قال تعالى في كتابه الكريم : بسم الله الرحمن الرحيم (( ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضرّاء لعلّهم يتضرّعون ، فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا ، ولكن قست قلوبهم ، وزيّن لهم الشيطان ما كانوا يعملون ، فلمّا نسوا ما ذُكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيء ، حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون )) الأنعام (44) صدق الله العظيم .
إن من يرزقه الله نعمة التذوّق والفهم لآيات القرآن الكريم يجد نوعين من السنن الربّانية التي تحكم هذا الكون: فهناك السنن أو النواميس الكونية : وهي التي تنظم عمل الجزء الأبكم من الكون ، كالأرض والشمس والنجوم والكواكب وغيرها … وهناك السنن أو النواميس الشرعية : وهي التي تنظم حياة الإنسان في هذا الكون من حيث إيمانه وعلاقته بربه ، وعلاقته مع بني جنسه أو مع المخلوقات الأخرى ، أو علاقته بالكون من حوله ، وهكذا …
ولو رحنا نتأمل هذه السنن أو النواميس أو القوانين الشرعية التي تنظم علاقات الإنسان في هذا الكون لوجدناها لا تقل أهمية وصرامة عن السنن والنواميس والقوانين الكونية ...
فكما أن حركة الشمس والأرض والنجوم والكواكب ، ومن ورائها تقلّب الفصول ، وتعاقب الليل والنهار ، وجريان الرياح ، ونزول الأمطار ، وتناول الغذاء ، وشرب الماء ، وتنفس الهواء ، وغيرها ، تخضع لقوانين صارمة لا تتخلف …
فكذلك حركة الإنسان على ظهر هذا الكوكب ، وعلاقاته الحضرية والاجتماعية تخضع لقوانين مماثلة ، في وحدة قانون رائعة ، تدلّ على وحدة الخالق الأكيدة …
ومن هذه القوانين التي لا تتخلف : قانون صعود الأمم وسقوطها ..!!!
فالأمة ، أية أمة ، لكي تنهض لا بد لها من شروط محددة لا تتخلّف …
والأمة ، أية أمة ، لكي تحافظ على نهضتها لا بد لها من التقيّد الصارم بهذه الشروط 
وإذا ما حدث أي خلل  في هذا القانون الصارم ، فإن الأمة ستدفع ثمنه لا محالة ، وسيكون الثمن متناسباً مع حجم الخلل والتفريط .!
وهذه الآيات التي بين أيدينا من سورة الأنعام ، هي واحدة من عشرات ، بل مئات الآيات التي ساقها الله تعالى لتبصير الأمة المسلمة ، صاحبة الرسالة العالمية الخاتمة ، بأهمية الالتزام بهذه القوانين ، إذا كانت فعلاً تريد أن تحقق في نفسها ما أراده الله لها من الخيرية والريادة والقيادة .
يقول القانون المستخلص من هذه الآيات الكريمات : بأن أية أمة منحرفة عن هدي الله ومنهجه لا بد لها من السقوط والانهيار ، وسقوطها هذا يمر بمراحل ثلاث :
المرحلة الأولى : مرحلة الابتلاء بالبأساء والضراء (( فأخذناهم بالبأساء والضرّاء لعلّهم يتضرّعون )) وغرض هذه المرحلة إعطاء الفرصة لعقلاء هذه الأمة ليمارسوا دورهم في النصح والتوجيه للرجوع إلى الله والتضرّع إليه والإنابة له ، فإذا لم يفعلوا ، ونسوا ما هو مطلوب منهم تجاه الله والإنسانية ، وزيّن لهم شيطانهم الأنسي أو الجنّي سوء أعمالهم وانحرافهم ، فتأتي المرحلة الثانية : ومحورها الفتح المادي ، والابتلاء بالنعماء ، كنوع من الاستدراج (( فتحنا عليهم أبواب كلّ شيء ))
