(1)
من كرم الله تعالى على أمة المصطفى حبيبه وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه يفتح دائما وباستمرار وعلى مدار الأيام والشهور والأزمان بفواتح كلها خير ومعها الخير وفى جملتها السعادة والقرب من رب كريم لايرضى لعباده إلا أن يتفضل عليهم دائما بكرمٍ منه وزيادة .. فالحمد لله الذى جعل لنا نفحات نتعرض لها من الجود والمكرمات من رب العطاء والخيرات.
فصلوات خمس على مدار اليوم كفارة لما بينهن .. ونوافل ثنتى عشرة نبنى بها فى الجنة قصرا. وصيام نوافل من الأسبوع تقى حرارة جهنم وظمأها .. وحج ليس له جزاء إلا الجنة .. وصيام رمضان شهرا به تكون الرحمة و المغفرة والجائزة الكبرى العتق من النيران بخلاف مايكون من عتق كل يوم من أيام رمضان .. ولم لا ؟؟؟ وهو الذى خلق فسوى وقدّر فهدى وأعطى ورزق وشرَفنا بأن جعلنا له عِبادا ولجلاله عُبَادا .
رمضان يُحيى رُوحَنا ... بالقرآن :
__________________
فنظل طوال يومنا نقرأه ونحرص على وضع الإشارة على آخر ماتلوناه منه ثم نقرأه ثم نقرأه فيصبح القرآن منا ونصبح منه متزامنان متعانقان .. فنستشعر أننا ماتلوناه فى غير رمضان كما نتلوه فى رمضان .. فنجد بيننا وبين القرآن ودا وألفة وحبا شديدا..
فحقا وصدقا .. إن التعايش مع القرآن فى رمضان له مذاق خاص وروح صافية وجمال مابعده جمال .
ولم لا ..!!
وهو الشهر الذى فيه نزل , فكان لنا هداية ورحمة ودستورا ينير لنا الطريق ويفرّج لنا كل ضيق ويحمل أمتنا من ضيق الضيق الى سعادة وسرور وثيق , فهو لنا الدستور وطريق النور , لايهدى الا للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين العاملين به أن لهم أجرا كبيرا , قال عز وجل : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً } الاسراء اية 9.
رمضان يُحى روحنا .. بصبرنا :
_________________
فامتناعنا عن الطعام والشهوات وإمساك اللسان عن الهفوات لاشك أنه يربى فينا التحمل والتصبر والصبر ..
فنتزود من ذلك بالصبر على بلاءات الدنيا ومتاعبها ونتعلم أنه ليس كل بلاء نقمة بل يكون معه وبين طياته نعمه وأن مايصيب المرء لم يكن ليخطأه وماأخطأه لم يكن ليصيبه وأن الصبر شطر الايمان ودليل على جميل الخلق والإحسان .. فالصوم ظاهره الإمتناع والحرمان إلا أنه فى مضمونه الرضا من الله وجزيل الإحسان والفوز بباب عظيم إسمه الريان فى فسيح الجنان .
ثم يستشعر الواحد منا عند فطره وبعد صبره طول يومه عن الملذات بفرحه غامره تكسو وجهه وتشرح صدره فتبعث فيه روحا جديدة تؤكد له أن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسرا وأنه مهما طال أمد الألم والحرمان فلابد للخير والفرج أن يأتيا إلينا من الكريم مهرولان مسرعان جزاءا من ربٍ رحمن .
رمضان يحى روحنا ... بتراويحنا وقيامنا :
_____________________
التراويح من أهم مايميز رمضان .. فنصليها لتكون قياما لله .. لنقف ونتشرف بالوقوف بين يديه .
ركعات ثمانية ثم تستكمل بثلاثة ثم بدعاء من الامام يرقق به قلوبنا ويُسيّل به مدامعنا ويزلزل به كياننا ويدغدغ به مشاعرنا .. فنحظى بشرف قيام ليلة كاملة بعد تمام تراويحنا .. ياالله ماأعظمك وأكرمك !!
