وأخيرا اطلع من جسدي00 اخرج حاملا اسئلتي الاساسيه00 صراخي ناضج 00في اوجه00امزق العار00مدجج بكل طاقاتي00واشرع ذراعي العنيده00000لاعارض كل انواع التاكل00ذاكرتي العميقه00 لأخرق كل الحواجز00000أشٌرع ضحكي الذي لاينطفىء0000جديد انا فرج بير قدار
على هوامش مهرجان ديار بكر في الرابعة من فجر التاسع والعشرين من تشرين الثاني 2004 , انتهيت من مراجعة قسم المحفوظات في مطار دمشق, بعد أن سلمتهم الموافقة الأمنية على سفري، والتحقت بزملاء الرحلة: عادل محمود ومنذر المصري وطه خليل ولقمان ديركي.الخطوط الجوية التركية ليست أفضل حالاً من السورية, كلتاهما من فصيلة الـ "هوب هوب", ولكن أصدقاء الرحلة وأهدافها يساعدون على تجاوز أو نسيان الكثير من المنغصات والتفاصيل.توقفنا في استنبول لبضع ساعات لا تكفي لشهقات الدهشة. صديق قديم كان ينتظرنا في المطار. إنه "سمير" الذي طالما رسمت خطواته اتجاهات متباينة تجعل الوصول إليه صعباً عندما يريد الخصوم, وسهلاً عندما يريد الأصدقاء.
هو في كل مكان وفي لا مكان. لو لم يكن شيوعياً لقلت إنه من أهل الخطوة. سمير الذي يملؤك حضوره وديناميته قناعة بأنه لا يهدأ ولا ينام. حليف المخيمات والحارات الخلفية والطرق الوعرة في سوريا ولبنان, ثم العراق وإيران, وها هو أخيراً في استنبول.سمير الذي كان نحيلاً بعينين جاحظتين وشعر غزير أسود, أصبح الآن ممتلئاً بما يكفي لتخفيف جحوظ عينيه وتظليلهما بابتسامة آمنة, تحت صلعة تمنحه هيئة أبوية ودودة.كلمات سريعة متشابكة.. شظايا أسئلة.. أطياف أصدقاء وذكريات كثيرة تناثرت أجنحتها في المكان.أن تلتقي صديقاً عزيزاً, بعد عشرين عاماً من الغياب, من شأنه أن يعيدك إلى نفسك, ويجدد عندك قابلية الحلم رغم كل ما ينطوي عليه الواقع من إجهاضات تعطيها تكراريتها طابعاً قدرياً. ذهبنا بالمترو ونزلنا في محطة اسمها "أََمنيَّات". سألت عن معنى أمنيات, فقال سمير: إنها جمع للفظة "أمن", وقد سميت المحطة كذلك لأن تجمُّع فروع الأمن متاخم للمحطة.
في المساء اتفقنا مع سمير على أن نقضي معه يومين في طريق العودة, ثم مضينا إلى المطار لنكمل الرحلة إلى ديار بكر, حيث سنشارك في مهرجانها الأدبي الثاني.كان استقبال موظفي البلدية وبعض الشباب المتطوعين دافئاً بما يكفي لتعويضنا عن صدمة الريح الثلجية التي باغتتنا فور خروجنا من الطائرة, في الفندق وضعونا بصورة البرنامج وبعض التفاصيل اليومية, وحددوا لنا مرافقاً اسمه صباح الدين.. شاب في منتهى اللطف والبشاشة, إلا أنه حين لجأ إلى لغة الإشارات  بيديه من أجل دعوتنا إلى العشاء, اكتشفنا أنه لا يعرف العربية ولا الإنكليزية.
لقد دعت بلدية ديار بكر إلى مهرجانها, الذي سيستمر ستة أيام, أكثر من مئة وخمسين أديباً وكاتباً وباحثاً, من الكرد والترك والعرب والفرس والسريان، بالإضافة إلى بعض الأجانب المهتمين بثقافات وحضارات شعوب المنطقة.
