اسمه ونسبه
بكر بن النطاح الحنفي . يكنى أبا وائل، هكذا أخبرنا وكيع عن عبد الله بن شبيب، وذكر غيره أن عجلي من بني سعد بن عجل، واحتج من ذكر أنه عجلي بقوله:
فإن يك جد القوم فهر بن مالك
|
|
فجدي عجل قرم بكر بن وائل
|
وأنكر ذلك من زعم أنه حنفي وقال: بل قال:
فجدي لجيم قرم بكر بن وائل
|
وعجل بن لجيم وحنيفة بن لجيم أخوان.
وكان بكر بن النطاح صعلوكاً يصيب الطريق، ثم أقصر عن ذلك، فجعله أبو دلف من الجند، وجعل له رزقاً سلطانياً، وكان شجاعاً بطلاً فارساً شاعراً حسن الشعر والتصرف فيه، كثير الوصف لنفسه بالشجاعة والإقدام.
قصته مع أبي دلف
فأخبرني الحسن بن علي ، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني أبي، قال: قال بكر بن النطاح الحنفي قصيدته التي يقول فيها:
هنيئاً لإخواني ببغداد عيدهـم
|
|
وعيدي بحلوان قراع الكتائب
|
وأنشدها أبا دلف فقال له: إنك لتكثر الوصف لنفسك بالشجاعة، وما رأيت لذلك عندك أثراً قط، ولا فيك، فقال له: أيها الأمير وأي غناء يكون عند الرجل الحاسر الأعزل؟ فقال: أعطوه فرساً وسيفاً وترساً ودرعاً ورمحاً، فأعطوه ذلك أجمع، فأخذه وركب الفرس وخرج على وجهه، فلقيه مال لأبي دلف يحمل من بعض ضياعه، فأخذه وخرج جماعة من غلمانه فمانعوه عنه، فجرحهم جميعاً وقطعهم وانهزموا. وسار بالمال، فلم ينزل إلا على عشرين فرسخاً، فلما اتصل خبره بأبي دلف قال: نحن جنينا على أنفسنا، وقد كنا أغنياء عن إهاجة أبي وائل، ثم كتب إليه بالأمان، وسوغه المال، وكتب إليه: صر إلينا فلا ذنب لك، لأنا نحن كنا سبب فعلك بتحريكنا إياك وتحريضنا؛ فرجع ولم يزل معه يمتدحه، حتى مات.
قصته مع الرشيد ويزيد بن مزيد
أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثني محمد بن موسى، قال: حدثني الحسن بن إسماعيل، عن ابن الحفصي، قال: قال يزيد بن مزيد: وجه إلي الرشيد في وقت يرتاب فيه البريء، فلما مثلت بين يديه قال: يا يزيد، من الذي يقول:
ومن يفتقر منا يعش بحسـامـه
|
|
ومن يفتقر من سائر الناس يسأل
|
فقلت له: والذي شرفك وأكرمك بالخلافة ما أعرفه، قال: فمن الذي يقول:
وإن يك جد القوم فهر بن مالك
|
|
فجدي لجيم قرم بكر بن وائل
|
قلت: لا والذي أكرمك وشرفك يا أمير المؤمنين ما أعرفه، قال: والذي كرمني وشرفني إنك لتعرفه، أتظن يا يزيد أني إذا أوطأتك بساطي وشرفتك بصنيعتي أني أحتملك على هذا؟ أو تظن أني لا أراعي أمورك وأتقصاها، وتحسب أنه يخفى علي شيء منها؟ والله إن عيوني لعليك في خلواتك ومشاهدك، هذا جلف من أجلاف ربيعة عدا طوره وألحق قريشاً بربيعة فأتني به. فانصرفت وسألت عن قائل الشعر، فقيل لي: هو بكر بن النطاح، وكان أحد أصحابي، فدعوته وأعلمته ما كان من الرشيد، فأمرت له بألفي درهم، وأسقطت اسمه من الديوان، وأمرته ألا يظهر ما دام الرشيد حياً، فما ظهر حتى مات الرشيد، فلما مات ظهر، فألحق اسمه وزدت في عطائه .
