عندما تتلاشى النعال
***************
مهداة بتواضع :
إلى " عمالقة السجون "
إلى أبطال " حرب الأمعاء الخاوية "
إلى كل الأسرى في سجون الاحتلال في كل مكان ..
=====================
النعال الضخمة تنهال على وجهي .. على صدري، بغيظ .. بحقد .. بغل .. بجبروت. أناتي المكتومة تزيد النعال ضراوة، ينبثق الدم من وجهي من فمي .. من أنفي .. من عينيّ، قررت منذ البداية ألا أصرخ ، ألا أستغيث، ألا أستعطف، ألا أنطق....
ركلات النعال تزداد قوة، تزداد عدداً، سرعة، لن أصرخ ، لن أستغيث، لن أستعطف ، لن أنطق ، أتطوح بعنف، أسقط إلى الأرض، النعال تتوالى بركلاتها الوحشية نحو وجهي .. نحو عيوني ، أشخص إليها، أراها تقترب من عينيّ .. تصطدم بوجهي بقوة ، أدور بعينيّ حولي ، النعال تزداد، تكثر، تركل، تركل، تأتي عن بعد، تقترب، تكبر، تكبر .. تصطدم بوجهي بقوة ، بقسوة ، ينبثق الدم من وجهي من فمي .. من أنفي .. من عينيّ ....
أرتفع ببصري قليلاً قليلاً، إلى الوجوه الغريبة، أدقق النظر، أفاجأ، أدهش، الوجوه تحولت إلى نعال ؟! أصبحت الوجوه الغريبة نعالاً، تحدق بي، تنظر نحوي بسخرية، تقترب مني ببطء ، تقترب أكثر.. أكثر.. ترتطم بوجهي بقوة، بعنف، بقسوة.. تتلاشى النعال، تتلاشى الوجوه ، يتلاشى الإحساس بها ، بالحياة....
طرقات النعال عن بعد سيمفونية نشاز شيطانية ، توقظني من غيبوبتي الطويلة ، أتململ ، أحاول فتح عيوني ، ثقيلة كالجبل ، تأبى الانصياع ، أمد يديّ نحو عينيّ أساعدها .. تفشل يديّ ، أمد كلتا اليدين ، بالكاد أستطيع أن أباعد الجفون ، بالكاد أفسح المجال للرؤيا ، لا أحد حولي ، طرقات نعال الحارس في الخارج تزداد، تقترب، تصخب، تهدر، أغلق عينيّ المغلقتين ، أصم أذنيّ بأصابعي .. طرقات النعال تهدر، تدوي، تخترق جبال العيون ، وأقفال الآذان ، تختلط بصدى ركلات النعال المحفورة في وجهي، في نفسي ، طرقات نعليّ الحارس في الخارج تدوي بعنف ، ركلات النعال تحطم وجهي ، تحيط بي من كل صوب ، تحدق بي ، تخرج لي ألسنتها تهزأ بي ، تقترب ببطء .. ببطء ، ترتطم بوجهي، بعينيّ بقوة ، بقسوة . طرقات نعليّ السجان في الخارج تبتعد .. تبتعد ، تتلاشى....
هدوء موحش كهدوء القفر ، سكون مخيم كسكون القبر ، استحالت جدران الزنزانة إلى نعال ، الباب ، النافذة ، السقف ، " الجردل " ، نعال .. نعال .. تزحف نحوي تقترب مني ، تصفعني .. تركلني بشدة ، تعود إلى الوراء ، تعود إلى الاقتراب لتصفع ، لتركل ، لينبثق الدم ....
من قدميّ إلى سقف الزنزانة كنت معلقاً ، رأسي إلى أسفل ، أنظر إليهم من حولي، صورة مقلوبة ، أشكالهم تثير الضحك ، تثير السخرية ، وجوههم التي تشبه النعال إلى أسفل ، نعالهم التي تشبه وجوههم إلى أعلا ، ابتسمت للمشهد المضحك ، ضحكت ، دوت ضحكاتي تغطي صخب ركلاتهم ، عجبت للصورة المقلوبة ، لم أرَ قبل الآن نعالاً فوق الرؤوس سوى نعالهم ، ولم أرَ وجوها تشبه النعال سوى وجوههم ، غطت الابتسامة وجهي .. الركلات ، لم أصرخ .. لم أتألم .. بلغة غريبة سمعتهم يصرخون ، بشكل هستيري رأيتهم يتألمون ، يركلون ، يصرخون ، يتمزقون...
منذ البداية قررت ألا أصرخ ، ألا أستعطف ، ألا أستغيث ، ألا أنطق . في النهاية قررت أن ... أن أهزأ بالنعال ، أسخر منها ، أمد لها لساني مستهزئا ساخراً0
أقدام السجان في الخارج تقترب ، تدب على الأرض بعنجهية ، تدق الأرض بعصبية ، القدمين تصبح أقدامًا .. آلافاً ، تقترب .. تزداد صخباً ، تقترب ، ينظر السجان من ثقب الباب نحوي ، كفحيح الأفعى بلغة غريبة تمتم : " ما زال حياً ؟! " ...
تمتمت في سري : " نعم .. ما زلت حياً وسأظل ، رغم أنهم لا يريدون "
مفتاح الزنزانة الصدئ يدور في ثقب الباب بقوة ، تندفع النعال داخل الزنزانة ، تحيط بي ، تركلني ، أمد لها لساني سخرية ، تنهال الركلات على وجهي ، على فمي ولساني ، أُسرع بإدخال لساني إلى الداخل ، أخرجه آلاف المرات ، تنهال عليه آلاف الركلات ، أحاول النهوض ، تحاول النعال منعي ، أبصق عليها ، أُقاوم .. أستند إلى ذراعيّ، تنهال ركلات النعال إليها ، أُقاوم ، أنهض ، تنهال الركلات إلى وجهي كالمطر ، ينبثق الدم كالشلال ، أُقاوم .. أنهض .. أسمو فوق ركلات النعال ، يتلاشى الإحساس بالألم ، تقابلني الوجوه التي تشبه النعال ، ترتطم بوجهي بشدة ، أبصق عليها .. أُقاوم .. أسمو فوقها، أصل سقف الزنزانة ، أحطمه برأسي.. أُصبح عملاقاً ، أخترق السحاب ، أصل إلى القمر .. الشمس .. الكواكب .. النجوم ، أنظر إلى الأسفل ، النعال تتقزم ، الوجوه التي تشبه النعال تتلاشى .. تندثر .. دمائي بأرض الزنزانة تزهر وردة .. زهرة .. زنبقة عملاقة ، مئة وردة .. ألف زهرة ... مليون زنبقة .. تحطم الجدران .. تحطم الأسوار .. تخترق السحاب، لتصل إلى القمر ، إلى الشمس ، إلى الكواكب ، إلى النجوم .. تعانقني ، أعانقها، تشمني ، أشمها .. ننصهر في جسد سرمدي ...
المراجع
odabasham.net
التصانيف
ادب قصص مجتمع قصة