في اليوم التالي التقينا بالصديقين اللبنانيين يوسف بزي ومحمد أبي سمرة. وعلى الرغم من سعادتي بلقائهما للمرة الأولى, فقد انتابني شيء من الحزن, لتأخر اللقاء كل ذلك التاريخ وهذه الجغرافيا!!إذن أهلاً بنا في ديار بكر التي يقول عنها أهلها: إنها اتحاد الحلم بالحجر.
ترى أيهما يحصِّن هذه المدينة؟ أأحلام أهلها الذين يشبهون أهلنا إلى حد الحب والمرارة, أم أحجارها لبازلتية الواثقة من نفسها وهي تنهض بمساجدها وكنائسها القديمة, وبسورها الشامخ المتباهي على مدى خمسة آلاف متر وألف وسبع مئة عام؟دياربكر (أمد)في هذه المدينة شيء ما من حلب, من عمرانها ومن عادات أهلها ربما, وشيء من التاريخ وممالكه القديمة المأهولة بشفافيات غامضة, وظلال تكتم أسراراً وتفضح أخرى, وهي تجترح النقائض وتؤلِّف مابينها ببساطة الحكمة أو بحكمة البساطة.
أهكذا صاغت ديار بكر أهلها, أم ان أهلها صاغوها على هذا النحو, الذاهب إلى الماضي بكل ما فيه من صفاء البدائية الحالمة, وإلى المستقبل بكل ما فيه من هواجس المغامرة اليائسة, وما بينهما فسحة من حاضر يتكئ على ممكن لا يشغله الانتظار عن محاولة قراءة نفسه والآخر. ولعل هذا المهرجان المقام تحت عنوان" الأدب حياة" يشكل واحدة من دلالات المحاولة.
لم أكن أعول كثيراً على أهمية مشاركتنا كأدباء عرب في مثل هذا المهرجان, غير أن اهتمام الجمهور بقراءاتنا وأسئلته بعدها ومداخلاته على اقتضابها, جعلني أبصر شيئاً من ظلال الجدوى.
في نهاية إحدى الأمسيات, وقف شخص من الحاضرين ليقول: منذ وعيت على الدنيا وأمي تعلمني أن أعداءنا ثلاثة: العرب والأتراك والفرس. لم أتوقع من قبل أن ألتقي عرباً يمكن أن يقولوا ما تقولون. كلامكم جعلني أشعر بالقشعريرة إلى حد الرغبة في البكاء, كم أنا سعيد بكم أيها الأصدقاء, لقد استطعتم تبديد كثير من الظلمة في داخلي, فشكراً لكم.
شخص آخر أخذ المايكريفون ليقول: سؤالي موجه إلى الشاعر فرج بيرقدار.. أنت تعرف معنى الظلم لأنك عانيت ظلم السجن 14 عاماً وبالتالي لا بد أن تقف مع المظلومين, ولهذا اسمح لي أن أسألك عن موقفك من اعتقال عبدالله وهو مظلوم مثلك. كان السؤال مفاجئاً بالنسبة لي, فمن الواضح أن المقصود بعبدالله هو أوجلان, ولكن لسبب ما, تجنَّب السائل ذكره. كيف لي أن أجيب عن مثل هذا السؤال, بما يكفي من الصراحة والوضوح, من غير أن أجرح مشاعر صاحبه وأمثاله ممن اعتادوا على اختصار كامل قضية الشعب الكردي بشخص أو حزب أو مجموعة؟!