شعره في جارية تدعى رامشنة
أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدثني محمد بن حمزة العلوي، قال: حدثني أبو غسان دماذ، قال: حضرت بكر بن النطاح الحنفي في منزل بعض الحنفيين، وكانت للحنفي جارية يقال لها رامشنة، فقال فيها بكر بن النطاح:
حيتك بالرامشن رامشـنة
|
|
أحسن من رامشنة الآس
|
جارية لم يقتسم بعضـهـا
|
|
ولم تبت في بيت نخـاس
|
أفسدت إنساناً على أهلـه
|
|
لا مفسد الناس على الناس
|
وقال فيها:
أكذب طرفي عنك والطرف صادق
|
|
وأسمع أذني منك ما ليس تسمـع
|
ولم أسكن الأرض التي تسكنينـهـا
|
|
لكي لا يقولوا صابر ليس يجـزع
|
فلا كبدي تبلـى ولا لـك رحـمة
|
|
ولا عنك إقصار ولا فيك مطمـع
|
لقيت أموراً فيك لم الق مثـلـهـا
|
|
وأعظم منها منـك مـا أتـوقـع
|
فال تسألينـي فـي هـواك زيادة
|
|
فأيسره يجـزي وأدنـاه يقـنـع
|
المأمون يعجب بشعره وينقد سلوكه
أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، عن علي بن الصباح -وأظنه مرسلاً وأن بينه وبينه ابن أبي سعد أو غيره، لأنه لم يسمع من علي بن الصباح- قال: حدثني أبو الحسين الراوية، قال لي المأمون: أنشدني أشجع بيت وأعفه وأكرمه من شعر المحدثين، فأنشدته:
ومن يفتقر منا يعش بحسـامـه
|
|
ومن يفتقر من سائر الناس يسأل
|
وإنا لنلهو بالسيوف كما لـهـت
|
|
عروس بعقد أو سخاب قرنفـل
|
فقال: ويحك! من يقول هذا؟ فقلت: بكر بن النطاح، فقال: أحسن والله، ولكنه قد كذب في قوله، فما باله يسأل أبا دلف ويمتدحه وينتجعه! هلا أكل خبزه بسيفه كما قال!.
مدح أبا دلف فأعطاه جائزة أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثني أبو الحسن الكسكري ، قال: بلغني أنا أبا دلف لحق أكراداً قطعوا الطريق في عمله، وقد أردف منهم فارس رفيقاً له خلفه، فطعنهما جميعاً فأنفذهما، فتحدث الناس بأنه نظم بطعنة واحدة فارسين على فرس، فلما قدم من وجهه دخل إليه بكر بن النطاح فأنشده: صوت
قالوا: وينظم فارسين بطعنة
|
|
يوم اللقاء ولا يراه جلـيلا
|
لا تعجبوا فلو أن طول قناته
|
|
ميل إذا نظم الفوارس ميلا
|
قال: فأمر له أبو دلف بعشرة آلاف درهم، فقال بكر فيه:
له راحة لو أن معشار جـودهـا
|
|
على البر كان البر أندى من البحر
|
ولو أن خلق الله في جسم فـارس
|
|
وبارزه كان الخلي من العـمـر
|
أبا دلف بوركت في كـل بـلـدة
|
|
كما بوركت في شهرها ليلة القدر
|
عشق غلاماً نصرانياً وقال فيه شعراً أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار، وعيسى بن الحسين، قالا: حدثنا يعقوب بن إسرائيل، قال: حدثني أبو زائدة، قال: كان بكر بن النطاح الحنفي يتعشق غلاماً نصرانياً ويجن به، وفيه يقول:
