" إنا لمدركون " هكذا هو قول قوم موسي عليه السلام له حين أدركهم فرعون وجيشه وهم في مواجهة البحر لا منفذ لهم ولا مفر حين أنقذهم عليه السلام ونفذ أمر ربه في الذهاب بهم للأرض المقدسة، وحيث الفرار من فرعون الذي سامهم سوء العذاب سنوات طويلة فذبح أبناءهم الذكور واستحيا النساء للخدمة والذل، فرعون الذي قال عنه الله عز وجل: " إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً، يستضعف طائفة منهم، يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم؛ إنه كان من المفسدين " أنقذهم منه موسي عليه السلام، وخرج بهم إنقاذا لهم ورفعة، لكن دائما هناك مع كل الأنبياء، ومع كل المصلحين، نفوسا ضعيفة لا تري سوي المشاهد المادية القريبة، ويغيب عنها المشهد الرباني الإيماني الذي يستلزم وجوده نفوسا مؤمنة وقلوبا تقية نقية، وأعينا في سبيل الله ساهرة ، لم يحتمل هؤلاء وجود العدو من خلفهم محاصرا لهم من كل جانب، وهم الضعفاء الهاربين الأذلاء ، لا يملكون ما يدفعون به عن أنفسهم، ولا يملكون حتى قوت يومهم، التفوا حول نبيهم وقائدهم يسألوه، وربما يعنفوه، وربما هناك من قال له لم خرجت بنا، ومنهم من " قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ماجتنا " .
فما كان من موسي عليه السلام إلا الرد بكلمة واحدة، كلها ثقة وإيمان وقوة وعزة " " كلا، إن معي ربي سيهدين "
من أين أتت تلك الثقة وذلك الإيمان لموسي عليه السلام، من أين استمدها والبحر من أمامه والعدو من خلفه ولا مهرب بينهما ولا منفذ، هل كان يتصور أن ينشق البحر ويعبر هو منه ثم ينطبق علي عدوه، لا، لم يتصور موسي عليه السلام ذلك، ولم يطمح إليه، لكن إيمانه الراسخ بالله جعله في يقين ينشق له البحر ويهتز له الجبل ويخر ساجدا، لم يعتري الخوف قلب موسي لحظة رغم انقلاب بعض أهله عليه.
قد تغيب الرؤى عن البعض حين تختلط الأحداث ويشتد الكرب، قد تزيغ بعض الأبصار حين يتأخر النصر، قد يقع البعض صريع أفكار مشوشة حين يكثر الكذب والبهتان فتضيع الحقائق في حلوق الرجال .
لكن القلوب الحية المؤمنة ثابتة ثبات الجبال، لا تزيغ ولا تضيع، لكنها الفترات الفاصلة في التاريخ، تلك التي تحمل علي عاتقها بناء حضارات جديدة، حضارات تحمل النور والخير والطهر لكل البشر .
وها هو موسي عليه السلام يأتيه الفرج من بين ما حسبه قومه هلاكا، ينشق البحر فيعبر المؤمنون، وهو نفس البحر الذي يغرق الكافرين .
وها هو نوح عليه السلام، يبني السفينة وسط صحراء قاحلة، تنفيذا لأمر ربه دون أن يسأله لماذا يارب، وكيف يارب، نفذ أمر ربه وتحمل من الكافرين من السخرية والإيذاء تسعمائة وخمسين سنة، لم يعترض مؤمن، ولم يسأل، وما كانوا بكثير ، " وما آمن معه إلا قليل " . ثم يأتي النصر والنجاة من حيث يحسبونه هزيمة ومصدر خوف، سفينة بالصحراء تبحر بأمر الله، لا يحملونها إلي الماء، وإنما يساق الماء إليهم سوقا، تتفجر الأرض وتنفتح السماء بماء منهمر لتصير الصحراء جبالا من الموج تغرق معها كل الكافرين .
وها هو نبينا المصطفي الحبيب مع صاحبه في الغار، مطارد من كفار مكة جميعا، ليس معه سوي الله وحده، وكيف بمن معه أن يخاف، وكيف بمن معه الله أن ينهزم، ولو تجمعت الدنيا كلها عليهم، يخاف بو بكر علي حبيبه النبي الذي يحمل الهداية للبشر، فيقول يا رسول الله، لو نظر احدهم تحت قدمه لرآنا، فيكون الجواب بلا تفكير ولا تأن " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما " لن يخيب من معه الله . لن يضيع من معه الله. لن ينهزم من معه الله.
فقط " إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " . اشتري الله منكم فمن يبيع ؟
المراجع
essada.net
التصانيف
قصص أدب مجتمع قصة