الزراعة وتجارتها مقدمة تميزت الطبيعة في العالم العربي قبل الاسلام وبعده بتنوع المناخ والارض. فمن مناطق صحراوية لا تصلح للرعي ويندر فيها المطر الى مناطق أقل قسوة في طبيعتها حيث يكثر العشب من حين الى آخر، وأخرى تكثر فيها الواحات التي احتوت على ينابيع تسمح بقدر من الزراعة، وصولاً الى مناطق حظيت بتربة خصبة وامطار موسمية غزيرة. ويقول المؤرخ احمد سوسه في كتابه “حضارة العرب”: ان العرب استفادوا خلال الفترة الزمنية التي أعقبت الطور الجليدي الرابع من وجود المناخ الرطب ووفرة المياه واستغلوهما في تنمية وتكوين اقتصاد زراعي متطور. وهذا ما ساعد السكان آنذاك وخصوصاً في شبه الجزيرة العربية ان ينتقلوا من طور القنص والصيد الى طور الفلاحة والزراعة. ويشير المؤرخ البريطاني ارنولد توينبي في كتابه المنقول الى العربية ” تاريخ البشرية ” ان الزراعة وتربية الماشية والتعدين وتقنية قلع قطع كبيرة وثقيلة من الحجر انتشرت في جنوب غرب آسيا. ويضيف ان المنطقة التي إخترعت فيها الزراعة وتربية الماشية والتعدين لاول مرة، كانت تشمل “إضافة الى الجزيرة الفراتية وسورية، جزءاً على الأقل من جنوب آسيا الصغرى”. كما انه يشير الى ان الحبوب والحيوانات التي دجنت في هذه المنطقة خلال العصر الحجري من تاريخها، كانت موجودة من قبل في حالتها البرية. من جهته يقول ول ديورانت في كتابه “قصة الحضارة” ان الحضارة، وهي هنا زراعة الحبوب واستخدام الحيوانات المستأنسة، قد ظهرت في العهود القديمة غير المدونة في بلاد العرب، ثم انتشرت منها الى صورة مثلث ثقافي الى ما بين النهرين والى مصر. ويجزم توينبي انها انتشرت بواسطة تجار ومغامرين ورعاة الى الاقاليم والمناطق الاخرى. وفي عودة الى توينبي نراه يقول: “ان الانتقال من جمع المواد الغذائية والصيد الى الزراعة وتربية الماشية تم في واحات تغذيها الينابيع او في سهول فيضانية ذات تربة خصبة حملتها الانهار الى السهول الواقعة عند اطراف الجبال التي تنحدر منها تلك الانهار، والتي كانت تروى بطريقة طبيعية من امطار الشتاء اومن الامطار الموسمية، كما هو الحال في بلاد اليمن”. أما ابن خلدون فيتحدث في كتاب “العبر” عن الزراعة (في القرون السابقة لظهور الإسلام) و ارتباط الانتاج بسوق التبادل، انه جرى استغلال الموقع الجغرافي لشبه جزيرة العرب عموماً وبلاد الحجاز خصوصاً، الذي كان ملتقى للطرق البرية والبحرية وللمبادلات التجارية، لتنظيم الاسواق الموسمية العامة… وعقد الاتفاقات التجارية بين القبائل العربية المشتغلة بالزراعة والتجارة، وبينها وبين العالم الخارجي، ونشطت التجارة الداخلية والخارجية على حد سواء، وارتبطت اعداد وفئات كثيرة من سكان المدن والبادية بالعملية التجارية . كان الفلاح العربي في شبه الجزيرة العربية يستخدم المحراث الخشبي ذي السكة الحديدية في حراثة الارض وزراعتها، كما كان يستخدم الآت حديدية اخرى كالمسحاة (مجرفة حديدية) والفأس والمنجل والمعول والمجرف في الحصاد والحيلان (النورج) والمذرة (المذراة) في فصل التبن عن الحب. كما كان المزارعون في الحقول المروية يستخدمون الحيوان في جر المحراث . عقود التأجير والمعاملات المتعلقة بالزراعة عرف العرب في القديم انواعاً عديدة من عقود التأجير والمعاملات المتعلقة بالزراعية، منها المحاقلة وهي تأجير الاراضي الزراعية لقاء مبلغ من المال اوعيناً، كثلث الانتاج او ربعه؛ ومنها المزارعة وهي تعني ان يسلم المالك ارضه مع البذار مقابل نسبة من المحصول يدفعها المستأجر