حادثة الإسراء والمعراج من المناسبات التي تتجاوز الزمان والمكان، بأحداثها والعبر التي ستظل تهز الإنسان، ويستنير بها الفرد والمجتمع. ومن هذه العبر والعظات، هذه النقاط ..
1. رسول الله المتواضع
أسري بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة لبيت المقدس، ثم أعرج به إلى سدرة المنتهى، وهو مكان لم يصل إليه نبي مرسل ولا ملك مقرب. ورغم ذلك، عاد وهو يباشر مهامه، كما كان يباشرها من قبل، وكأنّ شيئا من الرفعة والعلو والسمو لم يحدث ..
ظلّ الزوج الرحيم، والأب العطوف، والصاحب الحنون، والقائد الرؤوف، يأكل ويمشي في الأسواق، يرحم الكبير، ويعطف على الصغير، يساعد أصحابه، فيحمل عنهم الأثقال، ويجلس للفقير، ويستخلف الضرير، ويوصي لليتيم، ويرفع الأعمى فوق المآذن، ويشفق على المرأة، ويصل الرحم، ويصلح بين الأزواج، ويجوع ويتلوى من الجوع، ويبقى الليالي الثلاث، دون أن توقد نار في بيته.
يقوم صلى الله عليه وسلم بكل هذه الخصال الحميدة، وهذا قليل مما حفظته الذاكرة، وهو الذي وصل لما لم يصل ولن يصل إليه أحد، ونال من ربه الفضل والعطاء، مالم ينله أحد من العالمين، وكرّمه ربه أحسن تكريم.
إنه التواضع الفريد من نوعه، والعلو الذي لايتنكّر لترابه، والعطاء الخالد الذي يدوم بدوام التواضع وحسن الخلق.
2. من الفراش إلى سدرة المنتهى
الذي لاجدال فيه، أن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله، وهذا منثور في كتب السيرة القديمة منها والحديثة.
والسؤال المطروح، لماذا لايكتبون ويقولون، أن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسري به من بيته؟. وبالضبط من غرفة نومه إلى ماشاء الله؟. خاصة وأنهم يتحدّثون عنه صلى الله عليه وسلم، حين عاد من المعراج، وجد فراشه دافئا كما تركه، مايدل على السرعة الخارقة في تجاوز رحلة الإسراء والمعراج.
إذن رحلة الإسراء والمعراج إنطلقت من بيته، وبالضبط من غرفته التي كان ينام فيها صلى الله عليه وسلم، مع زوجته رضي الله عنها وأرضاها، ويفهم من هذه الأسطر ..
المرأة عظيمة إلى درجة أنها كانت نطلقا لرحلة الإسراء والمعراج، ذهابا وإيابا. فقد عاد صلى الله عليه وسلم من رحلته إلى نفس الفراش وإلى نفس الحضن الذي انطلق منه.
المرأة تقية طاهرة، استوجب الانتقال منها إلى أطهر وأقدس مكان، والعودة إليها من جديد.
المرأة مكان ينطلق منه المرء لكل عالي وسامي، ومحطة يعود إليها كل من ذاق العلو والسمو.
إن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عاد لنفس فراش الزوجة، وهو الذي رأى من آيات ربه الكبرى، ولم يرى في نفسه الزكية الطاهرة، أن زوجه أقلّ منه شأنا ومنزلة، بل رجع إليها وظلّ معها، يقاسمها الحياة الزوجية.
فكيف يقال بعد هذا، أن المرأة تقطع الصلاة !، ومثلها في ذلك كمثل الكلب الأسود !، وهي التي كانت منطلقا لمعجزة وطهروسمو وعلو، والعودة كانت إليها وإلى فراشها.
3. ألهذا أسري برسول الله؟ !
رأى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلتي الإسراء والمعراج مارأى، ونال من ربه هدايا عظيمة الشأن والوزن، فأهداها بدوره لأمته. وفي سبيل الرحلة تعرّض لوابل من الشتائم والسباب، من طرف سادة قريش وسفهاءها. وحين يعود، وكلّه فرح بما نال من المكانة، وهو محمّل بالهدايا، يجد أمته ..
بدّلت وغيّرت، وأمست في الدرك الأسفل من التخلف، تلبس مما لاتنسج، وتأكل مما لاترزع، وتتسوّل على موائد الكبار، وينحر بعضها، وتشتّتت إلى فرق تتنابز وتتقاتل فيما بينها، أمسى الهدم لديها هواية، وقطع الرقاب لعبة يتسلى بها الصبية، وبيع ماتحت الأرض ومافوقها بابخس الأثمان، وكل يدعي الجنة لنفسه، ويحرمها على غيره، ويقول أنا الوحيد دون غيري من الفرقة الناجية.
من حقّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يغضب على أمته، ويقول لها بمرارة .. أكرمني ربي برحلتي الإسراء والمعراج، ليخفّف عني الحزن الذي ألم بي، جراء موت سيّدتنا خديجة ، رضي الله عنها وأرضاها، ومت العم أبي طالب، لكن رجعت من رحلتي، ورأيت ماأنتم عليه من تخلف وتقهقر، عاودني الحزن من جديد، بل إنه أكثر ألما، وأشد وقعا من فراق الأحبة والزوجة.
إن المرء ، حين يعود من سفره ويسمع ويرى مايحزن، ليكون ذلك أشد عليه من حمل السفر، خاصة حين يكون السفرلأجلهم ومن أجلهم. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، تألم كثيرا بعد عودته من رحلتي الإسراء والمعراج، حين رأى أمته ماعليه عليه، وهو الذي جاءها محمّلا بالهدايا، ورفع عنها الأوزار التي كانت على الأمم السابقة، وظلّ يطلب ربه أن يخفّف عنها عبء الطاعات والعبادات، ويطلب لها المزيد من الشفاعة والمغفرة.
4. إسراء المرأة.. ومعراج المرأة
موت سيّدتنا أمنا، خديجة رضي الله عنها وأرضاها، ترك فراغا، لايمكن تعويضه، إلا بمعجزة خارقة، تتمثل في الإسراء والمعراج.
ومن لايعرف قدر المرأة في حياتها، فلينظر إلى مكانتها بعد وفاتها. هل يستطيع أن يجد لها بديلا؟.
إن سيّدتنا خديجة، عظيمة حين رفضت السادة والقادة الذين تقدّموا لخطبتها، لتتزوج الفقير اليتيم.
وكانت عظيمة، حين وجد فيها صلى الله عليه وسلم، الصدر الحنون، وهي تواسيه في محنته، وتخفّف عنه، حين يتعرّض لأذى قريش.
ومثل هذه المرأة العظيمة، غيابها لايعوض ولا يستبدل، فأحدث ربك أمرا جليلا عظيما، ليخفّف عنه صلى الله عليه وسلم، غيابها وفراقها، والأثر البالغ الذي تركها موتها.
سيّدتنا خديجة، نالت شرف الزوجة والصحبة، والبذل والعطاء والوفاء والتضحية في حياتها، فأكرمها ربك بالإسراء والمعراج، تخفيفا على حبيبه صلى الله عليه وسلم، الذي فارقته حبيبته رضي الله عنها وأرضاها.
5. الضيافة لتخفيف الأحزان
تعتبر رحلتي الإسراء والمعراج، ضيافة من رب العالمين لنبيّه صلى الله عليه وسلم، خير المرسلين. لأن الضيافة من عوامل تخفيف الأحزان والآلام، وتهدئة النفوس، وإشاعة السكينة والطمأنينة فيها.
وأفضل الضيافة، ماكانت دون مقابل. فالله سبحانه وتعالى، إستضاف نبيه ، وهو الغني عنه، فكانت ثمراتها خالدة مرئية، مسّت الحجر والشجر.
إن أشدّ أنواع الظلم، ذلك الإجحاف الذي يكون على يد القريب، لذلك كانت أفضل أنواع الضيافة، أن يستضيف المرء، عزيزا أساء إليه قومه، ومظلوما منعه الأهل والأقارب من الحلال الميسور.
إن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يشكو فراق الزوج والعم، رغم أن فراقهما كان أليما، لكن ظلم قريش له، بعد الذي أصابه وألمّ به، كان أشدّ وطأ، ولا تطيقه الجبال الراسيات، فكانت الضيافة العظيمة، لإزالة الإجحاف الكبير.
6. عظم الهدية
الهدية تتبع صاحبها، وبقدر مايكون الضيف عزيزا، كانت هديته والهدية التي تقدم له، عزيزة ثمينة. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء محمّلا من ربه، بهدايا عظيمة جليلة، يمتد أثرها البالغ إلى أن يشاء ربك، ومنها ..
فقد حذّر أمته مما رأى من عواقب سوء الأفعال، وبشّر أمته مما رأى من حسن خاتمة الأفعال، ورفعها منزلة حين أمّ الأنبياء والرسل، وغرس فيها الأمل حين لم يتقدم عليه نبي ولا رسول ولا ملك مقرب، وشجّعها على فعل الخيرات حين نال مالم ينله أحد من قبل ومن بعد، ويسّر لها فعل الخيرات حين استجيبت دعوته دون غيره من الرسل، ورفع عنها عبء العبادات ومنحها أجر خمسن صلاة بصلاة واحدة.
هذه هدايا عظيمة، من رب عظيم، لرسول عظيم، لأمة يرجو نبيها أن تكون في مستوى الهدايا الممنوحة، والعطايا المقدمة.
المراجع
odabasham.net
التصانيف
قصص أدب مجتمع