ولفظة (( كل شيء )) هنا ذات دلالة معبّرة ، تشمل الخير والشر ، والحق والباطل ، والحلال والحرام ..!
حتى إذا فرحوا بما أُوتوا ، فاغترّوا بمنجزاتهم ، وغرقوا في ترفهم ، وسدروا في غيّهم ، ولجّوا في ظلمهم وطغيانهم ، جاءت المرحلة الأخيرة ( مرحلة الأخذ والتدمير ) ، وهي مرحلة حتمية لا تتخلف عن القوم الظالمين : (( أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون )) …!!!
لقد انطبق هذا القانون على جميع الأمم التي تعرّضت له في التاريخ ، كعاد ، وثمود وقوم فرعون ، وقوم أبي جهل ، والإغريق ، والرومان ، والاتحاد السوفييتي وغيرهم …
بل انطبق على المسلمين أيضاً ، الأمويين ، والعباسيين ، والعثمانيين ، وغيرهم عندما تخلّوا عن منهج الله ، لأن قوانين الله لا تحابي أحداً من خلقه ، وهاهو اليوم ينطبق بحذافيره على الطاغوتية الأمريكية …!!!
فلقد مرّت أمريكا بجميع الأدوار التاريخية للأمم المنحرفة ، وتعرّضت لقانون الله في السقوط كما لم تتعرض له أمة من قبل ، وبالتالي فإننا لا نشك أبداً بحتمية السقوط الأمريكي – تصديقاً للقرآن العظيم – ولقد بدأت بالفعل  تباشيره العسكرية والاقتصادية والاجتماعية تلوح بالأفق .
أما السقوط العسكري : فقد عبّرت عنه الهزائم الأمريكية المتكررة عبر ما يزيد على عشرة عقود خلت ، فلقد كان التاريخ الأمريكي طيلة هذه الفترة مليء بالهزائم العسكرية على الرغم من كل ما أظهرته الإدارات الأمريكية المتعاقبة من غطرسة وتجبّر .!!!
لقد هُزمت الآلة العسكرية الأمريكية الجبّارة ، التي تدّعي أنها الأولى في العالم أمام قوى متواضعة لا تمتلك معشار ما تمتلكه أمريكا من الناحية المادية والفنية ، إلا أنها كانت تستند إلى جدار الحق المتين ، والإيمان العميق ، والإرادة المقتدرة ، حصل ذلك في فيتنام ، ولبنان ، والصومال ، وأفغانستان ، والعراق … وغيرها …
ولقد شهدنا جميعاً بأم أعيننا كيف تعرضت للإذلال والإهانة على يد المقاومة الأفغانية البطلة ، والمقاومة العراقية الباسلة ، التي أذاقت ببراعاتها وبطولاتها الأمريكان مرّ الهزيمة ، حتى أفقدتهم حلاوة نصرهم الكاذب في غزوهم الآثم لكل من أفغانستان والعراق  ...
حتى أن الكثير من الكتاب والمحللين يعتبرون ما خسره الأمريكان في العراق في أشهر معدودة ، يفوق ما خسروه في فيتنام في سنوات ...!!!
ولقد اعترفت كل الأوساط الأمريكية المضطلعة بفداحة الورطة التي أدخلهم فيها بوش بقراره الأرعن بغزو العراق ، وهاهم يطالبون بتشكيل لجان مستقلة لمحاسبته وسجنه ...!!!
وأما السقوط الاقتصادي : فتعبّر عنه نسبة الديون الأمريكية الهائلة التي تزيد على ثلاثين تريليون دولار ، وهي أرقام فلكية رهيبة ، تجعل أمريكا أكبر دولة مدينة في العالم ، حتى أن الكثير من الخبراء يتوقعون أن لا يستطيع الناتج القومي الأمريكي في المستقبل القريب تسديد فوائد هذه الديون وحدها ..!!!
فإذا أضفنا إلى هذه الحقيقة الخسائر الفادحة التي خلّفتها أحداث الحادي عشر من أيلول على الاقتصاد الأمريكي ، والتي يقدّرها الخبراء الاقتصاديون بما يزيد على (800) مليار دولار خسائر ضرب مركز التجارة العالمي والبنتاغون ، متضمّناً خسارة آلاف العقول الإقتصادية التي سحقت فيه ، مع ( 800 ) مليار أخرى كلفة إعادة بنائه مع كوادره ومعدّاته ..!!! 