إنها النفحة الرمضانية من رب لايقبل لعباده إلا أن يكون بهم كريما رحيما عطوفا جوادا ..
إنه التميز الذى ميّز الله به رمضان , تميّز القيام بين يديه , ثم يحين موعد التهجد فى العشر الأواخر من الشهر الحبيب فتكون بمثابة التدريب الايمانى الروحانى الربانى الكبير فنسمات الليل وقتها تكون جميلة .. وتكون فيها السكينة , ونستشعر بأن ملائكة السماء تلاحقنا وتزاحمنا بل وتلتصق بأجسادنا , فيتحقق بذلك صفاء النفس والروح والفكر , فما أحلى هذه المدرسة الإيمانية العظيمة مدرسة القيام , فيها يبتعد المرء عن كل ما في الدنيا من نعيم ليقف بين يدي صاحب النعيم الأبدي ربنا – عز وجل – متمنياً وراجياً بذلك رحمة الرب الكريم ...
ما أحلى الوقوف بين يد الله في السحر ...
ما أحلى قطرات الدموع التي تنهمر من خشية الله في السحر ...
ما أحلى رفع الأيدي إلى الله في السحر ...
ما أحلى الشكوى إلى الله في السحر ...
* ( أقسمنا عليك ياالله أن تُحرّم وجوهنا وآبائنا وأمهاتنا وزوجاتنا وأبنائنا وأقاربنا ) *
وإلى لقاء فى حلقتنا الثانية إن شاء الله .. مع حياة جديدة للروح فى رمضان .
( 2 )
رمضان يحى روحنا ... يربى فينا الزهد :
_____________________
لنجعل من رمضان فرصة لتعلّم الزهد , فلا نسرف فى الأكل والشرب ولنجعل لنا منه القليل والكافى فقط لتتزود به على الصيام والقيام ..
أما مانشاهده لدى بعض الناس أو كثيرهم من إسراف يكون فى رمضان بشكل كبير فيفيض الطعام والشراب عن الحاجات ثم لايجد له مكانا بعد ذلك الا حاويات القمامات ..
فاستشعر ياأخانا فى طعامك مايجرى فى الشام التى يفتك الطاغوت بأهلها فتكا ويتقاسمون اللقمة والشربة وقد لايجدون مايسدون به جوعهم ... كان الله فى عونهم ورفع عنهم مابهم ونصرهم على عدوهم .
وإسأل ربك أن يطعمهم بطعامه ويسقيهم بشرابه وينزل عليهم سحائب رحمته ويتولى أمورهم .. وينصرهم على عدوهم ..
فياأحباب رمضان .. لنتدرب فيه على الزهد مستشعرين حال إخواننا فى سوريا .. كيف يأكلون وكيف يشربون بل كيف يعيشون .. ويصومون !!! إنهم والله كالجبال الراسيات .
فإن النعمة لا تدوم ..
ثم أنظر وتفكّر ..
كم أنت منعَّم وفي رغد عظيم وسعة من الله الواسع العظيم..
واعلم أنه من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم فلا تنساهم بدعاء وفير تظهر آثاره عليهم بخير كثير وتلقي به من رب العباد الجزاء الجزيل.. وأرسل لهم إن إستطعت ما يكون لك طُهرة , ولهم نصرة وسدا للجوع ودرءا للعسرة وكسوة من العُرى.
رمضان يُحىِّ رُوحنا .. يُهذّب مشاعرنا :
_____________________
فرمضان يجعل الواحد منا رقيق القلب مع الناس فيبذل الجهد للنهوض بعلاقته معهم فيكسب ودهم ويستجلب حبهم ويستحوذ على قلوبهم .. فتنهض بذلك علاقاته مع الناس فيجددها ويحييها ويجدد فيها ومعها كل جميل من المشاعر والاحساسيس .
فيظل فى رمضان محسنا للناس زائدا فى الاحسان طالبا من الله الرضا والعفو والغفران ..
فتتربى بذلك نفسه وتنهض بذلك روحه ومشاعره فيصبح كالشجرة تماما يقذفها الناس بالحجرة وتهديهم هى بأجمل الثمرة ..