يا من إذا درس الإنجيل كان له
|
|
قلب التقي عن القرآن منصرفا
|
إني رأيتك في نومي تعانقنـي
|
|
كما تعانق لام الكاتب الألـفـا
|
رده أبو دلف فغضب عليه وانصرف عنه أخبرني محمد بن القاسم الأنباري، قال: حدثني الحسن بن عبد الرحمن الربعي ، قال: كان بكر بن النطاح يأتي أبا دلف في كل سنة، فيقول له: إلى جنب أرضي أرض تباع وليس يحضرني ثمنها، فيأمر له بخمسة آلاف درهم ويعطيه ألفاً لنفقته ، فجاءه في بعض السنين فقال له مثل ذلك، فقال له أبو دلف: ما تفنى هذه الأرضون التي إليها جانب ضيعتك ! فغضب وانصرف عنه، وقال:
يا نفس لا تجزعي من التلف
|
|
فإن في الله أعظم الخلـف
|
إن تقنعي باليسير تغتبطـي
|
|
ويغنك الله عن أبي دلـف
|
رده قرة بن محرز فغضب عليه وانصرف عنه كذلك قال: وكان بكر بن النطاح يأتي قرة بن محرز الحنفي بكرمان فيعطيه عشرة آلاف درهم، ويجري عليه في كل شهر يقيم عند ألف درهم، فاجتاز به قرة يوماً وهو ملازم في السوق وغرماؤه يطالبونه بدين، فقال له: ويحك! أما يكفيك ما أعطيك حتى تستدين وتلازم في السوق! فغضب عليه وانصرف عنه وأنشأ يقول:
ألا يا قـر لا تـك سـامـريا
|
|
فتترك من يزورك في جهـاد
|
أتعجب أن رأيت عـلـي دينـاً
|
|
وقد أودى الطريف مع التـلاد
|
ملأت يدي من الدنـيا مـراراً
|
|
فما طمع العواذل في اقتصادي
|
ولا وجبت علـي زكـاة مـال
|
|
وهل تجب الزكاة على جواد!
|
مدح أبا دلف ببيتين فأعطاه جائزة أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر، قال: حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، قال: كنت يوماً عند علي بن هشام، وعنده جماعة فيهم عمارة بن عقيل، فحدثته أن بكر بن النطاح دخل إلى أبي دلف وأنا عنده، قال لي أبو دلف: يا أبا محمد أنشدني مديحاً فاخراً تستطرفه، فبدر إليه بكر وقال: أنا أنشدك أيها الأمير بيتين قلتهما فيك في طريقي هذا إليك وأحكمك، فقال: هات، فإن شهد لك أبو محمد رضينا، فأنشده:
إذا كان الشتاء فأنت شـمـس
|
|
وإن حضر المصيف فأنت ظل
|
وما تدري إذا أعطـيت مـالاً
|
|
أتكثر في سماحـك أم تـقـل
|
فقلت له: أحسن والله ما شاء ووجبت مكافأته، فقال: أما إذ رضيت فأعطوه عشرة آلاف درهم، فحملت إليه، وانصرفت إلى منزلي، فإذا أنا بعشرين ألفاً قد سبقت إلي، وجه بها أبو دلف، قال: فقال عمارة لعلي بن هشام: فقد قلت أنا في قريب من هذه القصة:
ولا عـيب فـيهـم غـير أن أكـــفـــهـــم
|
|
لأمـوالـهـم مـثـل الـسـنـين الـحـواطــم
|
وأنهم لا يورثون بذيهموإن ورثوا خيراً كنوز الدراهم
|
|
|