قلت: قبل اعتقالي وأثناءه وبعده كنت ولا أزال أدافع عن حقوق إخوتي الكرد في كل مكان.. ولا فضل لي في ذلك.. إنه واجبي الإنساني العام, ولايغير من موقفي هذا أن بعض القوى السياسية الكردية, كان يتحالف مع النظام السوري في الوقت الذي كنا نواجه فيه انتهاكات ذلك النظام فيما يخص الحريات الديموقراطية وحقوق الأقليات وبخاصة الكرد.. في ذلك الحين لم تنبس القوى الكردية ببنت شفة من أجل أي سوري عربي معتقل.. وقد كنت آمل لو أنهم فعلوا ولو بإشارات عابرة يمكن البناء عليها في المستقبل على نحو أكثر أصالة.. ولكن لا بأس مادام الوعي الآن لترابط, بل لوحدة الهم والحلم بين الديموقراطيين كرداً وعرباً, قد أصبح واضحاً لدى العديد من تلك القوى, ولا سيما بعد أحداث 12 آذار.. بالطبع ينبغي أن ندافع عن حقوق الكرد جميعاً وليس عن المعتقلين منهم فحسب, من غير أن يعني ذلك إهمال أي سجين سياسي, بغض النظر عما إذا كان اسمه عبدالله أو أحمد أو لقمان, ومع ذلك يجب أن نتذكَّر دائماً أن قضية المعتقلين على أهميتها, تبقى أدنى بكثير مما يستحقه الكرد, ومما تمثله قوقهم القومية والمدنية والسياسية والثقافية. 
في اليوم ما قبل الأخير حاولت المسؤولة الثقافية في البلدية الاستعانة بأدلاء ملائمين لإطلاعنا على المدينة, وهكذا ذهبنا رفقة شاب كردي وفتاة تركية من أنقرة وأخرى ألمانية تحضِّر رسالتها الجامعية في ديار بكر. الكردي لأنه يعرف المدينة جيداً ويتحدث التركية أيضاً, والتركية لأنها متخصصة بالسياحة وتتقن الإنكليزية ولكن لم يمض على عملها الوظيفي في بلدية ديار بكر سوى أيام, والألمانية لأنها تعرف الإنكليزية وأهم المعالم في المدينة, كونها تعيش فيها منذ شهور.
عند إحدى نقاط السور استوقفنا حاجز عسكري. تقدمت الألمانية والتركية باتجاه الحارس ثم المكتب, لتعودا برفقة عسكري أشار إلينا أن ندخل. قال لنا بالإنكليزية إن التصوير هنا ممنوع.
إنها نقطة عسكرية قائمة منذ زمن بعيد, ولكن ربما لم تعد ضرورية الآن, إذ لا يوجد في الداخل سوى كنيسة بيزنطية, وبيت أتاتورك الذي تحول إلى متحف, بالإضافة إلى سجن أصبح الآن مهجوراً.
تجولنا داخل السجن, في باحاته وزنازينه ومهاجعه وحماماته. كان واضحاً لنا أن العسكري يغض النظر عن فضولنا, فالتقطنا بعض الصور. أخبرنا مرافقنا الكردي أنه قبل سنوات أمضى أسبوعاً في هذا السجن, فالتقطنا له صورة أمام زنزانته, وأضاف: أيامها كان السجن مليئاً بالأكراد, ولكن مع استجابات تركيا لمقتضيات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي, انتهت الحاجة إلى مثل هذا السجن. 
واصلنا طريقنا بمحاذاة السور لنتوقف عند قلعة مبنية على صخرة عملاقة, ثم عند ساحة حديثة فوقها بعض النصب, وتحتها أسواق تجارية. قال الشاب الكردي: في هذه الساحة أعدموا الشيخ سعيد قائد الثورة الكردية في العشرينات.مساء ذهبنا برفقة صديق كردي سوري وآخرين, إلى أحد المقاهي, فسمعنا من أحد المطربين غناء كردياً شجياً, وحين عرف المطرب أننا عرب سوريون قال: أنا من القامشلي, ثم غنى بعض الأغاني من الفلكلور السوري.
كان رزو, الصديق الكردي السوري, يترجم لنا الأغاني الكردية, يشرح بعض الاستعارات والتعليقات, ويجيب عن استفساراتنا.