هذا فضلاً عن عشرات المليارات الأخرى ، المترتبة على الخسارات الأخرى في كل مؤسسة من مؤسسات الدولة ، ابتداءً من شركات الطيران ، التي أعلنت الكثير منها عن حالة العجز والإفلاس ، وبدأت بالفعل بتسريح الآلاف من الموظفين ، إلى قطاعات التأمين ، فالبلديات ، فالصحة ، وغيرها …!!!
فإذا أضفنا إلى ذلك كلفة العدوان العسكري الأمريكي على أفغانستان التي تزيد على المليار دولار للشهر الواحد ، هذا باعتراف الأمريكيين أنفسهم ، الذين يعترفون أيضاً بأن الحرب لن تكون سهلة وقصيرة ، ولربما امتدت لعدّة سنوات ، ولنا أن نتصور الكلفة المترتبة عليها أيضاً .!
ثم كلفة العدوان العسكري على العراق التي زادت على مائة مليار دولار  ، هذا عدا عن الخسائر الفادحة في الأرواح التي فاقت الخمسين ألف قتيل حسب تقديرات مصادر مطلعة داخل العراق - ودع عنك ما يتبجح به الإعلام الأمريكي الكاذب ، الذي صار أضحوكة للعالمين - والخسائر في الآلات العسكرية ، والطائرات ، والدبابات ، وناقلات الجند ،  والمعدات التي بلغت الآلاف ، والتي نتحدى الإدارة الأمريكية أن تعلن إحصائية دقيقة فيها ...!!!
ومع هذين الإنهيارين العسكري والاقتصادي ، هناك انهيار أمريكي مروّع على المستوى الأخلاقي والاجتماعي والقيمي ، فلقد نشرت في السنوات الماضية العديد من الدراسات ، في داخل أمريكا وخارجها ، حقائق مذهلة عن الحالة المزرية التي يعيشها المجتمع الأمريكي ، حيث الأمراض الجنسية القاتلة ، وعلى رأسها الإيدز الذي يفتك بالآلاف من الأمريكيين سنوياً ، وحيث الخمر والمخدرات والشذوذ الجنسي ، وما ينتج عنه من فقر وتشرد وإجرام ...
فهناك في أمريكا : جريمة قتل كل نصف ساعة تقريباً ، وجريمة سطو مسلّح كل دقيقة ، وحادث اغتصاب كل (6) دقائق ، وحادث سرقة بيوت كل نصف دقيقة ..!!!
وفي أمريكا أكثر من ثلاثمائة مليون قطعة سلاح ، أي أكثر من عدد السكان ..!!!
وفيها ما يزيد على مليوني سجين ، أي أكبر نسبة نزلاء سجون في العالم ، والإدارات الأمريكية تستثمر في بناء السجون أكثر مما تستثمر في بناء الجامعات!!!
ولقد ثبت بالإحصاء أن (90% ) من طلاب المدارس الأمريكيين كذّابون ، و (70% ) منهم غشّاشون ، و ( 30% ) منهم لصوص محترفون .‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍
فهل يمكن لكل هذا الانهيار العسكري والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي أن يصدر عن أمة قويّة ومتحضّرة كما تدّعي أمريكا .‍؟
الجواب : بكل تأكيد ، كـــــلا ...
فلا يمكن لأمة عريقة وقوية ومتحضّرة أن يصدر عنها كل هذا الكم الهائل من التفسّخ والانحطاط .‍
وهي ، وإن بدت اليوم لبعض الأعين المخدوعة ، قوية ومتماسكة ، إلا أن قوّتها زائفة وغير حقيقية ، ومصيرها الحتمي هو السقوط والانهيار لا محالة … هذا هو قانون الله ، وهذا هو قدره …
بسم الله الرحمن الرحيم  (( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ، ففسقوا فيها ، فحقَّ عليها القول فدمّرناها تدميراً )) صدق الله العظيم .
                  
 

المراجع

odabasham.net

التصانيف

قصص  أدب  مجتمع