رثى معقل بن عيسى أخبرني عمي، قال: حدثني عبد الله بن أبي سعد، قال: حدثني أبو توبة، قال: كان معقل بن عيسى صديقاً لبكر بن النطاح، وكان بكر فاتكاً صعلوكاً، فكان لا يزال قد أحدث حادثة في عمل أبي دلف، أو جنى جناية، فيهم به فيقوم دونه معقل حتى يتخلصه، فمات معقل فقال بكر بن النطاح يرثيه بقوله:
وحدث عنه بعض مـن قـال إنـه
|
|
رأت عينه فيما ترى عين حـالـم
|
كأن الذي يبكي على قبر معـقـل
|
|
ولم يره يبكي على قبـر حـاتـم
|
ولا قبر كعب إذ يجود بـنـفـسـه
|
|
ولا قبر حلف الجود قيس بن عاصم
|
فأيقنت أن الله فـضـل مـعـقـلاً
|
|
على كل مذكور بفضل المـكـارم
|
هجاه عباد بن الممزق لبخله أخبرني عمي، قال: حدثنا الكراني، قال: حدثني العمري، قال: كان بكر بن النطاح الحنفي أبو وائل بخيلاً، فدخل عليه عباد بن الممزق يوماً، فقدم إليه خبزاً يابساً قليلاً بلا أدم، ورفعه من بين يديه قبل أن يشبع، فقال عباد يهجوه:
من يشتري مني أبا وائل
|
|
بكر بن نطاح بفلسين؟
|
كأنما الآكل من خبـزه
|
|
يأكله من شحمة العين
|
قال: وكان عباد هذا هجاءً ملعوناً، وهو القائل:
أنا الممزق أعراض اللئام كمـا
|
|
كان الممزق أعراض اللئام أبي
|
مدح مالك بن طوق ثم هجاه أخبرني عمي، قال: حدثنا أبو هفان، قال: كان بكر بن النطاح قصد مالك بن طوق فمدحه، فلم يرض ثوابه، فخرج من عنده وقال يهجوه:
فليت جدا مـالـك كـلـه
|
|
وما يرتجى منه من مطلب
|
أصبت بأضعاف أضعافـه
|
|
ولم أنتجعه ولـم أرغـب
|
أسأت اختياري منك الثواب
|
|
لي الذنب جهلا ولم تذنـب
|
وكتبها في رقعة وبعث بها إليه، فلما قرأها وجه جماعة من أصحابه في طلبه، وقال لهم: الويل لكم إن فاتكم بكر بن النطاح. اعتذر إليه وأعطاه فمدحه ولا بد أن تنكفئوا على أثره ولو صار إلى الجبل، فلحقوه فردوه غليه، فلما دخل داره ونظر إليه قام فتلقاه وقال: يا أخي، عجلت علينا وما كنا نقتصر بك على ما سلف وإنما بعثنا إليك بنفقة، وعولنا بك على ما يتلوها، واعتذر كل واحد منهما إلى صاحبه، ثم أعطاه حتى أرضاه، فقال بكر بن النطاح يمدحه:
أقول لمرتاد ندى غـير مـالـك
|
|
كفى بذل هذا الخلق بعض عداته
|
فتى جاد بالأموال في كل جانـب
|
|
وأنهبها فـي عـوده وبـداتـه
|
فلو خذلت أموالـه بـذل كـفـه
|
|
لقاسم من يرجوه شطر حـياتـه
|
ولو لم يجد في العمر قسمة ماله
|
|
وجاز له الإعطاء من حسناتـه
|
لجاد بها من غير كفـر بـربـه
|
|
وشاركهم في صومه وصلاتـه
|
فوصله صلة ثانية لهذه الأبيات، وانصرف عنه راضياً.
هكذا ذكر أبو هفان في خبره وأحسبه غلطاً، لأن أكثر مدائح بكر بن النطاح في مالك بن علي الخزاعي -وكان يتولى طريق خراسان- وصار إليه بكر بن النطاح بعد وفاة أبي دلف ومدحه، فأحسن تقبله وجعله في جنده، وأسنى له الرزق، فكان معه، إلى أن قتله الشراة بحلوان، فرثاه بكر بعدة قصائد هي من غرر شعره وعيونه.