سألت رزو عن حدود الحريات التي يتمتع بها الأكراد في تركيا حالياً, فقال: يمكنك أن تقدر الأمر من خلال ما  تراه هنا في المقهى, أوفي قاعات المحاضرات والندوات وطبيعة الحوارات التي تدور. بالطبع هي حريات محسوبة جيداً من قبل السلطات, والأكراد يدركون ذلك ويتعاطون معه بمرونة وواقعية وضمن ما تتيحه الظروف والقوانين. قلت: وهل أتاحت الظروف والقوانين رفع الحظر عن اللغة الكردية؟ فقال: نعم.. ورفعت أيضاً حالة الطوارئ التي كانت قائمة في المناطق الكردية.
على الرغم من أن رزو يحمل الآن الجنسية التركية, إلا أن تركيته وكرديته لا تطغيان على  سوريته. في المقهى رفع كأسه ليقول: نخب سوريا.. سوريانا أيها الأصدقاء.. نخب الوفاء لها والحنين إليها سألته عن سبب مغادرته سوريا إلى تركيا, فتنهد وراح يقول بصوت دامع: آه يا صديقي.. كيف أشرح لك!! لقد عشت في سوريا قرابة ثلاثين عاماً. درست في جامعاتها حتى السنة الثالثة لغة إنكليزية وتوقفت. أنا لا أملك هوية سورية.. الوثيقة الوحيدة التي كنت أمتلكها هي إخراج قيد يتيح لي الحركة والدراسة داخل سوريا, ولكن لا يتيح لي العمل أو الوظيفة في دوائر الدولة, ولا يتيح لي أن أصبح مواطناً.
قلت له: والآن؟ قال: ما لم أستطع الحصول عليه طوال ثلاثين عاماً في سوريا, حصلت عليه هنا خلال سنوات.. أنا أعمل الآن ومعي جنسية, وبالتالي فإن طريقي إلى سوريا سالكة من خارجها أكثر مما كانت من داخلها.إلى اللقاء يا صديقي رزو.. إلى اللقاء يا حجارة ديار بكر وأحلامها وأهلها الطيبين.
مائة دقيقة ثم هبطت الطائرة في استنبول, لنأخذ المترو ونلتقي بسمير الذي ينتظرنا في محطة "أمنيات".
حيثما توجهنا في استنبول, بشطريها الأوروبي والآسيوي, صادفنا أشخاصاً يسلمون على سمير.
في الشارع, في المقهى, في النوفوتيه, في البقالة, وحتى في السفينة التي أقلتنا من شطر إلى شطر. قلت له: يجب أن تفكر مستقبلاً في الوصول إلى منصب ملائم في استنبول. قال مبتسماً: وما هو المنصب الذي تنوي عليه؟ قلت: عمدة استنبول, أو عمدة الظل على الأقل.
من الصعب على شخص واحد أن يسير معنا نحن الأربعة, أو أن يسير في أربعة اتجاهات في اللحظة نفسها. حتى سمير نفسه لا يستطيع.
أنا اتجاه, ولقمان ديركي اتجاه, وعادل محمود اتجاه, ومنذر مصري... في الحقيقة لا يمكن لمنذر أن يكتفي باتجاه واحد, ولهذا أوكلنا أمره لشقاء اثنين من أصدقاء سمير الأربعة الذين رافقونا طوال رحلتنا في ستنبول, واكتفى كل منا بتعذيب واحد فقط. لكل منا اهتماماته التي تتقاطع مع الآخرين حيناً وتتدافع أحياناً ما بين الطبيعة والعمران والبشر والسوق واللغة. نتفرق ونضيع وتجمعنا موبايلات الشباب.