ويصبح المسلم فى مجمله نجما يهتدى به الحيارى ويسعد به الأشقياء ويُستشفى به المرضى ويفرح به المحزون وينتصر به المهزوم ويُستطعم به الجائع ويُستسقى به الظمآن .. ويصير مأوى لكل حيران وراحة لكل تعبان ودواءا لكل مريض وطريقا لكل سالك ونموذجا مميزا لكل من أراد أن يحيا حياة السعداء ويُختم له من الله بكل قبول ورضاء .
رمضان يحى روحنا ... يهذب أخلاقنا :
_____________________
فى رمضان يمسك الواحد منا لسانه فلا يحركه الا لدعاء أو ذكر وتسبيح أو قراءة قرآن .. ثم تجد الواحد منا إذا تناثرت من فمه كلمة بذيئة أو غيبة لأحد دنيئة تجده يسرع بالاستغفار والتوبة .
فيتقوى بذلك على إمساك نفسه عن السباب والشتم والبذيء من القول فيكون بالناس رحيما وبوجهه بسّاما وبحبه معطاءا وللأذى من الطريق مزيلا ولقضاء الحوائج مسرعا ولمساعدة الضرير فى الطريق منقذا وللزوجة محسنا ومع الأبناء متعاطفا وللدنيا كلها سراجا وهاجا يشع أخلاقا راقية وكلمات مهذبة ورقة وجمال مابعده جمال ...
فما أجملك أخى الحبيب فى رمضان ..
منظومة قيم ... كوكبة كبيرة من محاسن الأخلاق .. تتحلى بها ... تتربى عليها لتنفعك فيما بعد رمضان .
وإلى لقاء فى حلقتنا الثالثة إن شاء الله ... مع حياة جديدة للروح فى رمضان .
( 3 )
يفتح لنا أبواب الخير :
___________
(*) فالفرض فى رمضان يقابل سبعين فى غيره والنافلة فيه تعدل فرضا فى غيره ..
(*) نرفع فيه أكف الضراعة إلى خالقنا ليرفع عن أمتنا ضعفها وهوانها ويُمكّن لها وينصرها .
(*) يساعدنا على الإنتفاع بوقتنا فهو حياتنا , فمن فرّط فى وقته فقد أضاع عمره .. ومن ضيّع وقته فى رمضان ولم يخرج منه
بعتق من النيران فمتى بالله عليكم تُعتق الرقاب مرة ثانية ؟؟ أليست فرصة ؟
(*) يساعد المسلم على الإنتصار على الثالوث المدمر له ( النفس والشيطان والهوى ) .
(*) يحملنا على هجر المعاصى و إرتكاب الآثام وحفظ الجوارح .
(*) يحملنا رمضان على إحياء سنن نبينا وزيادة سجداتنا وركعاتنا ووقوفنا وخشوعنا.
(*) يبعث رمضان فينا روح الأمل ويسعدنا ويقربنا من ربنا .
(*) يجدد فينا الإيمان ويعلمنا جمال الإسلام ويباعدنا من لهيب النيران .
(*) رمضان يرفعنا من ذل المعصية إلى عزّ الطاعة .
(*) يمنحنا سكينة النفس وطمأنينة القلب .
(*) فجنان ربنا فى أول ليلة من رمضان تتزين للصائمين وتفرح بحلول شهر الرحمة والمغفرة والعتق .
يُمتّن عقيدتنا ويُنير بصيرتنا :
_______________
(*) يساعدنا رمضان على عدم التأثر بنعرات العلمانية الداعية بقوة ليل نهار إلى أفكار ومعتقدات أقسمنا ثلاثا أنها لن تنل
من عقيدتنا ولو قيد شعرة فإسلامنا دين ودنيا وثقافة وعلم وتربية وأخلاق وآداب وعمل وإنتاج ونهضة وصلاة وصوم
ودين شامل لكل الحياة ولن نتأثر بأبواق أو مصطلحات ظاهرها الرحمة وباطنها من قبلها العذاب .