كان مع مالك الخزاعي يوم أن قتل فرثاه فحدثني عمي، قال: حدثني أحمد بن أبي طاهر، عن أبي وائلة السدوسي، قال: عاثت الشراة بالجبل عيثاً شديداً، وقتلوا الرجال والنساء والصبيان، فخرج إليهم مالك بن علي الخزاعي وقد وردوا حلوان، فقاتلهم قتالاً شديداً فهزمهم عنها، وما زال يتبعهم حتى بلغ بهم قرية يقال لها: حدان ، فقاتلوه عندها قتالاً شديداً، وثبت الفريقان إلى الليل حتى حجز بينهم، وأصابت مالكاً ضربة على رأسه أثبتته ، وعلم أنه ميت، فأمر برده إلى حلوان، فما بلغها حتى مات، فدفن على باب حلوان، وبنيت لقبره قبة على قارعة الطريق، وكان معه بكر بن النطاح يومئذ، أبلى بلاء حسناً، وقال بكر يرثيه:
يا عين جودي بالدموع السـجـام
|
|
على الأمير اليمني الـهـمـام
|
على فتى الدنـيا وصـنـديدهـا
|
|
وفارس الدين وسـيف الإمـام
|
لا تدخري الدمع على هـالـك
|
|
أيتـم إذ أودى جـمـيع الأنـام
|
طاب ثرى حلوان إذ ضمـنـت
|
|
عظامه، سقياً لها من عـظـام
|
أغلقت الـخـيرات أبـوابـهـا
|
|
وامتنعت بعدك يا بن الـكـرام
|
وأصبحت خيلك بعـد الـوجـا
|
|
والغزو تشكو منك طول الجمام
|
ارحل بنا نقرب إلـى مـالـك
|
|
كيما نحيي قبـره بـالـسـلام
|
كان لأهل الأرض فـي كـفـه
|
|
غنى عن البحر وصوب الغمام
|
وكان في الصبح كشمس الضحى
|
|
وكان في الليل كبدر الـظـلام
|
وسائل يعـجـب مـن مـوتـه
|
|
وقد رآه وهو صعب الـمـرام
|
قلت له عهدي به مـعـلـمـاً
|
|
يضربهم عند ارتفاع الـقـتـام
|
والحرب من طاولهـا لـم يكـد
|
|
يفلت من وقع صقيل حـسـام
|
لم ينظر الدهـر لـنـا إذ عـدا
|
|
على ربيع الناس في كل عـام
|
لن يستـقـيلـوا أبـداً فـقـده
|
|
ما هيج الشجو دعاء الحـمـام
|
قال: وقال أيضاً يرثيه:
أي امرئ خضب الخوارج ثوبه
|
|
بدم عشية راح مـن حـلـوان
|
يا حفرة ضمت محاسن مالـك
|
|
ما فيك من كرم ومن إحسـان
|
لهفي على البطل المعرض خده
|
|
وجبينه لأسـنة الـفـرسـان
|
خرق الكتيبة معلماً متكـنـبـاً
|
|
والمرهفات عليه كالـنـيران
|
ذهب بشاشة كل شيء بـعـده
|
|
فالأرض موحشة بلا عمـران
|
هدم الشراة غداة مصرع مالـك
|
|
شرف العلا ومكارم البـنـيان
|
قتلوا فتى العرب الذي كانت به
|
|
تقوى على اللزبات في الأزمان
|
حرموا معداً ما لديه وأوقـعـوا
|
|
عصبية في قلب كل يمـانـي
|
تركوه في رهج العجاج كأنـه
|
|
أسد يصول بسـاعـد وبـنـان
|
هوت الجدود عن السعود لفقـده
|
|
وتمسكت بالنحس والـدبـران
|
لا يبعدن أخو خـزاعة إذ ثـوى
|
|
مستشهداً في طاعة الرحمـن
|
عز الـغـواة بـه وذلـت أمة
|
|
محبـوة بـحـقـائق الإيمـان
|
وبكاء مصحفه وصدر قناتـنـه
|
|
والمسلمون ودولة السلـطـان
|
وغدت تعقر خيله وتقـسـمـت
|
|
أدراعـه وسـوابـغ الأبـدان
|
أفتحمد الـدنـيا وقـد ذهـبـت
|
|
بمن كان المجير لنا من الحدثان!
