توصيفاً وتقريراً لوضع فرعون مع شعبه قال الله تعالى : " فاستخف قومه فأطاعوه " ،
ويأتي ( آتين دي لا بوليسيه ) في القرن السادس عشرَ ليأخذ طرفاً من هذا المعنى
القرآني في ، فيقول " إن ضعفنا نحن البشر كثيراً ما يفرض علينا طاعة القوة ". ( من
مقاله : العبودية المختارة ) نقلاً عن مجلة وجهات نظر _ حزيران 2004 .
ويقول
تشرشل رئيس وزراء بريطانيا ما معناه : الديمقراطية أفضل الأنظمة السيئة .
إنهم
يعبدون شيئاً تائه المعالم ، قسماتهم توحي بأنهم يكذبون ، يعرضون صورة شوهاء لعبادة
وثن وهمي ، يريدونك أن تُطلِّق كل شيء ، كل تجربة ، كل خبرة ، كل عبادة ، وتتجه
بقلبك ، بوجهك ، بعقلك .. باتجاه شبحٍ أسموه " الديمقراطية " ،وأن تلقي ببرنامج
أيامك بين أيادي دعواهم .
إذا
سألتهم عن الحرية .. قالوا لك الديمقراطية هي المفتاح ، صناديق الاقتراع هي البوابة
، ألا ترون ها هي طيات الخوف من الظلم تجرف القلوب ، لتلتجئ إلى الديمقراطية ،
فتسكن معابدها الوهمية ، التي تزخر بطقوس الخداع والتضليل ، وتنشر بخور الزيف ،
مخفية خلف ضبابه كل عمليات المراوغة والرشوة والإنفاق المالي المسرف .. المسكونة
بالنزوات الفئوية والنفوذ المشبوه لمجموعات الاختراق القاري للصناعات العسكرية
وكارتيلات صناعة الاتصالات و الإعلام .
ولكن
.. قص عليَّ براهين ذلك الوثن .. ألا ترى أني لا أفهم تلك الدعوة بعد .!؟ فقد أثقل
جوع الحرية أذيال الفهم ؛ إذ إني أرى أبرهة .. تيمورلنك .. هولاكو .. هتلر ..
يجتاحون الأرض كل الأرض ، حاملين بأيمانهم كل ما يملكون من وسائل دمار ، وبالأخرى
أيديولوجية السوق والنظام العالمي الجديد المدججين بالوثن وطقوسه الزائفة ...! وهم
يتجهون من غرب إلى شرق .. ويا ويح من يقف في الطريق ؛ تلك اذاً كرةٌ خاسرة، أبصر ما
فعلته الديمقراطية القادمة من هناك في أفغانستان .. في العراق .. في فلسطين .. في
باكستان .. في كشمير .. في الشيشان .. في .. في ..
ولماذا نبتعد فنجول هنا وهناك .. فها هي بركات الوثن الذي يدعى إلى عبادته على أنه
مفتاح السعادة للشعوب في كل باب ، تحل مبكراً في مجتمعاته الموردة " للدين الجديد "
وإن كنت تريد البرهان فانظر إلى قوانين مكافحة الإرهاب . والهجوم الفادح على
الإسلام ، ووضع كل ذي سحنة شرقية موضع الاشتباه والاتهام ، وقوانين منع الحجاب
الإسلامي ، والاعتقالات اليومية لأناس شرقيين وقوانين مراقبة الاتصالات والمراسلات
وقوانين منع الهجرة الاسلامية أو تحديدها .. إلى آخر ما هنالك من مظاهر انفتاح
الحرية ، وتطور " الديمقراطية " ! ..
إنك
إذا سألتهم عن الحداثة والتطور الاجتماعي والاقتصادي واجهوك بوثنهم الوهمي ، فإذا
تطلعت حولك واستحضرت التاريخ ، وضممت إليك تجارب دول لا تختلف بمنهجها السياسي عن
كثير من دول العالم الثالث .. وجدت أن الوثن لا يصلح أن يكون علامة مميزة لإعلاء
التطور وإنفاذ الحداثة ، فهذه الصين أعلنت التطور في اقتصادها ، وأنفذت الحداثة في
صناعتها ، رغم أنها لم تخدع بوثن الأوهام ، وبقيت إلى حدٍّ كبير داخل اجتهادها
السياسي بغض ، النظر عن بعض التحولات في الحواشي والأطراف ..!
انظر
إلى ماليزيا إنها دولة عالم ثالث من ناحية النظام والعمل السياسي وصندوق الاقتراع ،
ولكنها أخذت بزمام التطور المادي والصناعي وانطلقت فيه شأواً واسعاً ، ووضعت شراعها
الاقتصادي في لجج الأسرار التي تقول : انتظر صباحات الإشراق ..
وتلك
المانيا ونظامها الهتلري مثالاً ؛ فقد كانت شهب الحرية فيها تغيب خلف سحب الفاشية
والنازية ، ومع ذلك فقد بلغ التقدم المادي فيها درجة متقدمة من الصناعات
والتكنولوجيا والحداثة ..
وعرج
بعد ذلك إلى نظام الستار الحديدي في الاتحاد السوفييتي .. الذي بلغت فيه الحداثة
والتطور الماديين والتقدم الصناعي والقوة النافذة في العالم شأواً لم يتح لكثير من
دول أصحاب الوثن ودعاة الديانة الجديدة بلوغه . وهذه أوروبا كلها بدأت مسيرة التطور
المادي والاقتصادي منذ القرن السادس عشر أو قبله و مشت مسافات بعيدة في هذا الاتجاه
، مع أن أنظمتها السياسية والاجتماعية ظلت تغط في نوم عميق من الكآبة والفردية
وانعدام الحرية ، يسيطر فيها على الحياة أمثال بسمارك ونابليون وفرانكو وهتلر
وموسوليني .
لذا
واستنتاجاً من ذلك نستطيع القول : إن أهل التبعية والتقليد في أمتنا من دعاة تأجيل
كل شيء إلى حين يُنصب لوثن الوهم هيكل ، وتقام له طقوس .. يريدون إخفاء عجزهم عن
تقديم البدائل ، ودخول معمعة التقدم بإلقاء اللوم على أشباح تُرحل مع غيابها
المشكلات ، وتؤجل الحركة والحياة ، وتكسف الشموس ، وتسدل الأستار على إمكانيات أمة
ومذخورها الحضاري ، ونهجها الأخلاقي والإنساني ، انتظاراً للمنقذ المستورد ، الذي
يعلم هؤلاء قبل غيرهم أنه مجرد وهم ، يختبئ داخل صناديق اقتراع ، يصنع نتائجها في
بلادها التي اخترعتها مراكز قوى تنفق هائلاً من الأموال وتطلق "ميديا" كثيفة من
الدعايات والدعوات الصانعة للقناعات باتجاهات مشبوهة مدخولة تدفع مصروفها " لوبيات
" تقود الناس إلى مآلات مدمرة .
ويجب
أن يكون معلوماً أن كلامنا الذي قدمنا به ، ليس معناه رفضاً للديمقراطية ، ولكنه
رفض لوثنية المصطلح وهيمنته ، بحيث يصبح عامل تأجيل للحركة والحياة ، وبحيث يكون
غيابه جواباً عن كل قصور ، وبديلاً عن الانطلاق من أية نقطة تنهي فترات الانتظار ،
وتوقف حالات وضع النفس في موقع الاستخفاف الفرعوني ، و تنفي استيلاء الضعف عليها
استيلاءً يخضعها للسكون تحت تهديد القوة ، وذلك بانتظار حضور أفضل الأنظمة السيئة
على حد قول تشيرشل ..