مديرية حفظ الصحة اسمها "حفظ الصحة مودورو". ذكَّرني ذلك بالمفارقة في اسم اللجنة التي استحدثها أتاتورك لإصلاح اللسان التركي. كان اسمها مؤلف من ثلاث كلمات جميعها ذات أصول عربية. فأي لسان سيصلحون!!شارع الاستقلال يخترق جزءاً كبيراً من استنبول الأوروبية. أسواق ومقاه وخمارات ونوفوتيهات ومطاعم وحشود من البشر تتجول حتى الفجر. شارع مزيج من سوق الصالحية والحميدية في دمشق وهارلم في ليدن الهولندية.
كنيسة آياصوفيا التحفة المعمارية المهيبة. كانت كنيسة ثم حولها الأتراك إلى مسجد, بإضافة أربع مآذن على زواياها, ثم حولوها إلى متحف يتقاطر إليه السياح من أربعة أرباع الأرض.
أمام الكنيسة حدائق واسعة معتنى بها جيداً, بعضها ذو طابع تركي, وبعضها فرنسي, وبعضها ربما فارسي, يقابل الكنيسة جامع السلطان أحمد. يبدو أن السلطان حاول أن يتحدى الكنيسة, فبنى جامعاً أضخم وأعلى وأكثر احتفاء بالزخارف والمنمنمات, تحيط به ست مآذن تمتد ظلالها إلى آخر الأرض, ويشرف على حدائق لا تقل اتساعاً وجمالاً عما حول الكنيسة. عند شراء أي شيء كان علينا أن نحوِّل السعر إلى الدولار ثم إلى الليرة السورية. الدولار يعادل حوالي مليون وأربعمائة وخمسين ألف ليرة تركية. ولأنه من الصعب على تركيا أن تواجه الله والاتحاد الأوروبي واليورو من خلال عملتها التي تصل حساباتها إلى أرقام فلكية, مع أي عملية تجارية, فقد قررت السلطات إصدار عملة جديدة في مطلع العام 2005، تصبح فيها الليرة الجديدة تعادل مليون ليرة من العملة الحالية.
في المساء ذهبنا مع سمير, وأصدقائه الذين صاروا أصدقاءنا, إلى مقهى بإدارة المغني الكردي السوري "باهوز". حيثما توجهت في استنبول التقيت بأكراد سوريين يسألونك عن سوريا, ولا يخفون
تباهيهم بسوريتهم!قال لي أحدهم: أن تكون كردياً سورياً يعني أن لك احتراماً خاصاً ومكانة مرموقة  لدى بقية إخوتنا في الأجزاء الأخرى من كردستان. سألته عن السبب فقال: لا أدري بالضبط.. ولكن ربما لأن نسبة كبيرة من الأكراد السوريين يتمتعون بحضور ثقافي جيد.لقد تحولت السهرة مع باهوز إلى تظاهرة فرح وطرب وحزن وحنين وسمو.. حلقات دبكة ورقص تتبعها وتتخللها فواصل من الشجن الكردي العميق.ما أجمل أن تسمع في أحد مقاهي استنبول غناء كردياً وتركياً وعربياً وسريانياً. لقد غنى باهوز بكل تلك اللغات, كما لو أنه يريد تذكيرنا بعمق ما يوحِّد هذا المتعدد المتنابذ المتشظي, وكما لو أنه أراد للغناء أن يبكي بالنيابة عنا, على مقامات وإيقاعات الشرق الموروثة والمختزنة في دواخلنا.
ياإله العرب والترك والكرد والفرس والسريان وبقية الأخوة الأعداء... ياإله الظنون والدم واليأس والتسامح واليقين.. أما آن لهذه الشعوب أن تصل معاً إلى ضفاف أحلامها؟ إلى ضفاف مستحيلاتها البسيطة والملعونة والمخاتلة؟!كان على داخلي أن ينزف كثيراً مع هذا الندب الكردي التموزي للمطرب وهو يتفجَّع على ضحايا حلبجة والسليمانية والقامشلي وما لا أدري.
