ذكرى المولد رسالة متجدّدة إلى الأمة
بقلم :د.فواز
القاسم
يحتفل العالم العربي والإسلامي ، في الثاني عشر
من ربيع الأول ، من كل عام هجري جديد ، بذكرى مولد الرسول الكريم ، سيدنا محمد صلى
الله عليه وسلم ، ويعبّرون عن احتفالهم هذا بإقامة مظاهر الفرح والزينة،
وإحياء السهرات ، وتنظيم الحفلات ، وإلقاء
المحاضرات ..إلخ
ولسنا نرى بأساً ، في أن تكون لتلك الذكرى
العطرة ، ميزة إدخال الفرح إلى القلوب ، وإشاعة البهجة في النفوس ، وتعزيز روح
الأمل والتفاؤل لدى أبناء الأمة المكدودة ، التي كتب لها أن تعيش في هذا الزمن
الصعب ...!!!
ولكننا نرى ، أن لا يقتصر تفاعل الأمة مع
الأحداث الهامة في تاريخها _ كذكرى المولد الشريف _ على مجرّد المظاهر والشكليات ،
فحسب ...
بل الواجب أن نتخذ من هذا الحدث المبارك وأمثاله
، مناسبة لعقد العزم ، وتجديد العهد ، للقيام بعمل إيجابي فاعل ، يهدف إلى نقل
الواقع الحالي للأمة ، نقلة نوعية ، على طريق الالتزام التام ، والتطبيق الأمثل ،
للقيم والمعاني والمباديء العظيمة ، التي من أجلها ولد صاحب الذكرى ، صلى الله عليه
وسلم ...
إننا نرى في ذكرى المولد النبويّ الشريف ، رسالة
متجدّدة إلى كل فرد من أبناء الأمة ، كلٌّ حسب دوره وموقعه وتأثيره ...
فهي رسالة إلى الزعماء والقادة : تذكّرهم
بالأصول والقيم والأخلاق ، التي أقام عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم دولته ،
وربّى فيها جنوده ، وقاد من خلالها شعبه ..
وتدعوهم جميعاً للاقتداء بها ، والسير على نهجها
...
وتطالبهم _ وبدرجة من الإلحاح ، تعكسها حالة
العجز والعقم التي وصلت إليها كل القيم والمباديء والأفكار والشعارات المطروحة في
العالم عموماً ، وفي الغرب الاستعماري على وجه الخصوص _ بأهمية الرجوع المخلص إلى
النهج الكريم المنقذ ، الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، وتفهّمه وتطبيقه ...
وهي رسالة إلى أصحاب المباديء والدعوات :
تذكّرهم بالأصول والمباديء والنواميس ، التي أنشأ عليها رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، دعوته ورسالته ، وربّى عليها رجاله ، حتى استطاع بتلك التربية المعجزة، أن
يقيم أعظم دولة عرفها العالم ، وينشيء أروع حضارة عرفها التاريخ ..!!!
وهي رسالة تخاطب الداعية المسلم ، وتطالبه أن
يقوّم فهمه وسلوكه ودعوته ، وفق ما جاء به الداعية الأول، صلى الله عليه وسلم ..
وتخاطب المجاهد المسلم ، وتطالبه أن يستمدَّ
عزيمة صبره وثباته ، وضوابط جهاده واستشهاده ، من قائد المجاهدين الأول صلى الله
عليه وسلم ...
وقل مثل ذلك في العالِم ، والعامل ، والمزارع ،
والزوج ، وطالب العلم ، وكل مواطن في الأمة ، مهما كان شأنه ، وأياً كان موقعه
وعمله ...
فالجميع مخاطبون بهذه الرسالة الكريمة ،
ومطالبون أن يصححوا حياتهم بموجبها ، ويرتقوا بمستوياتهم إلى آفاقها ، لأن الحب
الحقيقي لصاحب الذكرى صلى الله عليه وسلم ، يتمثل بالاقتداء به ، والتأسي بأخلاقه ،
والسير على منهجه ، لا بمجرد إحياء السهرات ، وإقامة الحفلات ، وإلقاء المحاضرات ،
فقط ...!
بسم الله الرحمن الرحيم
(( قل إن كنتم تحبون
الله ، فاتبعوني يحببكم الله ، ويغفر لكم ذنوبكم ، والله غفور رحيم ، قل : أطيعوا
الله والرسول ، فإن تولّوا ، فإن الله لا يحب الكافرين
)) آل عمران ( 31 ) صدق الله العظيم ...