|
تشوقه بغداد وهو بالجبل
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي، قال: أنشدني أبو غسان دماذ لبكر بن النطاح يتشوق بغداد وهو بالجبل يومئذ:
نسيم المدام وبرد الـسـحـر
|
|
هما هيجا الشوق حتى ظهـر
|
تقول: اجتنب دارنا بالنـهـار
|
|
وزرنا إذا غاب ضوء القمـر
|
فإن لـنـا حـرسـاً إن رأوك
|
|
ندمت وأعطوا عليك الظفـر
|
وكم صنع الـلـه مـن مـرة
|
|
عليهم وقد أمروا بـالـحـذر
|
سقى الله بغـداد مـن بـلـدة
|
|
وساكن بغداد صوب المطـر
|
ونبئت أن جواري الـقـصـو
|
|
ر صيرن ذكري حديث السمر
|
ألا رب سـائلة بـالـعــرا
|
|
ق عني وأخرى تطيل الذكـر
|
تقـول: عـهـدنـا أبـا وائل
|
|
كظبي الفلاة المليح الـحـور
|
ليالي كـنـت أزور الـقـيان
|
|
كأن ثيابي بهـار الـشـجـر
|
هوى جارية من القيان وقال فيها شعراً حدثني جعفر بن قدامة، قال: حدثني ميمون بن هارون، قال: كان بكر بن النطاح يهوى جارية من جواري القيان وتهواه، وكانت لبعض الهاشميين، يقال لها درة، وهو يذكرها في شعره كثيراً، وكان يجتمع معها في منزل رجل من الجند من أصحاب أبي دلف يقال له: الفرز، فسعى به إلى مولاها، وأعلمه أنه قد أفسدها وواطأها على أن تهرب معه إلى الجبل، فمنعه من لقائها وحجبه عنها، إلى أن خرج إلى الكرج مع أبي دلف، فقال بكر بن النطاح في ذلك:
أهل دار بين الرصافة والجسر أطالوا غيظي بطول الصدود
|
|
عذبوني ببعدهم ابتلوا قلبي بحزنين : طارف وتليد
|
|
ما تهب الشمال إلا تنفست وقال الفؤاد للعين: جودي
|
|
قل عنهم صبري ولم يرحموني
|
|
فتـحــيرت كـــالـــطـــريد الـــشـــريد
|
وكلتني الأيام فيك إلى نفسي فأعييت وانتهـى مـجـهـود
|
|
|
وقال فيها أيضاً وفيه غناء من الرمل الطنبوري:
العين تبدي الحب والبغضـا
|
|
وتظهر الإبرام والنقضـا
|
درة ما أنصفتني في الهوى
|
|
ولا رحمت الجسد المنضى
|
مرت بنا في قرطق أخضر
|
|
يعشق منها بعضها بعضـا
|
غضبى ولا والله يا أهلهـا
|
|
لا أشرب البارد أو ترضى
|
كيف أطاعتكم بهجري وقد
|
|
جعلت خدي لها أرضـا!
|
وقال فيها أيضاً وفيه رمل طنبوري:
صدرت فأمسى لقاؤها حلـمـاً
|
|
واستبدل الطرف بالدموع دمـا
|
وسلطت حبها عـلـى كـبـدي
|
|
فأبدلتنـي بـصـحة سـقـمـا
|
وصرت فرداً أبكي لفرقـتـهـا
|
|
وأقرع السن بعـدهـا نـدمـا
|
شق عليها قول الوشـاة لـهـا:
|
|
أصبحت في أمر ذا الفتى علما
|
لولا شقـائي ومـا بـلـيت بـه
|
|
من هجرها ما استثرت ما اكتتما
|
كم من حاجة في الكتاب بحت بها
|
|
أبكيت منها القرطاس والقلـمـا
|
وقال فيها أيضاً، وفيه رمل لأبي الحسن أحمد بن جعفر جحظة
بعدت عني فتغـيرت لـي
|
|
وليس عندي لك تـغـيير
|
فجددي ما رث من وصلنـا
|
|
وكل ذنب لك مـغـفـور
|
أطيب النفس بكتمـان مـا
|
|
سارت به من غدرك العير
|
وعدك يا سيدتي غـرنـي
|
|
منك ومن يعشق مغـرور
|
يحزنني علمي بنفسـي إذا
|
|
قال خليلي أنت مهجـور
|
يا ليت من زين هذا لـهـا
|
|
جارت لنا فيه المـقـادير
|
ساقي الندامى سقها صاحبي
|
|
فإنني ويحـك مـعـذور
|
أأشرب الخمر على هجرها
|
|
إني إذا بالهجر مسـرور!
