أحمد الجدع
عندما دارت رحى الحرب بين مشركي مكة ومؤمني المدينة شعر كل فريق بحاجته للإعلام حتى
يشيد الإعلاميون بالانتصارات ويبرروا الانتكاسات، ولم يكن رجال الإعلام في ذلك
الزمان إلا الشعراء.
وحتى ندرك مدى الحاجة إلى وسائل الإعلام نذكر أن جبهة الإسلام في ذلك الزمان كان
لديها القرآن الكريم ينزل به الوحي، والرسول الكريم أفصح العرب وأخطبهم، ومع ذلك
دعا رسول الله r
الأنصار لكي ينصروه بألسنتهم كما نصروه بسيوفهم، فتقدم شعراؤهم للنصرة، فبرز منهم
حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك، وكلما دارت الحروب، وتعاركت
الأفكار ظهر الشعراء، كل يناضل دفاعاً عن أفكاره ،ويشاء الله أن تكون فلسطين ميدان
صراع وعراك، وكان جل صرعى هذه الحرب من أبناء فلسطين، فقد عركتهم حرب ضروس قادها
عدو لئيم، وهم يومئذ لا حول لهم ولا طول، وكان من نتيجة هذه الحرب أن شتتوا في
البلاد.
وفي
أثناء بحثهم عن المنقذ والإنقاذ تخطفتهم الأحزاب، فتعارك أبناء الوطن المغتصب،
وألهاهم العراك فترة عن عدوهم، فذاقوا ويلات هذا الخلاف، وزادهم نكبات متتاليات.
فقدان الوطن والتشرد و بعث فيهم شعراء، كل يناضل عن رأيه، وكل يتطلع إلى إنقاذ
وطنه، ولعل كثرة الشعراء من أبناء فلسطين تعزى إلى ما كانوا عليه وما صاروا وإليه.
كانت هناك فئة من أبناء فلسطين لا ترى سبيلاً إلى التحرر والعودة والنصر إلا
بالإسلام، من هؤلاء الشعراء الشاعر محمد الشيخ محمود صيام.
وشاعرنا شديد الاعتزاز بدينه، عاض عليه بالنواجذ، قابض على جمره، يجاهر في كل حين
وفي كل مناسبة وعلى كل منبر أن لا خلاص إلا بهذا الدين، ينطق بكل ذلك شعره، لهذا
جنح هذا الشعر إلى الصراحة والقوة ، حتى رأيت أن أصفه بالشعر المقاتل.
وشاعرنا من أوائل الشعراء الإسلاميين المعاصرين ظهوراً، كتبنا عنه في كتابنا شعراء
الدعوة الإسلامية في العصر الحديث في جزئه الثاني، ولم يكن آنذاك قد أصدر شعره في
دواوين.
ثم
إنه بعد أن كتبنا عنه شاعراً بعشر سنين أصدر أول دواوينه "ميلاد أمة" أصدره
عام1407هـ 1987م ، ثم أصدر مجموعة شعرية بعنوان "سقوط الرفاق" ويعني بالرفاق أولئك
الذين اعتنقوا الشيوعية ورضوا بها ديناً دون دينهم ، وعقيدة بدلاً من عقيدتهم، كان
ذلك عام 1410هـ 1990م .
ويطيب لي أن أنقل هنا الأهداء المزدوج الذي سطره على هذه المجموعة:"هديتي إلى
الأخوين الكريمين ، أحمد الجدع وحسني جرار، بالرغم من أنهما لم يذكراني بنسخة من
إصداراتهما ، فالله المستعان.
ثم
إنه أصدر ديوانه"ملحمة الانتفاضة" عام 1410هـ 1990م وسطر إهداءه المزدوج هكذا
:"إليهما ، أعني الأخوين الكريمين أحمد عبد اللطيف الجدع وحسني أدهم جرار بعد أن
تفقداني ببعض إنتاجهما ، وكانا –قبل- يضنان عليَ، ولكن الله فتح بيني وبينهما،
أضرع إلى الله أن يوفقهما ويحفظهما.
هذه
الإهداءات مداعبات،شاعر ، وهو على شدته على أعداء الله رفيق بأحباب الله، وقد عرفته
عن قرب عندما زار قطر، ومما يؤسف له أنني لا أحقق تاريخ هذه الزيارة وأن كنت أرجح
أنها كانت عام 1989م .
هذا
عن محمد الشيخ محمود صيام شاعراً، أما عنه إنساناً: فقد ولد في قرية جورة عسقلان
بفلسطين عام 1937م ، ومنها هاجر إلى غزة عند حلول النكبة الأولى عام 1948 وفي مدارس
غزة درس، وبعد حصوله على الثانوية قصد مصر ، والتحق بجامعة القاهرة وحصل على
الإجازة في اللغة العربية عام 1959 ، ثم حصل على الماجستير من جامعة الملك عبد
العزيز بجدة عام 1980 ، وحصل على الدكتوراه من جامعة أم القرى بمكة المكرمة عام
1982.
عمل
في الجامعة الإسلامية بغزة منذ عام 1983، وتقلد فيها عدة مناصب ، إلى أن وصل إلى
منصب القائم بأعمال رئيس الجامعة عام 1984م، وكان بالإضافة لعمله يخطب في المسجد
الأقصي المبارك
أبعد عن الوطن عام 1988م متهماً بالمساهمة في تفجير الانتفاضة الفلسطينية الأولى
التي تفجرت في 8/12/1987 م.
هذا
ما كتبه الشاعر ملخصاً لحياته على ظهر غلاف مجموعته الشعرية "سقوط الرفاق".
كان
الشيوعيون قد اختاروا كلمة "رفيق" لكل عضو في حزبهم، وكان الإخوان المسلمون قد
اختاروا كلمة "أخ" لكل من سار على دربهم ، والتعليق على ذلك له مكان أخر.
"الأخ" الشاعر محمد صيام من شعراء الدعوة الإسلامية المعاصرين، ويكفيه فخراً أن
يكون كذلك.