فلسطين في برلين
نضال حمد
nidalhamad@yahoo.com
منذ
عرف بعض الأصدقاء والأحبة في برلين بسفري اليهم للمشاركة في مهرجان ذكرى مرور 60
سنة على النكبة الفلسطينية. سارعوا للتحدث معي والارتباط بمواعيد إضافية ... سعدت
بذلك لأنني شخصياً مثل الأسماك لا اعرف العوم إلا في بيئتي ومحيطي. قلت لنفسي : مع
هؤلاء الأصدقاء سأجد بحري المناسب... منذ وعيت على الدنيا احببت الحياة بين الناس
وليس بين جدران الغرف المغلقة هنا أو هناك. محبتي للناس والاختلاط معهم توقعني بنفس
الوقت في الحرج. وظننت أن زيارتي لبرلين ستسبب لي حرجاً خاصة مع الأصدقاء
والأقرباء المتواجدون هناك بكثرة. لكن رغم تلك الحيرة وبوادر الحرج وافقت على دعوة
رفيقي القومي أبو مارسيل ونزلت ضيفاً عليه في الليلة الأولى من سفرتي الألمانية.
كانت سهرة جميلة حيث تعرفت على عائلته الفلسطينية التي أشعرتني أنني في بيتي وبين
أهلي. خاصة عندما حضر الإفطار في اليوم الثاني ، فكان تماماً كما الأفطار في بيتنا
في مخيم عين الحلوة، جبنة وبيض مقلي ، ولبنة وزيتون... باستثناء مربى (معقود)
الورد الذي صنعته والدة أبو مارسيل في مخيم النيرب بحلب. إذ أن هذا الصنف من المربى
تتميز به حلب ومن اختصاص ناسها. باستثناء ذلك كل شيء كان مخيمياً بكل معنى الكلمة.
في
يومي الثاني في برلين حللت ضيفاً على الصديق عبد خطار " ابو أمين" ، لاعب الكرة
السابق، ابن مخيم البدواي، صاحب موقع ومنتدى أبناء البدواي الذي ينشر يوميا اخبار
المخيم وكذلك اخبار ما يجري في برلين والمانيا على الصعيد الفلسطيني. هناك تعرفت
على عائلته وتيقنت بأن الفلسطيني لا يبدل نفسه ولا يغير جلده حتى لو سكن على سطح
القمر. غمرتني عائلته بحسن ضيافتها. وبالوعي الذي وجدته لدى الأطفال في البيت. ولم
يكن هذا غريباً إذ أن أطفال فلسطين الذين التقيت بهم في مهرجان النكبة أعادوني الى
أيام طفولتي في المخيم، إذ أنهم مازالوا يحملون فلسطين معهم في قلوبهم وعقولهم
وتفكيرهم ، يتنقلون بها و معها بين المدارس وفي الحارات والشوارع، يشرحون الصدور
المغلقة، يزيحون عن العيون التي لا تبصر غمامة الدعاية الاعلامية الصهيونية التي
مازالت قوية وخاصة في المانيا حيث الارث التاريخي للنازية وعلاقة الدولة بالكيان
الصهيوني. فألمانيا هي من أكبر الداعمين الماديين للصهاينة. ويكفي أن نعود قليلاً
الى الوراء، حيث تصريحات المستشارة الالمانية بهذا الخصوص، ثم تصريحات وزير خارجية
المانيا في تل ابيب اثناء احتفالات الصهاينة بما يسمونه استقلالهم أي نكبة شعبنا.
قال الوزير " نشكر اسرائيل لانها قبلت يدنا الممدوة ليدها". هذا كلام خطير يؤكد مدى
خضوع وخنوع المانيا للضغط الصهيوني واليهودي العالمي.
اثناء اقامتي عند الأخ عبد خطار تلقيت دروساً في تصميم المواقع الالكترونية واعداد
البرامج للمواقع. كنت بحاجة ماسة لمثل تلك الدروس والنصائح كي يظل موقع الصفصاف
بمكانته المعهودة. لذا ايها القراء الأعزاء إذا وجدتم تطوراً ملحوظاً في تصاميم
الموقع وفي صوره ومشاهده المرئية فعذا يعود لتك الدروس ولابي الأمين.