عند القطاف او الحصاد؛ ومنها المخابرة وهي ان يقدم المؤجر ارضه للمزارع الذي يقوم بتأمين البذار على نفقته ويدفع للمالك في نهاية الموسم ما سبق واتفق عليه من حصة؛ ومنها المخاضرة وهي ان يبيع المالك ثمار بستانه قبل ان تنضج. وكثيراً ما سببت المخاضرة خلافات ومنازعات بين الاطراف بسبب ما قد يصيب الثمر من آفات او تلف تطيح بالمحصول كله او بعضه . المحاصيل الزراعية كانت المحاصيل الزراعية كثيرة ومتنوعة، ومن ابرزها النخيل والاعناب والحبوب. وتعد شجرة النخيل أكثر الاشجار انتشاراً في جزيرة العرب. ويعتقد ان وجودها قد يعود الى الألف الثالث قبل الميلاد. وقيل ان التمور كانت من أهم صادرات جزيرة العرب، وكانت تنقل من ميناء عمانا (صحار اليوم) الى الاسواق العالمية. كما كانت تصدر الى ديلمون في شرقي شبه الجزيرة فالى بلاد الرافدين. وتذكر كتب تاريخية اغريقية ورومانية ان الزيتون كان احد محاصيل بلاد العرب، واشتهرت به بلاد الانباط وسورية. وتشير نقوش عربية الى وجود نبتة القطن في جزيرة العرب حيث كانت تنمو برية في مرتفعات ظفار وفي جزيرة البحرين، وكان القطن يشكل احد صادرات شبه الجزيرة الى الخارج . شكل القمح احد أهم صادرات العرب الى العالم القديم ، حتى اطلق على بعض اجزاء بلاد الشام لقب اهراءات روما . ظفار إشتهرت ظفار بانتاج اللـبـان، وهو من المحاصيل الطبيعية. وكان ينقل من الجبال الى الساحل على ظهور الجمال ويصدر مع اللبان المنتج في حضرموت وسبأ الى مصر حيث كان يستعمل بخوراً في المعابد وفي تحنيط جثث الموتى. أما يثرب فكانت من أكبر المناطق الزراعية في الجزيرة العربية لسببين اثنين: توفر المياه السطحية والجوفية بكثرة، وخصوبة ارضها ومناخها المعتدل. وهذا ما ساعد أهلها على الاشتغال بالزراعة والاتجار بمنتوجاتها. وكانت أخصب أراضي يثرب بأيدي اثرياء القبائل من يهود وعرب. وذكر ان الحبر اليهودي مخيريق، وهو احد ابناء النضير، كان غنياً، كثير الاموال من زراعة وانتاج النخيل، ويملك سبع حوائط (بساتين). وكانت المؤاجرة والمغارسة والمزارعة، التي سبق ان تحدثنا عنها اعلاه، من اشكال الاستثمار التي استخدمها اليثربيون. وحل الشعير في المرتبة الثانية، انتاجاً وبيعاً، بعد النخيل. ويبدو ان يهود يثرب كانوا يمتلكون معظم مزارع النخيل ويتاجرون بثمره مع حبوب الشعير ودقيقه في اسواقها، لا سيما سوق بني قينقاع . واحة خيبر تقع واحة خيبر الى الشمال من المدينة على طريق القوافل مع الشام. واشتهرت خيبر بوفرة مزارعها ونخيلها وحبوب القمح. وكانت واحة وادي القرى محطة على الطريق التجاري بين اليمن والشام. سكنتها قبائل يهودية متحضرة مارست الزراعة المروية. أما الطائف فهي من الواحات المهمة في شبه الجزيرة العربية. وقد ساعدتها العوامل الطبيعية في قيام نشاط زراعي بارز. سكنتها قبائل من العرب واليهود والروم ومارست الزراعة والاتجار بالمنتجات الزراعية. وتعد الحنطة الانتاج الزراعي الاول، وكانت تعتمد كل حواضر الحجاز عليها. أما ثمرها فتمتع بشهرة كبيرة وجرى تصديره الى مناطق عديدة داخل شبه الجزيرة وخارجها. وكانت زراعتها مربحة مما شجع تجار مكة آنذاك على الاستثمار ببعض أموالهم في ملكية الاراضي الزراعية .

المراجع

ar.al-hakawati.net/2012/05/01/%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%B1%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%B1-%D8%A8%D9%85%D9%86%D8%AA%D9%88%D8%AC%D8%A7-2/2/ موسوعة الحكواتي

التصانيف

اقتصاد  تاريخ اقتصادي