدهما : أنهما لا يجتمعان في القلب، فإذا حصل في القلب وداد أعداء الله لم يحصل فيه الإيمان فيكون صاحبه منافقاً

ثانيا : أنهما يجتمعان ولكنه معصية وكبيرة وعلى هذا الوجه لا يكون صاحب هذا الوداد كافراً بسبب هذا الوداد بل كان عاصيا في الله ... ثم إنه تعالى بالغ في  المنع من هذه المودة من وجوه

أولاهما ما ذكر أن هذه المودة مع الإيمان لا يجتمعان

ثانيهما قوله ( ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) والمراد أن الميل إلى هؤلاء أعظم أنواع الميل ومع هذا فيجب أن يكون هذا الميل مغلوبا مطروحا بسبب الدين.

 -  جاء في كتاب الجامع لأحكام القرآن للقرطبي رحمه الله ( ....وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول " اللهم لا تجعل لفاجر عندي نعمة فاني وجدت فيما أوحي إليّ" لا تجد قوماً ...."  )  ج20 ص330  

 -يقول أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري ت 538ه : ..إن من الممتنع المحال أن تجد قوما مؤمنين يوالون المشركين ، والغرض

 به أنه لا ينبغي أن يكون ذلك ، وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال ، مبالغة في النهي عنه والزجر عن ملابسته ،والتوصية بالتصلب في مجانبة أعداء الله ومباعدتهم والاحتراس من مخالطتهم ومعاشرتهم ، وزاد ذلك تأكيدا وتشديدا بقوله " ولو كانوا آباءهم " وبقوله " أولئك كتب في قلوبهم الإيمان " وبمقابلة قوله " أولئك حزب الشيطان " بقوله " أولئك حزب الله " ، فلا تجد شيئا أدخل في الإخلاص من موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه ، بل هو الإخلاص بعينه ،  المرجع الكشاف ج4ص496

-     جاء في تفسير القرآن العظيم : أبو الفداء إسماعيل بن كثير  ت774ه ( ... وفي قوله " رضي الله عنهم ورضوا عنه "  سر بديع ، وهو أنهم لمّا سخطوا على القرائب والعشائر في الله تعالى عوضهم الله بالرضا عنهم وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم والفوز العظيم ) ج4ص308

-     جاء في روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني /أبو الفضل محمود شكري الألوسي ت127ه  " ج15 ص50-51 .. "  من حاد الله ورسوله " ظاهر في الكفر ، وبعض الآثار ظاهر في شموله للفاسق ،والأخبار مصرحة بالنهي عن موالاة الفاسقين كالمشركين ، بل قال سفيان : يرون الآية المذكورة نزلت فيمن يخالط السلطان ...وحكى الكوشي عن سهل أنه قال : من صحح إيمانه وأخلص توحيده فانه لا يأنس إلى مبتدع ولا يجالسه ولا يؤاكله ولا يشاربه  ولا يصاحبه ، ويظهر له من نفسه العداوة والبغضاء ، ومن داهن  مبتدعا سلبه الله تعالى حلاوة السنن ، ومن تحبب إلى مبتدع يطلب عزّ الدنيا أو عرضا منها أذله الله تعالى بذلك العز وأفقره بذلك الغنى ، ومن ضحك إلى مبتدع نزع الله تعالى نور الإيمان من قلبه ومن لم يصدق فليجرب ، ...

(ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو أخوانهم أو عشيرتهم ) ..ليس المراد بمن ذكر خصوصهم وإنما المراد الأقارب مطلقا ، وقدم الآباء لأنه يحبب على الأبناء طاعتهم ومصاحبتهم في الدنيا بالمعروف ، وثنى بالأبناء لأنهم أعلق بهم لكونهم أكبادهم وثلث بالإخوان لأنهم الناصرون لهم  ..