في
مهرجان النكبة ببرلين تجمع ابناء وبنات فلسطين ... جاءوا من المدن الأخرى ومن
التجمعات الفلسطينية القريبة من العاصمة الالمانية التي تحتضن عشرات آلاف
الفلسطينيينن كما هناك من حضر من مدن بعيدة ومن بلدان أخرى. تشرفت بتمثيل اتحاد
الجاليات والفعاليات الفلسطينية في اوروبا والشتات في المهرجان المذكور. وأكدت على
ذلك في مقابلاتي العديدة مع فضائيتي الجزيرة والعربية. ومع التلفزيون الالماني
وتلفزيون الفرماوي المحلي في برلين. وأكدت على الثوابت الوطنية الفلسطينية والقدس
واللاجئين وحق العودة، والوحدة الوطنية، وحق شعبنا بالمقاومة والسلام الحقيقي
العادل. وقلت أن قدسنا واحدة تشرق الشمس من شرقها وتغيب من غربها. وهي عاصمة دولة
فلسطين المحررة والمستقلة انشالله.
هناك في برلين لا يشعر الانسان بأنه خارج مكانه أو دائرته ، لأنه يجد نفسه بين
أهله وناسه. حيث أنه بجوار ومع الأهل الطيبين لا يتذكر الناس السيئين. ولا يذكرهم
لأنه يريد فقط أن يتذكر الخير والخيرين.. وهناك يمكننا ايجاد الكثيرين مثل هؤلاء
الطيبين. فبهم وبأمثالهم تحيا وتكبر وتستمر قضية فلسطين.
في
مهرجان برلين حيث التقيت بقريبي أبو شادي ، هذا الرجل الشجاع والصابر والمخلص لشعبه
وقضيته ووطنه ومخيمه وأهله وناسه . عادت بي الذاكرة الى سنة 1985 حيث كنت القيت
كلمة بمناسبة يوم الأرض وبالذات في برلين التي صادف أن كانت زيارتي لها هي الأولى.
جاءت في زمن المقاومة المستمرة، زمن ما بعد حصار بيروت ومجازر صبرا وشاتيلا (1982)
واصابتي هناك. كان ابا شادي حيوياً يتنقل هنا وهناك ، يحمل فلسطين كيفما ذهب. وكانت
صورة شقيقه علي أيوب الذي استشهد في عملية المنارة سنة 1973 لا تفارقه. ولا
تفارقني. فتحية لابي شادي الذي لم أتمكن من العودة لوداعه قبل السفر الى أوسلو.
ووردة حمراء متوهجة لروح علي شقيقه و أبن عمتي.
رأيت فلسطين في عيون أطفالها في برلين ... كانت علماً بيد طفل صغير لوح به ورقص
وأنشد طويلاً على أنغام فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية القادمة من رام الله
والبيرة. هذه الفرقة التي ألهبت مشاعر الجماهير بلوحاتها الفلسطينية الجميلة. فمزجت
بين التراث والحاضر والماضي. وأكدت بالرقص والغناء والكلمات على أن فلسطين هي
فلسطين نفسها التي شرد منها الآباء والأجداد. هي في حيفا ويافا وعكا وصفد والرملة
واللد وأم الفحم ودير حنا وسخينن وعرابة وكل الجليل وفي الضفة والقطاع والساحل
والمثلث والنقب. تماماً كما ذكرها صديقنا ابا كفاح في كلمته بالمهرجان و التي خاطبت
نبض الجماهير واستحضرت أرواح الشهداء. وأكدت على الوحدة والكفاح.
في
برلين رأيت فلسطين وردة على علم بيد طفلة قد تكون من عين الحلوة، برج الشمالي، تل
الزعتر، ضبية، البدواي، نهر البارد ... من بلاطة، جنين، العين، الدهيشة أو من
الوحدات، اربد، اليرموك، النيرب، التنف، يبنة، البريج ، جباليا .. من أي مخيم
فلسطيني في الشتاتين العربي والعالمي...
لاح العلم بيد الطفلة كما فاح عبير الوردة واختلط الجمع بالفرقة القادمة من رام
الله حين غاب انشادي مع أصوات الجماهير التي أنشدت مع الفرقة من برلين لفلسطين كل
فلسطين.
* نضال حمد – مدير موقع الصفصاف – رئيس الجالية الفلسطينية في النرويج