الحمد لله ذي الفضل والإنعام، أوجب الصيام على أمة الإسلام، وجعله أحد أركان الدين العظام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى وصام، وخير من أطاع أمر ربه واستقام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام ، وسلم تسليماً كثيراً أما بعد.......
فلقد من الله علينا هذا العام أن نحيا شهر رمضان في قلب أحداث عظام، قد نستطيع أن نصفها بأنها بداية للتمكين بإذن الله، فقد غيّر الله الكون لنا ومن أجلنا، وصدق الله: " إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين" ولكن عاقبة هذا الإرث الذي ورثته الأمة -أعني شعب مصر على وجه الخصوص- يحتاج إلى إعمال عقل، وإخلاص قلب، وصفاء فكر حتى نقوم بما يريده الله منا بعد هذه الأحداث.
يأتي رمضان هذا العام وأنا أستشعر معه قول الله: "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر" ففي كل عام في رمضان يغير الله الكون لأجلنا، تغلق أبواب النيران، تفتح أبواب الجنان، تصفد مردة الجان، يضاعف ثواب الأعمال، وزاد الله في هذا العام زوال الطغيان، فيجب علينا أن نستغل الحدث، وأن نترك المعاذير والرخص، فلا عذر لنا إن فرطنا في رمضان.
أتذكر الأعوام الماضية وما كان فيها من أعذار قد يتخذها الإنسان سببًا للتكاسل عن الطاعة، والبعد عن بركات رمضان، فقد كانت المساجد تراقب مراقبة شديدة، تجعل من يرتادها في مقدمة المشبوهين، والمستعدين للاعتقال، حتى فرّ كثير من الناس بعيدًا عن المساجد، وعلى سبيل المثال سنة الاعتكاف، ومن اعتكف كان يدور في خلده السجن والسجان، ويشغله ألف شاغل وشاغل، حتى إنني أتذكر في يوم من أيام الاعتكاف في رمضان منذ عامين في سنة 2009م بعد زيارة لمندوب أمن الدولة لي وأنا معتكف في مسجدي، ثم اتصاله بي قبيل صلاة التهجد بدقائق في جوف الليل طالبًا مني أن أفضّ الاعتكاف فورًا ودون تأخير أنني صليت إمامًا دون أن أتوضأ من فرط خوفي على إخواني المعتكفين، حيث خرجت من معتكفي مسرعًا لأبلغ معظم المساجد في هذا الوقت بتوخي الحيطة والحذر في هذا الوقت بالذات، ورجعت لمعتكفي مسرعًا لأجد المصلين ينتظرونني لأؤمهم في الصلاة فظننت أني متوضئ كالعادة عند قدوم المصلين في كل يوم، فدخلت في الصلاة، ثم تذكرت فخرجت واستخلفت وكان ما كان..!!!
هذه طبيعة الماضي. أما الآن فقد لا نجد لأنفسنا عذرًا إن تخلفنا عن الاجتهاد في رمضان.
وكم من مشاريع خيرية، وأخرى تنموية، وأنشطة رياضية واجتماعية توقفت في رمضان    بسبب هذه المضايقات، كجمع الصدقات، وتوزيع المعونات، وعقد الندوات، وإعداد أماكن الصلوات حتى في أيام الأعياد.. كل ذلك ما لن يكون هذا العام بإذن الله.
ولكن يبقى أمامنا زخم النصر، وفرحة التغيير، وصوت السياسة العالي وضجيجها المتوالي، والخوف على مصلحة البلد.... إلخ
ولكنني أرى تأجيل بعض هذه الأعمال حتى نستفيد من رمضان، فقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- عند رؤية هلال رمضان: " اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والعافية المجلَّلة، ورفع الأسقام، والعون على الصيام والصلاة وتلاوة القرآن، اللهم سلِّمنا لرمضان، وسلِّمه لنا، وتسلمه منا حتى يخرج رمضان وقد غفرت لنا ورحمتنا وعفوت عنا" (1).
فاستشعر معي جيدًا قول الرسول –صلى الله عليه وسلم- اللهم سلمنا لرمضان وسلمه لنا، أي لا تدع شيئًا يشغلنا عن رمضان مهما كان. فلنطرح صوت السياسة جانبًا، أو على الأقل نقلل من الخوض فيها في هذه الأيام المعدودات، حتى لا نتساوى مع العلمانيين والليبراليين الذين يحسدوننا على ما آتانا الله من فضله، حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق، ولنجعل شهر رمضان غنيمة لنا بقربنا من الله، ووزرًا عليهم ببعدهم عنه، ليس بتخلينا عن المواجهة ولكن بالاستعداد لها، وشحذ الهمم، وملء القلوب بما تعيش عليه وتتقوى به طوال العام.
فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : "والذي يحلف به لقد أظلكم شهر ما أظل المسلمين شهر قط خير لهم منه، ولا أتى على المنافقين شهر قط أضر عليهم منه، إن الله عز وجل ليكتب نوافله وأجره قبل أن يدخله، إن المؤمن ليعدّ فيه القوة للعبادة، وإن المنافق ليعد فيه الغفلات، فهو غُنم للمؤمن، ووزر على المنافق أو كلمة نحوها" (2).
وعن عبادة بن الصامت مرفوعًا: "أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله" (3).
فهل يفقه ذلك كله أو بعضه الكسالى والمتقاعسون عن العمل بجميع أنواعه في رمضان –وبخاصة الطاعات المحضة – الذين يعتذرون عن المشاركة الجادة في خدمة الأمة، وحمل الخير لكل الناس؟!!!
فلنُعدّ أنفسنا، ولنرجع لمساجدنا التي فيها نربي ونعلم ونفقه الجميع، ونفهم أمور ديننا ودنيانا، ولنترك الأعذار حتى ندحر العلمانيين والمنافقين والمارقين، ولنسأل الله أن يهيئ لمصرنا من أمرها رشدًا، وأن يرد الجميع إلى حبله ليعتصموا به، وأن يجمع قوتنا، وأن يوحد أمتنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــ
عزاه في كنز العمال إلى ابن عساكر في رقم 24288 وفي رقم 24291 إلى الديلمي من حديث علي رضي الله عنه.
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 28876، وأحمد 28879، وابن خزيمة 1884، والبيهقي في فضائل الأوقات.
رواه الطبراني ورواته ثقات
                 
 

المراجع

odabasham.net

التصانيف

قصص  أدب  مجتمع   الآداب   قصة