"بكل الأسى والحزن يؤسفني أن أنقل لكم نبأ مقتل الطالب باسل
شحادة".. بهذه الكلمات افتتحت مديرة جامعة سيراكيوس الأميركية مقالها على موقع
الجامعة، منوهة بالناشط السوري الذي تنازل عن منحته لدراسة الإخراج السينمائي في
نيويورك، وسافر إلى حمص لتدريب الناشطين على تصوير انتهاكات النظام السوري هناك.
يقول صديقه الصحفي عامر مطر إن شحادة
(27 عاما) كان من أوائل الثوار الذين تحركوا في سورية، فما إن أسقط المصريون نظام
حسني مبارك حتى نزل مع أصدقائه للاحتفال أمام السفارة المصرية في دمشق يوم 28
يناير/كانون الثاني 2011، متجاهلين تعليمات عناصر الأمن وهاتفين للمرة الأولى "هبّي
يا رياح التغيير".
تم توقيف شحادة حينها لكونه من منظمي
هذا الحدث، ويقول مطر إنه لم تظهر عليه أمارات الخوف في وقت كان فيه معظم الناس
يترددون باتخاذ أي مبادرة للمعارضة.
لكن الميول الثورية لهذا الشاب لم
تبدأ هنا، إذ تقول الناشطة مارية العبدة إنه قرر بعد تخرجه من كلية تكنولوجيا
المعلومات البدء من جديد ودراسة الطب، فقد كان يأمل تغيير الوسط الطبي في بلاده
عندما رأى خلال إقامة والدته بالمستشفى الميول المادية المفرطة لدى بعض الأطباء.
وتضيف أنه أعاد دراسة الثانوية
العامة، لكنه لم يتمكن إلا من الالتحاق بكلية الآثار، فعمل مع إحدى منظمات الأمم
المتحدة في دمشق، ولم يستطع المتابعة لشعوره بأن وقته يهدر في العمل المكتبي، فقرر
أن يتحول إلى صناعة الأفلام.
سرعان ما أتقن شحادة مهنته الجديدة
وحصل على منحة "فولبرايت" لدراسة الإخراج السينمائي في الولايات المتحدة. ومع
اندلاع الثورة في سورية عاد إلى مدينته دمشق ليشارك في المظاهرات.
يقول الصحفي مطر في اتصال هاتفي مع
الجزيرة نت إن شحادة كان يسعى لإظهار الوجه المدني للثورة، وكان ينشط مع مجموعة من
أصدقائه في الأحياء ذات الأغلبية المسيحية التي ينتمي إليها لحث الأهالي على
التظاهر مع الثوار من الطوائف الأخرى.
لم يطل المقام بشحادة في دمشق، فالتحق
بالجامعة في نيويورك تحت ضغط العائلة لتحقيق حلمه السينمائي، لكنه قرر العودة إلى
سورية مجددا. وينقل صديقه مطر رده الحازم "إنها الفرصة الوحيدة لنعيش الثورة في
حياتنا، فهل يعقل أن أتركها؟ وهل سأقول لأطفالي عندما أكبر: إني تركت وطني وانطلقت
وراء طموحي الشخصي؟".
عندما عاد الى سورية كان من أهم
المنظمين لمشروع نقل العيد الى العائلات المنكوبة واللاجئة بإيصال الهدايا ولباس
العيد لأطفالهم والمساعدات لهم في العيد. ويضيف أن شحادة كان يحرص على توثيق كل
المظاهرات التي يشارك فيها، كما ساهم في إنجاز العديد من الأفلام الوثائقية عن
الثورة السورية، ولعل من أهمها فيلمه "الغناء للحرية" الذي استضاف فيه عددا من
المفكرين والناشطين الأميركيين والسوريين، مبرزا آراءهم في قيمة الحرية، وكان من
أبرزهم المفكر المعروف نعوم تشومسكي.
انتقل المخرج الشاب قبل شهرين إلى
مدينة حمص التي رزحت طويلاً تحت نيران القصف، وتفرغ لتدريب الناشطين على مهارات
التصوير والمونتاج، ونجح في تشكيل فريق من المراسلين الذين نقلوا إلى العالم حقيقة
ما يجري في حمص من انتهاكات، ومنهم المراسل أحمد الأصم (أبو إبراهيم) الذي لقي
مصرعه رفقة صديقه شحادة.
قُتل الاثنان مع صديق ثالث في القصف
المدفعي الذي أمطرت به قوات النظام حيي الصفصافة وباب السباع في حمص، وملأ أصدقاء
شحادة ومحبوه صفحاتهم على الفيسبوك بصورته الباسمة، كما نشر أحدهم خاتمة رسالته
الأخيرة التي يقول فيها "السعادة هي في الأشياء الصغيرة التي نملكها ولا نشعر بها
إلا عندما نخسرها.. أنا خسرتها كلها، أراك قريبا صديقي.. في الحرية".
هو الذي عاش مسكوناً بهاجس المغامرة.
اشترى دراجة نارية روسية قديمة، أطلق عليها اسم (لينين)، وخاض رحلة الإثارة من
العاصمة السوريّة إلى العاصمة الهنديّة.
رحم الله هذا البطل الذي كان الوجه
الصادق للإعلام الهادف الذي آثر العيش في قلب المحنة والمعاناة والخوف والرعب
والدماء، لينقل لملايين الناس في العالم حقيقة ما يجري في سورية وما يرتكبه النظام
الباغي من جرائم بحق المدنين، ومن تدمير للمدن والبلدات والقرى بفعل آلته العسكرية
الجهنمية!!