د. عبد المجيد البيانوني

مع غروب شمس الثامن والعشرين من شهر آب، لهذا العام /2012/ م، دخل يوم ميلاد له جديد، تجاوز فيه سنة بعد إكمال العقد السادس من العمر، قضى منه أكثر من النصف بعيداً عن بلده ..

وغمرته عناية الله ورعايته، وفضل اختياره له، ولطفه به، ونعمه الحسّيّة والمعنويّة بكلّ أنواعها وأطيافها، وحسنها وألطافها .. حتّى إنّه لم ير من بؤس الحياة وضرّها ما يستحقّ أن يذكر، أو يسطر ..

فيطرق قلبه على أعتاب العبوديّة خَجِلاً وَجِلاً ، ويستشعر سؤال الربّ جلّ جلاله وعتابه : « عبدي ! ألم أعطِكَ .؟! ألم أحبُكَ .؟! ألم أكفِكَ .؟! ألم أغنِكَ .؟! ألم .. ألم .. ألم .؟! » أفلا يكون عبداً شكوراً .؟!

ومنذ ما كان في منتصف العمر، وهو يرقب الموت بين الخطوة والأخرى، ويمنّي النفس أن يستعدّ للقائه، كما يستعدّ العروس لعروسه ..

وتلفّه الغفلة، فيسوّف ما يسوّف .. وتهزّه الفواجع ، فيصحو ويتذكّر .. ثمّ يغفو، ويغفل ..

ألا ما أعظم نعمة الله ومنّته بما قدّر من العمر، فما كان يحسب أن سيبلغ نصفه، أو ثلثيه .. بلهَ أن يتجاوز عقد الستّين ..

وكان عندما يسأل ، وهو في عقد الأربعين عن عمره يقول مازحاً : « هو ماضٍ نحو السبعين أو الثمانين أو التسعين » ، على حسب مقتضى الحال .. وربمّا أخذ السامع الأمر على ظاهره ، وبنى عليه كثيراً من القول ، فكان الموقف طريفاً ..

ويرنو إلى عدّاد الأشهر والسنين ، يمشي ولا يتوقّف ، يمرّ مرّ السحاب ، ويأخذ معه بعض الأحبّة والأصحاب .. ويتّعظ قليلاً بفقد الأحبّة ، وذكريات الراحلين ، وعبر الأحداث والسنين .. وهو في سكرة الهوى ، وداء التسويف .. يعظ ولا يتّعظ ، ويذكّر ولا يتذكّر .. وبين لسانه وعمله بعد كبير ، وخلف مرير ..

أخذتَ  بأعضادِهِم إذ وَنَوا          وخَلّفكَ  الجهدُ  إذ أسرَعُوا

وأصبَحتَ تَهدِي ولا تَهتَدِي          وَتُسمِعُ  وَعظاً  ولا تَسمُعُ

فيا حَجَرَ الشحذِ حتّى مَتى          تَسُنُّ الحديدَ ولا تَقطعُ .؟!

ومع إحساس النفس بدنوّ الأجل ، تجدّ في العمل ، ويخفّ تعلّقها بكثير ممّا حولها ، ويقوى نظرها إلى ما تستقبل من أمرها ، وتستشعر التفريط فيما سبق من أيّامها ، ويلهج لسان حالها وقالها في كثير من المواقف : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت .. » ..

وتحاول أن تستدرك ما تستطيع .. ولكن هيهات هيهات .! فأنّى لواجب الوقت أن يسمح لغيره بمزاحمته ، أو يعطيه شيئاً من حقّه .؟! وحسبه التوبة والندم على ما فرّط ، والعمل الجادّ فيما هو فيه ..

ثمّ يغفو ويغفو .. وقد نصب له الشيطان والنفس الأمّارة الشرَك بعد الشرَك .. لقد كان يحسب أن صراعه معهما سينتهي بجولة فاصلة، وضربة قاضية، وما كان يحسب، أنّه كلّما تقدّم خطوات على الطريق دهمه إعصار فيه نار ، فزلزل أعطافه، وأحرق أطرافه، وصدّه عن سبيله ، وردّه عن غايته ..

ولكنّه لن ييأس أو يستسلم، وله إقرار بخطيئته، وحجّة من فطرته، وأسوة بأبيه آدم في زلّته وأوبته، ورجاء بفضل الله ورحمته ..

فيا ربّ مغفرتك أوسع من ذنوبي ، ورحمتك أرجى عندي من عملي ..

يا  رَبّ قد عَصَفَ الهوَى iiبكياني
وتَنوّعَت     ألوانُه     وتَعدّدَت
ودُخانُه  حَجَبَ  البَصيرةَ iiوالهُدى
جَاهَدتُه   وحَسِبتُ   أنّي  iiغالبٌ
أنجُو  وأُصرَعُ  في  مُحيطٍ iiهادِرٍ
فأزلُّ  عَن  تَقوَى  عَرفتُ طَريقَها
لا  حَولَ  لي  يا رَبّ إنّي عاجزٌ
ضَعفِي وخوفي في التِجاءٍ ضَارع
يا   أرحَمَ   الرُّحماءِ  إنّي  iiعَائِذٌ
أنتَ  العَليمُ  بما  أخافُ iiوأرتَجِي
فاختر  لِعَبدِكَ ما تُحبُّ iiوتَرتَضي
وامنُن    عليَّ    بتَوبةٍ   مَقبُولةٍ











وسَطا    بكَلكلِه   على   أركاني
أوطارُه     وغَدوتُ     كالحيران
فَكَأنّني    في   غَيبةِ   iiالسكران
فعَدا   بمَكرٍ   لا   يُرى  iiبمَكان
مِن    عَالم   الإغراءِ   والبُهتانِ
أوّاهُ  مِن  ضَعفي ومِن عِصياني
فادفَع   بحَولِكَ  كيدَه  iiالشيطاني
مَا  خابَ  مَن يَرجُوكَ iiباطمِئنانِ
بسَوابِقِ     التكريمِ    iiوَالإحسَانِ
وَبسِرّيَ     المَكتُومِ    iiوالإعلانِ
سَلّمتُ   قلبي   فاكفِني  iiأحزاني
واختِم   بتَوحِيدٍ   وطُهرِ   iiجَنانِ

               


المراجع

odabasham.net

التصانيف

قصص  أدب  مجتمع