مناشدة أمير المؤمنين للزبير وطلحة

ثم بعث  عمّار بن ياسر وعبد الرحمن بن حَسْل الى طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام وهما في ناحية من المسجد ، [ فأتيا بهما ] (1) فجلسا بين يديه ، فقال  لهما :
« نشدتكما الله هل جئتماني طائعين للبيعة ودعوتماني إليها وانا كارهٌ لها ؟ » قالا : نعم.
قال : « غير مجبورين ولا مقهورين (2) فأسلمتما لي بيعتكما ، واعطيتماني عهدكما » ؟ قالا : نعم.
قال : « فما دعاكم بعد هذا الى ما أرى ».
قالا : اعطيناك بيعتنا على ان لا تقضي الامور ولا تقطعها من دوننا ، وان تستشيرنا في كل امرٍ ولا تستبدّ بذلك علينا ، ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت ، [ فرأيناك قسمت القسم وقطعت الامر وقضيت بالحكم بغير مشاورتنا ولم تعلمنا ] (3).
فقال  : « لقد نقمتما يسيراً وارجأتما كثيراً ، فاستغفرا الله يغفر لكما.
__________________
(1) في البحار : فأتياهما فدعواهما فقاما.
(2) في البحار : مقسورين.
(3) في البحار : فأنت تقسم القسم وتقطع الامر وتمضي الحكم بغير مشورتنا ولا علمنا.
 
ألا تخبراني ادفعتكما عن حقٍّ وجب لكما عليّ (1) فظلمتكما (2) اياه ؟ ». قالا : معاذ الله !
قال : فهل استأثرتُ من هذا المال لنفسي بشيء ؟
قالا : معاذ الله.
قال : « أفوقع حكمٌ في حقٍّ لاحدٍ من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه ؟ »
قالا : معاذ الله.
قال : « فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي ؟ »
قالا : نعم ، خلافك لعمر بن الخطاب 2 في القسم ، لأنّك جعلت حقّنا في القسم كحقّ غيرنا ، وسوّيت بيننا وبين من لا يماثلنا فيما افاء الله بأسيافنا ورماحنا ، وقد أوجفنا عليه بخيلنا [ ورجلنا وظهرت عليهم دعوتنا واخذناه قسراً وقهراً ] (3) ممن لا يرى الاسلام إلا كرهاً عليه.
فقال  : « [ أمّا ما ذكرتما أني احكم بغير مشورتكما ] (4) فوالله ما كان لي في الولاية رغبة ولكنكم دعوتموني إليها فخفت ان اردكم فتختلف الامة ، فلما أفضت اليّ نظرت في كتاب الله وسنة رسوله
__________________
(1) لم ترد في البحار.
(2) في الاصل : وطلبتكما.
(3) في الاصل : وركابنا على دعوة الاسلام لا جوراً ولا قهراً.
(4) في البحار [ اما ذكرتموه من الاستشارة بكما ].
 
فأمضيتُ ما دلاني عليه فأتبعته ولم أحتج الى رأيكما فيه ولا أرى غيركم ، ولو وقع ما ليس في كتاب الله بيانه ، [ ولا في سنة رسول الله برهانه ] (1) ، واحتيج الى المشاورة فيه لشاورتكما فيه.
وأمّا القسم والاسوة وانّ ذلك [ لم أحكم فيه بادئ بدء ] (2) وقد وجدت انا وانتما رسول الله 6 يحكم بذلك وكتاب الله ناطقٌ به ، [ وهو الكتاب ] (3) ( الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفِهِ تنزيلٌ من حكيم حميد ).
واما قولكما : جعلت فيئنا وما افاءتهُ سيوفنا ورماحنا سواءً بيننا وبين غيرنا. فقديماً سبق الى الاسلام قوم نصروه بسيوفهم ورماحهم فلم يفضلهم رسول الله 6 في القسم ولا آثرهم بالسبق والله سبحانه مُوفّ السّابق والمجاهد يوم القيامة ، وليس لكما والله عندي ولا لغير كما إلا هذا ، أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم الى الحق والهمنا واياكم الصبر.
ثم قال  : رحم الله امرءاً رأى حقّاً فأعان عليه ، ورأى جوراً فردّه وكان عوناً للحقّ على من خالفه » (4).
( لعل المراد قوله  فقديماً سبق الى الاسلام يعني به نفسه ، حيث
__________________
(1) في : البحار ولا في السنة برهانه.
(2) في الاصل [ لم اكلم فيه البادئ بدء ] عبارة ركيكه وصوابه كما في البحار.
(3) سقطت من الاصل.
(4) انظر : بحار الانوار 32 : 21 ، 22.
 
لم يسبق إليه سابق ولم يلحق بأثره في جميع ما امره به رسول الله 6 لاحقٌ ، فأنه  جميع اعماله بالكتاب المجيد والسنة الواضحة.
 

المراجع

مكتبة كوفان

التصانيف

الآداب   كُتب   السيرة والتاريخ