(*) رمضان يمتن علاقتنا بالسماء ويحثنا على طلب حاجاتنا ممن يسمع الدعاء ويُغيث الملهوف ويحب الإلحاح والرجاء .
(*) فى رمضان تجد المتشبهين بمظاهر الغرب يتحرّجون ويستحيون .. فلا قصّاتُ شعرٍ فيها يجارونهم ولا حظاظاتٌُ فى اليد بها
يقلدوهم ولابنطلوناً على الوسط يتزحزح ويسرع الحركة نحو كشف للعورة أمر الله بستره .. تجدهم أقرب للحياء والاستحياء
وداعاً رمضان ... وعهداً ياحياة روحنا :
______________________
وداعا وعهدا ... سنظل لك مُحبون وبك مُتيّمون .
وداعا وعهدا ... سنظل بعهدنا معك على العدل والإنصاف حتى من أنفسنا .. مستمرون .
وداعا وعهدا ... سنحاسب أنفسنا ونقومها ونهذبها ونربيها كى نعتقها من قيودها .
وداعا وعهدا ... سيظل المسلمون يارمضان أخوة متحابون فيما بينهم , لمثلك يستعدون ومن معينك الصافى يستمدون .
وداعا وعهدا .. سنكون لأمتنا أوفياء , بخلقها رحماء , لدعوتها نُصراء .
وداعا وعهدا ... سنكون فى غيرك كما كنا فيك .. ربانيون إن شاء الله لا رمضانيون .
وداعا وعهدا .... سنحب صلاتنا لنقيم بها الدين كما كنا فيك نحبها .
وداعا وعهدا .. سنعض بالنواجذ على النوافل لنزداد بها من الله قربا وشبرا وذراعا .
وداعا وعهدا ... سنعانق القرآن وسنأخذ منه البيان وسنحمله بأيدينا ومع سفرنا وإقامتنا سنجعله لنا الرفيق وسنجتهد به فى التطبيق وسنُسعد به الدنيا ونخرجها بإذن الله من كل ضيق .
وداعا وعهدا .. سنُحب الوعّاظ والخطباء والمصلحين وسنجلس بين أيديهم كما كنا فيك لينيروا لنا دربنا ويساعدونا على إصلاح أنفسنا .. نستقى منهم الدواء ونستعين بهم على الشفاء .. ولم لا فهم من ورثة الأنبياء .
وداعا وعهدا .. سنكون لأوطاننا أوفياء , ولن نوقف ألستنا لها عن الدعاء , ولن يكون لهم بإذن الله إلا كل جميل منا وعظيم نهضة وكثيرعطاء وداعا وعهدا .. سنجتهد أن يُشار لنا بالبنان كى نكون قمماً وأئمة فى كل ميدان .
وداعا وعهدا .. لن نكون جاحدين لمن تفضلوا علينا بخير صَغُر أو كَبُر وسنحبهم ولن ننسى علينا فضلهم ولن ننكر لهم جميلهم ..
ولن نكون كالمثل القائل : قططا تنكر فضل من أطعمها .
وداعا وعهدا .. سنجعل لربنا من دموعنا نصيبا , نسكبها له رغبة منا ألا تمسنا نيران ربنا . سنبكى بكاءا نصحح به مسارنا ,
لارياء فيه ولا إصطناع بل خالصٌ كله لربنا .
وداعا وعهدا .. سنحيا بأخلاق نبيك فى غيرك من الشهور , نتواضع للناس , نكون ذوى إحساس , نتأدب فى الإختلاف , ويعذر بعضا بعضا عند أى خلاف , لن نصاحب إلا المؤمنين ,ولن يأكل طعامنا إلا المتقين , طائعين بذلك قدوتنا رحمة العالمين سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين عليه من الله صلاة وسلاما له وآله وصحبه اجمعين .
وكل عام وأنتم بخير بمناسبة قرب عيد الفطر المبارك ...
* عضو رابطة أدباء الشام – لندن .
المراجع
odabasham.net
التصانيف
قصص أدب مجتمع