الإسراء والمعراج كانت مقدمة لتحول وتغير من مرحلة إلى مرحلة في كل الموازين , تَّحول في مسار الصراع للوصول للتمكين القيمي والأخلاقي , تحول في الفكر والتربية والسلوك تحول في التشريع والسياسة والاقتصاد والأمن و كل الموازين.
فما منع النبي وأصحابه من التمكين لدين الله في قريش , إلا الصلف و الظلم والاستبداد والكبر والغرور والعنت والاضطهاد الذي كنت تمارسه قريش عليهم .
حينها بدأ النبي( ص) بالبحث عن حلول للوصول إلى دولة العدل التي يكرم فيها الإنسان , و بدأ يبحث عن موطن أخر , يتم فيه الاستجابة لدعوته ( ص ) والحماية لأصحابه. و المرتكز لتأسيس دولته التي ينشد أن يقيم فيها , العدل والحرية والمساواة والقيم النبيلة والمبادئ السامية والمنهج الرباني المتكامل ليعيش الناس تحت ظلالها أحرارا مكرمين لا يخشون ولا يرجون أحد إلا الله . لا تُنتقصُ حقوقهم ولا تصادر حرياتهم ولا تهتك أستارهم ولا تسفك دمائهم ولا تنهب أموالهم , سواسية كأسنان المشط , لا فرق بين غني وفقير وكبير وصغير وأسود وأبيض .هذه هي المعاني التي كان يبحث النبي( ص) عن موطن لتأسيسها فيه .
ذلك ما جعله يتوجه للطائف , ولكن دون جدوى ولا فائدة فلم يستجيب له أصحاب الطائف.
فاشتد حزن النبي (ص) ليس لما أصابه من الأذى و لكن لأنه لم يحقق الهدف يخشى من عدم رضا ربه عنه , وقد عبر عن ذلك في مناجاته ودعائه بقوله:"( إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي) .
ذلك الدعاء الذي تقشعر منه الأبدانُ وتلين له القلوبُ وتخر له الجبالُ ..قالو عنه أنه المفتاح الأول الذي كان منطلق التحول التاريخي العظيم من الدعوة إلى الدولة.
"اللهمَّ إني أشكو إليك ضعفَ قوّتي
وقلة حيلتي وهواني على الناس
يا أرحمَ الراحمين
أنت ربُّ المستضعفين وأنت ربي
إلى من تَكِلُني
إلى بعيد يتجهّمُني
أمْ إلى عدوٍّ ملّكته أمري
إنْ لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي
ولكنّ عافيتَك هي أوسعُ لي
أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات
وصلح عليه أمرُ الدنيا والآخرة
مِنْ أن ينزلَ بي غضبُك أو يحلَّ عليَّ سخطُك
لك العتبى حتى ترضى
ولا حول و لا قوة إلا بك .
إن حادثة الإسراء والمعراج عرَّفتْ النبي صلى الله عليه وسلم بمكانته عند ربه الذي يخافه ويرجوه جاءت لتُذْهبَ عنه وطأة الشدائد , وتسري عليه , وتربط الرسالات كلها به , وتحول مسار دعوته التصوري و النظري إلى المسار العملي التطبيقي .
إنها مقدمة لمرحلة جديدة . في حياة الرسول ودعوته , حيث أعقبها الانتقال إلى المدينة, (انتقال من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة , من مرحلة القلة إلى مرحلة الكثرة , من مرحلة الضعف إلى مرحلة القوة, ) من مرحلة الخوف إلى مرحلة الأمن والتمكين كل هذا تحقق بعد رحلة الإسراء والمعراج , لقد كان لرحلة الإسراء والمعراج الأثر البالغ بالدفع بعجلة النهوض العملي بالتشريع والتربية والأمن والسياسة والاقتصاد وغيره .. بداءً بالجانب الشعائري حيث شُرعت الصلاة , والتربوي والسلوك الذي تمثل بالمشاهد التي كُشِفت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في السماء, وكلها تتعلق بحقوق الإنسان لأهميتها , فمشهد من يقول الزور , وأخر لمن ضيع الأمانة وأخر للكذاب ورابع لمن يأكل أموال الناس بالباطل وخامس مع آكل الربا وأكل أموال اليتامى والزنا, وحال المغتاب , والنمام ،وغيرها من المشاهد التي يظن بعض أهل الأرض بأن ممارستها شيئا ٌ هين وبسيط وكم نجد في زماننا من يتساهل في شأنها ويقترفها ولا يحس بعظم جرمها , فنجده لا يتورع عن حرام ولا يتقي ربه فيما يتعلق بحقوق الناس وأموال الناس ودماء الناس وأعراض الناس. وقد بين الله ورسوله عظم جرم ذلك , وكشفتْ الرحلة عظمة جرم مرتكب مثل هذه الجرائم بجلا.
لقد أهداه منهج عمل متكامل في مقدمته الصلوات الخمس وكأنه يقول له: هذا علاج كل شيء ومنها الهم والعيش الضنك , هذه الصلوات بديل لرحلة السماء فيما يستقبل من الأيام , فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وكان يقول: أرحنا بها يابلال , وقال : صلى الله عليه وسلم "وجعلتْ قرة عيني في الصلاة" فالإحساس بالقرب من الله يذهب حزن القلوب وكدرها ويبدل مكانها مسرةً وراحة, ويدفع للإبداع والإنتاج والعمل الناجح .ويقوي الثقة بتحقيق الهدف ويجلب النصر والتمكين. وهو ما أدته رحلة الإسراء والمعراج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
لقد كانت دافعة له ولأصحابه بالقيام بعملية التحول الكبير الذي حدث , ما هي إلى فترة ليست بالطويلة ,حتى هاجر وأصحابه إلى المدينة وأقام دولة يتصاغر الزمان أمامها إجلالا وينحني الوجود تعظيما , وهذا من الأيمان العميق والإعداد الدقيق الذي جسده رسول الله( ص) ومن معه. جاء نتاج البذل والعطاء. وهي سنة لجميع المؤمنين.علينا أن نستبشر بالنصر مادمنا قد بذلنا الجهد بحسب الوسع والطاقة في أي عمل عملناه , لا نخشى ولا نخاف من تبدده فالله وعد العاملين بما يرجونه مقابل أعمالهم وهو لا يخلف الميعاد .فالتمكين عاقبة الصادقين والصابرين والعاملين فهو ثمرة نضالهم في كل وقت وحين وفي أي زمان ومكان والله غالب على أمره.
رسولٌ لم ترى الدنيا ضياءً كمثــلِ ضيائهِ لمَّا أطلاَّ
إمام المرسلين وخير وداعٍ لدين الله منذ بدا وهلاَّ
رسول في عيون الله يحيا ومن عليائه يرقى مَحِلاَّ
وطار على جناح النور حتى دنى في المنتهى وبه تَدَلَّى
فكبرَّ مذ رأى الآيات كبرى وسبح ربه لما تملى
وكَلمَ ذا الجلال وهام وجداً بربٍ عزَّ مقداراً و جَلاَّ
وخر سجوده لله شكرا وما زاغ الفؤاد وما تولى
رسول الله يا نورا تجلى عليك الله ملأ الكون صلى
المراجع
odabasham.net
التصانيف
الآداب قصص أدب مجتمع