هناك سؤالان مهمان على المسلم أن يسألهما لنفسه وهو يستعد لاستقبال شهر رمضان , شهر البر والإيمان , شهر الخير والإحسان , شهر الصفح والغفران.
فالسؤال الأول هو : كيف أستعد استعدادا حقيقيا لاستقبال شهر رمضان ؟ .
لكي يستعد المسلم لاستقبال شهر رمضان فإن عليه أن يعلم أن شهر رمضان يحتاج منه إلى استقبال خاص , فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوا ببلوغه رمضان. فإذا دخل شهر رجب قال: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان".
وقال معلى بن الفضل : كانوا (السلف) يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يُبلغهم رمضان, ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم.
 وقال يحيى بن أبي كثير : كان من دعائهم : اللهم سَلِمني إلى رمضان, وسلم لي رمضان, وتَسَلمه مني متقبلاً.
وهذا الاستقبال الخاص يتضمن من المسلم عدة أمور منها :
1- التوبة والإنابة من  جميع الذنوب:
فالتوبة تتجدد في رمضان حتى يتعرض المؤمن لنفحات الله ورحماته , قال تعالى : " فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) سورة هود , وقال : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) سورة التحريم .
عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النهارِ، وًيبْسُطُ يَدَهُ بِالنهارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا" .أخرجه أحمد 4/395 ومسلم 8/99 .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ , فَإِنِّى أَتُوبُ إِلَيْهِ في الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ.أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (447).
قال الشاعر :
فَتُب لله حقاً ثُمَّ أقبِل  * * * بُعيد التّوب والدّمع المسالِ
ستلقى الله توّاباً رحيماً * * * مجيباً للدعاءِ وللسؤالِ
فيا ربّي أنَبْتُ إليك طَوعاً * * *  تقبّل تَوبتي وألطف بحالي
2- التحلل من  جميع المظالم :
على المسلم وهو يستقبل شهر رمضان أن يستقبله ويستعد له بالتحلل من جميع الظالم سواء كانت في حق الله أم في حق العباد , فالمظالم التي في حق الله تحتاج إلى أن يرد تلك المظالم إلى أصحابها وأن يطلب منهم المسامحة والصفح ,  فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:مَنْ كَانََتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ مِنْ أَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ الْيَوْمَ ، قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ حِينَ لاَ يَكُونُ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَجُعَلَتْ عَلَيْهِ.
- وفي رواية : رَحِمَ اللهُ عَبْدًا كَانَتْ لأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ فِي عِرْضٍ أَوْ مَالٍ ، فَجَاءَهُ فَاسْتَحَلَّهُ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ وَلَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ حَمَّلُوا عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ. أخرجه أحمد 2/435(9613) .
قال الشاعر :
إلهي لا تعذبني فإني  * * * مقر بالذي قد كان منى
فكم من زلة لي في البرايا * * * وأنت علي ذو فضل ومنِّ
يظن الناس بي خيراً وإني * * * لشر الناس إن لم تعفو عني
3- تصفية القلب من علائق الدنيا:
وفي استقبال رمضان يصفي المسلم قلبه من علائق الدنيا ويقبل على عبادة الله تعالى بحب وإخبات حتى يشرح الله صدره للإسلام والإيمان , قال تعالى : : أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (22) سورة الزمر .
ومن تصفية القلب الصدق مع النفس ومع النفس ومع الناس وحب الخير للجميع , والبعد عن أمراض القلوب من غل وحقد وحسد وكبر وغيبة ونميمة وغش وغيرها , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما ، قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: كُلّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ . قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ ، نَعْرِفُهُ. فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ. لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْيَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ  رواه ابن ماجه (4307) .