أخاك أخاك إن من لا أخا له      كساع إلى الهيجا بغير سلاح

وختم بالعشيرة لأن الاعتماد عليهم والتناصر بهم بعد الأخوان غالبا ...

-     ورد في " محاسن التأويل /جمال الدين القاسمي ت 1928 م

يفهم من قوله تعالى " حادّ الله ورسوله " وقوله في الآية الأخرى " لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " أن المراد بهم المحاربون لله ورسوله ، الصادون عن سبيله ، المجاهرون بالعداوة و  البغضاء ، وهم الذين أخبر عنهم قبل بأنهم يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ، فتشمل الآية المشركين وأهل الكتاب المحاربين المحادّين لنا ، أي الذين على حدّ منا ومجانبة لشؤوننا تحقيقا لمخالفتنا وترصدا للايقاع بنا ، .....

-     جاء في ظلال القرآن / سيد قطب ت 1966م  ، ج6  ص3515

(  ...فروابط الدم والقرابة هذه تتقطع عند حدّ الإيمان ، إنها يمكن أن تراعى إذا لم تكن هناك محادة وخصومة بين اللوآئين : لواء الله ولواء الشيطان  ، والصحبة بالمعروف  للوالدين المشركين مأمور بها حين لا تكون هناك حرب بين حزب الله وحزب الشيطان ، فأما إن كانت المحادّة والمشاقّة والحرب والخصومة فقد تقطعت تلك الأواصر التي لا ترتبط بالعروة الواحدة وبالحبل الواحد ...) ،          ( ..وهكذا تنقسم البشرية إلى حزبين اثنين : حزب الله وحزب الشيطان ، والى رايتين اثنتين  : راية الحق وراية الباطل ، فإما أن يكون الفرد من حزب الله فهو واقف تحت راية الحق ، وإما أن يكون من حزب الشيطان فهو واقف تحت راية الباطل ، وهما صفان لا يختلطان ولا يتميعان ، لا نسب ولا صهر ، ولا أهل ولا قرابة ، ولا وطن ولا جنس ، ولا عصبية ولا قومية ، إنما هي العقيدة والعقيدة وحدها ... )

الولاء والبراء

 تعريف الولاء في الاصطلاح الشرعي  (1)  : هو النصرة والمحبة والاكرام والاحترام والكون مع المحبين ظاهرا وباطنا 

  قلت :  قال الله تعالى " ياايها الدين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين "   التوبة 119   . وكلمة الصادقين تشمل جميع صفات أهل الولاء لله ولرسوله   _ -  صلى الله عليه وسلم  -  وللمؤمنين  وهم متواجدون في كل   زمان  ومكان ولاعذر لمن لايلحق بهم ويتعلم منهم فهم ورثة الانبياء

  البراء  في التعريف الاصطلاحي  (2) : هو الابتعاد عن أعداء الله ورسوله والمؤمنين والخلاص منهم وعداواتهم في الظاهر والباطن ومقت أعمالهم وبغض أفعالهم بعد الأنذار والأعذار    

 قال الله تعالى : ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)﴾ (سورة الزخرف

عقيدة الولاء و البراء

  إنها كلمة التوحيد " لااله الاالله " لابد من اعلانها صراحة  منذ اللحظة الأولى من دخول غير المسلم في الإسلام فهي رأسمال العبد حتى يكون له نصيب من رحمة الله في الآخرة وهي أول كلمة من عقيدة الولاء والبراء وفيها البراء مقدم على الولاء  –  وبها  يستظل العبد في ظل التوحيد – ليميز الله الخبيث من الطيب فتتوحد صفوف المسلمين صفا واحدا وراء امام أوقائد واحد  كأنها – الامة -  البنيان المرصوص فالتوحيد هو الذي جعل المؤمنون اخوة " إنما المؤمنون إخوة " وإذا غاب التوحيد فلا عبرة للدم أو القرابة " انه ليس من أهلك انه عمل غير صالح "       

