الاسواق1

اشتهرت الاسواق، او التجارة المحلية، في الجزيرة العربية قبل الإسلام، بسبب الاحلاف والاشهر الحرم. وكانت هذه الاسواق عديدة ومتنوعة في كافة منتجاتها ، منها الدائم ومنها الموسمي . وانتشرت هذه الاسواق في مناطق عديدة داخل الجزيرة العربية، وأصبح  لكل مدينة وقرية تقريباً اسواقها. وتحولت المدن الواقعة على طرق التجارة البرية والبحرية محطات للقوافل والمسافرين. وكانت أغلب الاسواق تقام في اوقات قدوم القوافل، فيقصدها الناس من مستهلكين وتجار، يتبادلون عروض التجارة والصناعة والزراعة. وكان اختلاف انواع المحاصيل والغلات والمصنوعات الحرفية قد اسهم في نشأت هذه الاسواق وتوسعها.

واشتهرت أقطار ومدن بنوع من هذه الانواع. فالبخور في ظفار والبحرين والسيوف والبرد في اليمن والجلود المدبوغة في الطائف. وفي الشام الزيت والخمر والاعناب والزبيب. وفي هجر والبحرين التمور، بينما الخمور في بصرى والعطور في عـدن والبتراء والمعادن تصَنع في نجران. وكانت المناطق الزراعية بحد ذاتها أسواقاً للمحاصيل الزراعية يرتادها سكان القرى والمناطق المجاورة وأهل البادية لشراء ما يحتاجون اليه او لبيع ما عندهم من أصواف وأغنام وجمال وألبان وأجبان وحبوب وتمور.

أساليب البيع والشراء في تلك الاسواق

كانت القليل من هذه الاسواق دائمة تستمر طيلة السنة وبعضها الآخر موسمي. ومنها ما هو متخصص بسلعة او يشمل أكثر من سلعة واحدة. وكان التجار يمكثون في الاسواق يبيعون ويشترون حتى ينتهوا من تجارتهم. ولهم في البيع والشراء أساليب مختلفة، منها :

- بيع الملامسة حيث يلزم المشتري بشراء السلعة التي لمسها .
- بيع المهمهة والايماء خوفاً من الكذب والحلف .
- بيع برمي الحجر او الحصاة .
- بيع الملاقيح (ما تحمله اناث الابل)
- بيع المضامين (ما سينتج من فحول الابل)
- بيع المعاودة (بيع نتاج الابل لسنوات)
- بيع المعاومة (بيع ثمر الشجر لعامين او أكثر)
- بيع المزابنة (بيع الرطب او رؤوس النخل بالتمر كيلاً)
- بيع التصرية (امتناع البائع عن حلب شامته اياماً قبل بيعها حتى يظن المشتري ان لبنها كثير)
- بيع ضربة القابض (ما يخرج من صيد في البر او في البحر)
- بيع ضربة الغائص (ما سيخرجه الغواص من اللآليء)
- بيع المخاضرة (بيع الثمار خضراً) .
- بيع المنابذة (متى نبذ البائع سلعته الى المشنري وجب البيع)
- بيع السرار ( إختص به سوق عكاظ )
- بيع الاجنة (في بطون امهاتها .من المواشي والانعام)

كانت هذه الأسواق الدائمة تقام في العادة في وسط المدينة او القرية او أمام معبد او عند ملتقى الطرق في مكان محايد يمكن رؤيته من مسافة بعيدة او في ميدان واسع يتصل بطريق يبدأ عند بوابة المدينة. وكانت الحوانيت تقام على جانبي الطريق وتخضع لاشراف السلطة التي كانت تعين موظفاً يراقب عمليات البيع والشراء ويشرف على تطبيق الانظمة ويمنع الغش ويحصِل الضرائب من الباعة. وكانت هذه الاسواق الدائمة تستمر طوال العام. وكانت غالبية المدن تعد أسواقاً دائمة. وقد يقتصر تبادل السلع فيها بين المقيمين او بينهم وبين الذين يفدون اليها من البلدان والمناطق المجاورة. وقد يوجد في المدينة الواحدة أكثر من سوق. فالبتراء مثلاً كانت تضم ثلاث اسواق تباع فيها سلع متنوعة، بينما تخصصت اسواق اخرى ببيع سلعة معينة. فقد كان للعطارين سوقهم ولباعة الفخار سوقهم ولباعة الماشية سوقهم .

