حسناً.. فإن الرجل حرمة المرأة، ألا تأبى المرأة أن تكون حرمة الرجل؟ بل الأصح –وبمعنى أدق- ألا تأبى بعض النسوة أن يكن حرمات للرجال؟؟
فليكن الرجل إذاً حرمة للمرأة! وما الضير في ذلك؟!
ولكن، قبل أن نوغل في الحديث عن "الحرمة" وقبل أن نلجأ إلى التصنيفات المتعلقة بهذا المصطلح، أفلا ينبغي
أن يحدد بالضبط، معنى المصطلح نفسه، والصورة المرسومة له في ذهن كل منا، كيلا يكون حوارنا حوله مجرد "حوار طرشان"؟!
جاء في القاموس المحيط: "... والحرمة.. ما لا يحل انتهاكه..
ومن يعظم حرمات الله أي ما وجب القيام به، وحرُم التفريط فيه.. وحُرمك –بضم الحاء- نساؤك، وما تحمي، وهي المحارم الواحدة مَحرُمة.
وتحرّم منه بحُرمة، تمنّع وتحمّى بذمة".
وجاء في أساس البلاغة: "هتك حرمته، وفلان يحمي البيضة ويحوط الحريم".
وفلان محرم: له ذمة وحُرمة. وتحرم فلان بفلان إذا عاشره ومالحه وتأكدت الحرمة بينهما.."
وجاء في المعجم الوسيط: "حَرُم الشيء –حرمة امتنع "الحرم" مكة. والحرمان: مكة والمدينة.
وحَرمُ الرجل: ما يقاتل عنه ويحميه..
الحرمة: مالا يحل انتهاكه من ذمة أو حق أو صحبة أو غير ذلك..
و.. المرأة و –حرم الرجل وأهله و-المهابة.
"الحريم: ما يحرّم فلا ينتهك.. ومن كل شيء: ما تبعه فحرم بحرمته من مرافق وحقوق، فحريم الدار: ما أضيف إليها من حقوقها ومرافقها، وما دخل في الدار مما يغلق عليه بابها..
"المحرّم: ذو الحرمة.
"المحرمة، والمحرُمة: ما يحرم انتهاكه من عهد أو ميثاق أو نحوهما.
و-زوجة الرجل وعياله وما يحميه "ج" محارم.."
هذا بعض مما جاء في كتب اللغة، حول الحرمة والحريم، فأية امرأة في الدنيا تأبى، على ضوء المعاني الواردة، أن تكون حرمة لرجل، من أب أو أخ أو زوج، أو ابن أو عمّ، أو خال؟ وأية امرأة في الدنيا تصرّ على أن تكون "مقطوعة من شجرة" فلا تجد من يحميها إذا تعرضت لأذى أو ضيم أو هوان، من قريب أو بعيد، أو من ذئب مفترس أو ثعلب ماكر؟ بل –ومن المنظور ذاته- أي رجل يأبى أن تصون زوجته، أو أمه أو أخته، أو ابنته، سمعته في غيبته، ومهابته وكرامته وحرمة بيته وكرامة أبنائه وبناته؟
إن سمعة الرجل من سمعة المرأة التي تخصّه، وسمعة المرأة من سمعة الرجل الذي يخصها، وكل منهما حرمة لصاحبه، أياً كانت العلاقة بينهما، سواء أكانت علاقة زوجية أم أخوة أم بنوّة، أو أبوّة..
فأية درجة من درجات الترابط الاجتماعي والإنساني أقوى من هذه؟
أهي تلك التي تباع المرأة فيها، في سوق النخاسة أو سوق العمل أو سوق الرقيق الأبيض، أو سوق الشعارات المضللة الجوفاء، ذات الأهداف التدميرية الرهيبة؟
إن الجارية نفسها –حتى الجارية- تفضل أن تكون جارية لرجل واحد، يؤويها ويحميها على أن تكون جارية لكل رجل في كل زمان ومكان، وكل يعاملها حسب مزاجه، وحسب درجة سكره في خمارة أو مرقص أو ماخور، دون أن يحميها أحد، أو يغار عليها إنسان، أو يثأر لكرامتها ذو نخوة.
وإذا كانت الجارية كذلك، فالحرة العفيفة أشدّ حرصاً على كرامتها من الامتهان، وأقوى أنفة وإباء من أن تهدر قيمتها الإنسانية، فتصبح سلعة رخيصة في الأسواق، أو كرة تتقاذفها الأيدي والأرجل والأمزجة والنزوات.
وإذا كانت المرأة تخاف، أو باتت تخاف، من ظلال هذا المصطلح "الحرمة" الذي شوهته ذئاب البشر، لتهدر مكانة المرأة فترتمي بين مخالبها، فما المانع من أن تقلب الصورة –لو مؤقتاً حتى تستعيد المرأة توازنها وتعود إليها الرؤية الصحيحة للأمور.. نقول: ما المانع من أن يكون الرجل –كما هو في واقع الحال- حرمة المرأة، تحميه وتصون كرامته وكرامة بيته، وتدرأ عنه ألسنة السوء، وتقمع دون عرضه شهوات الذئاب؟
ما نظن أخانا الرجل يأبى ذلك، ما دام هو في حقيقة الأمر كذلك، وما دامت النتيجة في التحليل الأخير واحدة: هم حرمات لنا، ونحن حرمات لهم، شاؤوا أم أبوا، وشئنا أم أبينا، ومن رفض أن تصون كرامته "حرمته" بمعناها العام، أمه أو أخته أو ابنته أو زوجته، فليبحث لنفسه عن بديل غير هؤلاء.. ومن رفضت أن يحمي كرامتها "حرمتها" أبوها أو أخوها أو ابنها أو زوجها.. فلتبحث لنفسها عن بديل غير هؤلاء..! ولكن أين يجد هو، أو تجد هي، بديلاً غير مخالب الذئاب!؟؟
بقلم فدوى جاموس
المراجع
odabasham.net
التصانيف
شعر شعراء الآداب