قال شيخ الإسلام ابن تيميه : ( إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله   يقتضي أن لا يحب إلا لله ولا يبغض إلا لله ولا يوالى إلا لله ولا يعادي إلا لله وأن يحب ما أحبه الله ويبغض ما أبغضه الله )  مجموع الفتاوى ج8 ص337  

نحن معاشر المسلمين بعد أن ندخل في الصلاة ونعلن توجهنا بقلوب وجوارح خاشعة لله ونثني على الله بما أمر من محامد ونطلب منه الهداية والاستعانة ،  ندعوا الله أن يجعلنا من أهل الصراط المستقيم      

" أولئك  الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً "  

و نحن نعلم أولادنا - أول ما نعلمهم من القرآن - " سورة الفاتحة " وياليتنا علمناهم معناها وهم صغار فتمسكوا بها كبارا حتى لايقتفوا أثر أعدائنا لاهثين وراء كل صرعة أو موضة .... ، متجاهلين أو غافلين أو لم يسمعوا ما معنى الولاء و البراء يتلقفون ما تقذف لهم الفضائيات من سم زعاف يخاله الجاهل  عسلا مصفى أو ماءا زلالا لعطاش الفكر  والمسلمون في سهو عنه

 انها امنية كل موحد لله نرددها – الفاتحة -  مرارا وتكرارا في كل يوم وفي كل وقت حتى يرث الله الأرض ومن عليها 

" اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7) "  الفاتحة

 نعلنها بقلوب مؤمنة خاشعة في كل صلاةٍ أن الولاء لله وحده  و البراء  من المشركين حتى و لو كانوا أولي قربى .

وقال تعالى: (  لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ) (آل عمران:28)  و هذه العقيدة صبغة من الله لعباده المؤمنين . " صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)  سورة البقرة

وما ذلك إلا لحبنا في الله – وهذا مقتضى الولاء لله - و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان  ،   وبغضنا لأعداء الله – وهو مقتضى البراء -  ..  وقد أمرنا سبحانه وتعالى بأن نتأس بالخليل عليه الصلاة والسلام حيث قال :  ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)﴾ (سورة الممتحنة).

ملاحظة : وليحذر المؤمن في بلاد الكفر من إعطاء الولاء لأعداء الله مخلصاً بها قلبه فإن ذلك قد يخسف بقلبه و تكون عليه وبالا لا تحمدُ عقباه .

و ليلتزم جماعة المسلمين المتواجدة هناك و لتكن حياته هناك  بمثابة دعوة إلى الله ، فإن وجد خللاً في الولاء والبراء في قلبه  فليعد إلى بلاد الإسلام ذلك خير له ُ .

و هذا الكلام ينطبق على المسلم حتى في بلده و بين أهله أي لابد من التزام جماعة المسلمين فان الذئب يأكل من الغنم القاصية " وانه لذكرلك ولقومك و سوف تسألون " 44 الزخرف  . ولن يضرنا مكر أعدائنا طالما فقهنا معنى  الولاء والبراء وفهمناه للأجيال  " انها سورة الفاتحة "  كما أن صلاة المؤمن مبنية على فهم ركعة واحدة وترى كثيرا من المؤمنين مقصرين في تعلمهم لصلاتهم والتي هي عماد الدين وأول ما يحاسب عليه المؤمن الصلاة .

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين  

                

 

(1)  المرجع كتاب مبادىء تربوية مأمون صالح النعمان ، منقول عن (  كتاب الولاء والبراء في الاسلام   محمد سعيد قحطاني )

(2)  المرجع   كتاب مبادىء تربوية مأمون صالح النعمان

تنبيه : أسأل الله تعالى أن يشكر الاخ الدكتور أحمد حسين صياح على ما تفضل بجهده واطلاعي على مكتبته العامرة بالكتب القيمة ومد يده الخيّرة في مساعدتي في انجاز هذه المقالة.


المراجع

odabasham.net

التصانيف

قصص  أدب  مجتمع