قال الشاعر :
أنا إن بكيت فلن ألام على البكا  * * * فلطالما استغرقت في العصيان ِ
يا رب إن لم ترضى إلا ذا تُقى  * * * من للمسيء المذنب الحيرانِ
4- الحرص على مجاهدة النفس في العبادة:
وكذا في استقبال رمضان يستعد المسلم لمجاهدة نفسه من الشيطان والهوى والشهوات والشبهات , ويقبل بجد واجتهاد وإخلاص وإتقان على الصوم والصلاة وقيام الليل والصدقة ,وليعلم أن عزه وشرفه في تلك المجاهدة, فعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أتاني جبريل ، فقال : يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت ، فإنك مفارقه و اعمل ما شئت فإنك مجزي به ، و اعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل و عزه استغناؤه عن الناس " .أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 61 / 2 ) الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2 / 505.
قال الشاعر :
رمضانُ أقبل قم بنا يا صاح *** هذا أوان تبتل وصـــلاح
واغنم ثواب صيامه وقيامه *** تسعد بخير دائم وفلاح
والسؤال الثاني هو : ما هو برنامجي الإيماني في شهر رمضان ؟ .
 رمضان فرصة من أعظم الفرص للإقبال على العبادة والتعرض لنفحات الرحمات والخيرات من الله تعالى ,فعَن أَنَسٍ ، قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : اطلُبُوا الخَيرَ وتَعَرَّضُوا لِنَفَحاتِ الله ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحاتٌ مِن رَحمَتِهِ يُصِيبُ بِها مَن يَشاءُ ، واسأَلُوا الله أَن يَستُرَ عَوَراتِكُم وأَن يُؤَمِّنَ رَوعاتِكُم. رواه الطبراني في " الكبير " (720 )الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4 / 511 .
ولن ينال المؤمن تقوى الله إلا بالإقبال على تلك العبادات , فهو شهر يتربى فيه على التقوى , قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) سورة البقرة .
قال المناوي: "أجزي به صاحبه جزاء كثيراً، وأتولى الجزاء عليه بنفسي فلا أكله إلى ملك مقرب ولا غيره لأنه سرّ بيني وبين عبدي، لأنه لما كف نفسه عن شهواتها جوزي بتولي الله سبحانه إحسانه". "فيض القدير" (4/250).
قال الشاعر :
شهر يفوق على الشهور بليلة *** من ألف شهر فضلت تفضـيلاً
طوبى لعبد صح فيه   صيامه ***  ودعا المهيمن بكرة وأصيــلا
وبليلة قــد  قام يختم ورده ***  متبتـــلاً لإلهــه تبتــيلا
وعلى المسلم الحقيقي أن يكون من أهل التميز في رمضان فيضع لنفسه برنامجا من بداية الشهر يتميز فيه على غيره وهذا البرنامج يتضمن :
1- الإقبال على كتاب الله تعالى تلاوة وتدبراً وحفظاً , فلا يدع الشهر يمر دون أن يختم القرآن الكريم على الأقل ختمتين .
2- المحافظة على جميع الصلوات في جماعة وصلاة التراويح في المسجد ويفضل المسجد الذي يختم القرآن .
3-حضور مجالس العلم في المساجد وغيرها والحرص على الاستفادة منها وسؤال العلماء .
4- قيام الثلث الأخير من الليل .
5- الإكثار من الذكر والدعاء وبخاصة عن الإفطار وفي الصلوات.
6- الإكثار من التصدق وإفطار الصائم وزكاة الفطر.
7- صلة الرحم والتواصل مع الناس الصالحين .
8- عمل ايجابي نافع كل يوم يستغل فيه كل دقيقة من أوقات الشهر , ولا يضيع وقته أمام الفضائيات وفي متابعة الأفلام والمسلسلات .
9- يجعل بيته بيتاً ربانياً يشعر فيه أهل بيته بقيمة الشهر فيجمعهم على القرآن فيختمونه معاً ويعمل لوحات بفضائل الشهر يعلقها داخل المنزل ويعقد الدروس العلمية لأهل بيته ويصطحبهم إلى المسجد للصلاة ودروس العلم.
10 – لو تيسر له عمل عمرة في رمضان فليسارع بها فإنها تعدل حجة .
قال الشاعر :
جاء الصيام فجاء الخير أجمعه  * * *   ترتيل ذكر وتحميد وتسبيح
فالنفس تدأب في قول وفي عمل  * * *  صوم النهار وبالليل التراويح
اللهم تقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال .
                 
 

المراجع

saaid.net

التصانيف

قصص  أدب  مجتمع   الآداب   قصة