من أين ينبع كل هذا الحزن الآسيوي البعيد؟ياأصدقائي الكرد.. لا تبكوا كردستان أكثر مما ينبغي.. فهي ليست ذاهبة وليست قادمة.. هي في داخلنا كما هي في داخلكم.. وسوريا في داخلكم كما هي في داخلنا.. هي سوريانا جميعاً.. هي سورياستان, وكردستان جزء منها ومن غيرها. كان هذا قبل سايكس بيكو وقبل اتفاقية قصر شيرين.. قبل الخارج برؤاه الاستراتيجية لمصالحة البعيدة وقبل الداخل بديكتاتورياته المحبوبة إلا من
شعوبها.لا أرثي غير ما ينبغي رثاؤه.. ولكن هذه الأصوات التي أسمعها, كما لو انها ندَّاهات بابل وآشور وميديا, تثير في داخلي دوامات من أسئلة تشهق ولا تزفر.
تلك الأصوات.. إلى أين تذهب ولا تعود؟ لماذا يتوجب على الحمام أن يتحوَّل إلى صقور, والماء إلى دم, والواحد والعشرون من آذار إلى الثاني عشر أو إلى عيد الأم؟!هات أيها الطنبور ماعندك وخذ ما عندنا.. هاتي يا كردستان ما عندك وخذي ما عندنا. في إحدى الأغنيات يستنجد المطرب بخاله فأشعر أنه يوميء إلي. من منا خال الآخر؟ وبماذا أستنجد أنا؟ أبما في تاريخنا من مجازر وكوابيس ولعنات, أم بما في مستقبلنا من احتمالات قابلة للحب والغفران والمواعيد؟أيها الكرد..يا أخوالي وأعمامي وغربائي الطاعنين. أعرف أنها أسئلة كاوية ودامعة ودامية. ولكن إلى أين يريد لنا هذا العماء وإلى أين لا نريد له؟من الذي يبيح لبابل أن ترث سومر؟ ولميديا أن ترث آشور؟ وهل مستقبلنا رابض هناك أم في ما نحاول معه كي يأتي؟وأعرف أيضاً أن هذا حديث شاعر طالع من مشارق الجنون. ليتني لم أكن شاعاً لأتبرَّأ من أحابيل هذه المنطقة النبية الملعونة. ليتني لست شاعراً لأكذب على نفسي وأهلي والآخرين. لأكذب على إخوتي اللبنانيين والعراقيين والمصريين والسوريين والليبيين والتونسيين وإلى آخر هذه السلاسل الشيطانية.

 

لاشيء نبدأه ولا شيء ننهيه. ربما لست المجنون الوحيد الذي يقول ذلك.. ولكن أليس جديراً بنا ما بينهما؟ يذهب الغناء الكردي إلى سفوحه وقد أنهكتني الأصداء. بعد قليل سينشقُّ الصباح عن ليل جديد. صباح الخير أيها الكرد الطيبون.. الكرماء الأوفياء.. الشجعان الجبناء.. المطعونون باختلاط الفوارق ما بين الدم والنفط.. أيها الكرد الذين تأخذكم الحياة إلى الموت, والتحالفات إلى الشقاق.. والوطن إلى الهجرة!ألا نستطيع أن نتعامل مع من ليسوا منا بشيء من الصلابة والمرونة, بشيء من التسامح والازدراء؟ ألا نستطيع أن نكون أهلاً لتحقيق علاقتنا كما يليق بالأهل؟ هل الهوة بيننا أوسع مما هي بين الفرنسيين والإنكليز والبلجيك والسويسريين والألمان وغيرهم؟! إني أتحدث عن المستقبل, فلا تطيلوا الوقوف عند أطلال هذا أو ذاك من أنظمة الاستبداد. الزمن نفسه لن يتوقف عندها طويلاً.
        

المراجع

odabasham.net

التصانيف

قصص  أدب  مجتمع   قصة