أبو
ربيع، هاني محمد الطائع، عاشق الكتاب.
كنتََََََ إذا قلت في الدوحة :"أبو ربيع" اتجهت الأنظار إلى هاني محمد الطائع، فلم
نكن نعرف في دوحة قطر من هو مكنى بأبي ربيع غيره، كان ذلك وقطر يومئذ بلد محدود
السكان يكاد الناس كلهم يعرف بعضهم بعضاً.
عندما ألفت مع أخي حسني أدهم جرار كتابنا: شعراء الدعوة الإسلامية في العصر
الحديث.. وكان ذلك عام 1976م، وكان أخونا أبو ربيع يعرف بالذي نصنع، عرض علينا أن
نقابل صاحب مؤسسة الرسالة في بيروت، وهو نسيبه ، وكان في ضيافته في الدوحة،
فقابلناه ، وعرضنا عليه الكتاب ، فرحب به ، وسلمناه ما وصلنا إليه في عملنا، فاقترح
أن نصدره في أجزاء متوسطة الحجم، فوافقنا، وأصدر الأجزاء الخمسة الأولى منه عام
1978م.
قلت
في السطر الأول من هذا الحديث أن هاني الطائع عاشق الكتاب ، وأضيف هنا أنه عرف بذلك
في قطر، بل تجاوزت هذه المعرفة قطر إلى بلدان أخرى.
أنا
من عشاق الكتاب ، وأنشأت مكتبة خاصة تعد مكتبة كبيرة بين المكتبات الخاصة في
الأردن، ولكن مكتبة أبي ربيع هي الأكبر بين المكتبات الخاصة التي سمعت بها، بل
وتمتاز باحتوائها على نوادر الكتب التي حرص أبو ربيع على امتلاكها واقتنائها، وكان
دائم التجوال بين المكتبات يسأل عن كل جديد، وكان حاضراً في معرض الكتاب الدولي في
الدوحة من أول أيامه إلى ختامها، يتجول في أجنحتها باحثاً عن كل نفيس، ولا يبخل على
الكتاب، بل يبذل الغالي والنفيس للحصول عليه.
أريد هنا أن يقارن قارئ هذه الإطلالة على حياة هاني الطائع الأدبية بما حدث في أحد
لقاءاتي مع أديب أردني مشهور عندما أخبرني أنه بصدد وقف مكتبته الخاصة على المدينة
التي ولد فيها، وأَحَبَّ أن يطلعني على مكتبته، وعندما دخلتها وجدتها لا تحتوي على
كثير من الكتب، وقدرتها أنا بألف كتاب مع المبالغة بالتقدير.
مكتبة أبي ربيع قد تكون جاوزت عشرات الآلاف من الكتب القيمة، وهي درة المكتبات
الخاصة، وكان أبو ربيع عندما يحدثك عنها يحدثك حديث المحب عن محبوبته، حديث قيس عن
ليلاه ، بل إنني لأظلمه في هذا التشبيه ، فقد كان غرامه بالكتاب أشد وأسمى من غرام
كل المحبين بمحبوباتهم.
التقيته ذات مرة ، فأقبل عليَّ مستبشراً فرحاً وهو يقول: لقد عثرث على قصيدة
أندلسية نادرة، هي درة من درر القصائد الأندلسية في طلب النجدة والاستنهاض
بالأفارقة العرب لإنقاد الأندلس وقد حاصر النصارى مدينة بلنسية إحدى مدن الأندلس
الشهيرة.
واندفع يحدثني عن القصيدة وعن شاعرها المعروف بابن الأبار الأندلسي، ويلقي على
مسمعي بعض أبياتها:
أدرك بـخـيـلـك خـيلِ الله iiأندلسا
وهب لها من عزيز النصر ما التمست
وحـاشِ مـمـا تـعـانيه iiحُشاشتها
|
|
إن الـسـبـيـل إلى منجاتها iiدرسا
فـلـم يـزل منك عزُّ النصر iiمُلتَمَسا
فـطـالـما ذاقت البلوى صباح iiمسا
|
كان
خطاب الشاعر موجهاً إلى الأمير أبي زكريا الحفصي حاكم تونس آنذاك ،وكان على شيء من
القوة... لم يُقَـدَّر له أن ينهض للنجدة، فقد سقطت بلنسية قبل أن يتحرك لنجدتها.
بقيت أبيات هذه القصيدة عندي إهداء من هاني الطائع، وعندما ألفت كتابي نوادر
القصائد العربية عام 2007م كانت إحدى قصائد هذا الكتاب.
قد
يعجب قارئ هذه السطور إذا عرف أن هاني الطائع صاحب الشغف الكبير بالكتاب لم يكن
مؤلفاً، وأن كل ما أصدره ثلاث قصص للأطفال أهداني نسخة منها حين صدورها .
ثم
أصدر عام 1405هـ 1985م مجموعة قصصية بعنوان "عندما يصحو الأمل" وأهداني نسخة منها
هي الآن أمامي وأنا أكتب هذه الكلمات ، وهو لم يكتب اسمه كاملاً على هذه المجموعة
بل اكتفى باسمه واسم أبيه: هاني محمد.
وهذه المجموعة القصصية تضم أربع قصص : عندما يصحو الأمل، العودة إلى البحيرة
الصافية، الجزاء ، الحارس الليلي .
من
يعرف هاني الطائع يعرف لماذا اختصر اسمه إلى هاني محمد.
رحم
الله هاني الطائع ، عاشق الكلمة، وعاشق اللغة العربية وتراثها الخالد.