كانت الأسواق الموسمية معارض تجارية وكانت تقام في أماكن متعددة من شبه الجزيرة العربية وبحماية قبائل مختلفة وضمن أوقات متفاوتة. فمن أسواق تنعقد في الأشهر الحرم  (هي اربعة: رجب، ذو القعدة، ذو الحجة، والمحرم). وكانت المناطق المحيطة بالكعبة حرم دائم، ومنها سوق حجر اليمامة الذي يستمر حتى نهاية المحرم وسوق نطاة الذي كان يستمر لعشرة ايام، وسوق حباشة وسوق صحار وسوق دبي وسوق حضرموت وسوق عكاظ الذي كان يستمر عشرين يوماً خلال شهر ذي القعدة، وسوق مجنة وسوق ذي المجاز .

أسواق موسمية

كانت هنالك اسواق موسمية تنظم في أشهر أخرى منها :

- سوق دومة الجندل . تنعقد السووق في اول ربيع الاول وتنتهي في منتصفه . تقع دومة الجندل في منطقة الجوف شمالي الحجاز على حدود الشام في نقطة متوسطة بين المدينة والخليج العربي والشام . وهي حصن منيع تحيط به قرى لبني كنانة من قبيلة كلب . كان يرتاد السوق القادمون من العراق والشام وشبه الجزيرة العربية . كانت تحميها قبيلتا كلب وجديلة طيء . وكانت هذه السوق كثيرة الرواد لأن فوائدها وافرة ، رغم مخاطر طريقها ووعورة مسالكها وطول السفر اليها . وكان البيع فيها يتم بالرمي بالحصاة او بالحجارة .

- سوق هجر . ينعقد في مطلع ربيع الثاني. يشتمل اسم هجر على أرض البحرين عامة. وتعد هجر كما اليمن وعُمان من أخصب مناطق شبه الجزيرة العربية وأكثرها رخاء. لأهلها اسباب للعيش غير التجارة، كالغوص على اللؤلؤ. وهي على اتصال تجاري دائم ببلاد الفرس والهند. وكانت تأتيها البضائع المختلفة من هذين البلدين وبلدان اخرى مما جعلها مقصد الناس الراغبين بالحصول على ما يوجد فيها ولا يوجد في غيرها. كانت قوافل كسرى تحمل الى سوق هجر لطائم تحمل الطيب فيباع فيها وترجع محملة بالبضائع المختلفة والطمور. وكانت العرب تقصد سوق هجر بعد انفضاض سوق دومة الجندل.

- سوق عُمان . ينعقد بين آخر شهر ربيع الثاني وينتهي بنهاية شهر جمادي الاول. قيل قديماً : "من تعذر عليه الزرق فعليه بعمان"، فأرضها غنية وتجارات أهلها كثيرة. إشتهرت بالورس الأصفر الذي يصبغ به وبالعنبر. بقيت سوقها تقام في موسمها حتى ايام الرشيد. تقع دبى على ساحل البحر وكان فيها بضائع اجنبية يحملها التجار من بلادهم بحراً وبراً، ومنها كانت تنفذ تجارات العرب الى الخارج. البيع فيها كان بالمساومة. لا يباع فيها شيء حتى يبيع ملكها كل ما عنده، وهو الذي يعشر الناس (يأخذ عشر اموالهم) فيها، كما يفعل غيره من الملوك. كان الجلندي بن المستكبر أشهر ملوكها.

- سوق المشقر . يبدأ في اول جمادي الآخرة وينتهي مع انتهاء الشهر. وكان يقام في حصن بين نجران والبحرين، وهو مكان قريب من هجر. كان لكسرى سطوة على هذا السوق، شأنه في ذلك كما في سوقي هجر وعمان. وكان قاصدها لا يستغني عن حمايته. اما حماة السوق فكانوا من بني تميم. وكان البيع فيها بالملامسة والايماء والمهمهة. لم يسمح أهلها ببيع تجارة او عرضها حتى تنفق تجارتهم بتمامها .

- سوق الشِحر . يجري في النصف الثاني من شهر شعبان. تقع الشحر على الساحل الجنوبي في شبه الجزيرة العربية بين عمان وعـدن. البضائع الرائجة فيها البز والأدم والمر والصبر والدخن. البيع فيها كان يتم برمي الحصاة والقاء الحجارة. لا يسير قاصدها الا بخفارة لبعدها وانقطاعها عن بقية المناطق المجاورة. لم يكن فيها عشور .

- سوق عدن . ينعقد في العشر الاول من رمضان. كانت عدن تخضع للنفوذ الفارسي وتقع على بحر اليمن.

- سوق المربد . تقع على الجهة الغربية من البصرة وأفرب الى البادية. كانت في الجاهلية سوقاً للابل واشتهرت بعد الاسلام وحافظت على الكثير من خصائص وعادات اسواق ما قبل الدعوة، وزادت عليها واصبغتها بخصائص الحضارة الجديدة، فكانت مرآة لحياة العرب قبل الإسلام وبعده. كانت مسرحاً لدعوات سياسية ودينية ومنبراً لأهل العلم. وكانت كل قبيلة تعرض فيها شعرها ومفاخرها وتجارتها .

- سوق صنعاء . يقام في النصف الثاني من رمضان .       

- سوق صحار وسوق دَبا والذي يقع في سلطنة عُمان . تقع صحار في عمان على شاطئ البحر، وهي أعمر مدينة في عمان وأكثرها مالاً. كثيرة الفاكهة. جاءتها السلع من مختلف اقطار شبه الجزيرة العربية. لم تكن من الاسواق العامة، بل سوقاً تجارياً فقط. البيع فيها بالقاء الحجارة. كانت تنعقد السوق بين العاشر من رجب والخامس عشر منه.

- سوق الرابية . في حضرموت .

- سوق عكاظ . (نتحدث عنه ادناه)

- سوق ذي المجاز القريب من مكة.

- سوق نطاة خيبر الى الشمال من المدينة المنورة.

- سوق حجر . يقام في اليمامة غربي البحرين وجنوبي العراق .

ومن أنظمة هذه الاسواق الرهن، بحيث كان المشتري يرهن متاعه وولده لحين سداد دينه. وكذلك نظام المقايضة، أي تبادل سلعة بأخرى. ومارس العرب كذلك تبادل السلع بأوزان المعادن الثمينة، كالذهب او الفضة. وهي عادة قديمة مارسها من قبل تجار بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين.

لم تتفق المصادر العربية حول عدد هذه الاسواق وعلى مواقيت إقامتها. فمحمد بن حبيب في كتابه "المحبر" يحددها باثنتي عشرة سوقاً. وقد وافقه اليعقوبي في "تاريخه" على عشرة منها بعد ان حذف سوق حجر اليمامة وسوق نطاة خيبر، بينما يذكر الهمداني انها اربعة اسواق فقط، هي عدن وعكاظ وحجر اليمامة وذو المجاز وأضاف اليها سبعة اسواق لم يأت على ذكرها بن حبيب، وهي نجران وبدر ومكة ومنى والجند ومجنة وهجر البحرين، أي ان الاسواق في رأيه بلغت احد عشر سوقاً. أما القلقشندي في كتابه "صبح الأعشى" فحدد الاسواق بثمانية هي دومة الجندل وهجر وعمان والشحر وعدن وحضرموت وصنعاء وعكاظ. أما المرزوقي فجزم في مؤلفه "الازمنة والأمكنة" ان الأسواق الموسمية قبل الاسلام بلغ عددها سبعة عشر سوقاً مضيفاً الى لائحة ابن حبيب خمسة اسواق هي مجنة وبُصرى ودير ايوب (في حوران وتسمى الآن قرية الشيخ سعد) واذرعات (درعا) والأسقى.


المراجع

al-hakawati.net

التصانيف

تجارة  أسواق   الجغرافيا   العلوم الاجتماعية