|
وفيها يقول وقد خرج مع أبي دلف
إلى أصبهان:
يا ظبية السيب التي أحببتـهـا
|
|
ومنحتها لطفي ولين جناحـي
|
عيناي باكيتان بعـدك لـلـذي
|
|
أودعت قلبي من ندوب جراح
|
سقياً لأحمد من أخ ولـقـاسـم
|
|
فقدا غدوي لاهـياً ورواحـي
|
وترددي من بيت فرز آمـنـاً
|
|
من قرب كل مخالف وملاحي
|
أيام تغبطني الملـوك ولا أرى
|
|
أحداً له كتدللـي ومـراحـي
|
تصف القيان إذا خلون مجانتي
|
|
ويصفن للشرب الكرام سماحي
|
ومما يغنى فيه من شعر بكر بن النطاح في هذه الجارية قوله: صوت
هل يبتلي أحد بـمـثـل بـلـيتـي
|
|
أم ليس لي في العالمين ضـريب؟
|
قالت عنان وأبصرتني شـاحـبـاً:
|
|
يا بكر مالك قد علاك شـحـوب؟
|
فأجبتها: يا أخـت لـم يلـق الـذي
|
|
لاقـيت إلا الـمـبـتـلـى أيوب
|
قد كنت أسمع بالهـوى فـأظـنـه
|
|
شيئاً يلـذ لأهـلــه ويطـــيب
|
حتى ابتلـيت بـحـلـوه وبـمـره
|
|
فالحلو منه لـلـقـلـوب مـذيب
|
والمر يعجز منطقي عن وصـفـه
|
|
للمر وصف يا عـنـان عـجـيب
|
فأنا الشقـي بـحـلـوه وبـمـره
|
|
وأنا المعنى الهـائم الـمـكـروب
|
يا در حالفك الجـمـال فـمـا لـه
|
|
في وجه إنسان سـواك نـصـيب
|
كل الوجوه تشابهت وبـهـرتـهـا
|
|
حسناً فوجهك في الوجوه غـريب
|
والشمس يغرب في الحجاب ضياؤها
|
|
عنا ويشرق وجهك المـحـجـوب
|
ومما يغنى فيه من شعره فيها أيضاً
غضب الحبيب علي في حبي له
|
|
نفسي الفداء لمذنب غضـبـان
|
ما لي بما ذكر الرسول يدان بل
|
|
إن تم رأيك ذا خلعت عنانـي
|
يا من يتوق إلى حبيب مـذنـب
|
|
طاوعته فجزاك بالعـصـيان
|
هلا انتحرت فكنت أول هالـك
|
|
إن لم تكن لك بالصـدور يدان
|
كنا وكنتم كالبنـان وكـفـهـا
|
|
فالكف مفردة بغـير بـنـان
|
خلق السرور لمعشر خلقوا لـه
|
|
وخلقت للعبـرات والأحـزان
|
صوت
ليت شـــعـــري أأول الـــهـــرج هـــذا
|
|
أم زمـان مــن فـــتـــنة غـــير هـــرج
|
إن يعـش مـصـعـب فـنـحـــن بـــخـــير
|
|
قد أتـانـا مـن عـيشـنــا مـــا نـــرجـــي
|
ملـك يطـعـم الــطـــعـــام ويســـقـــي
|
|
لبـن الـبـخـت فـي عـسـاس الـخـلـــنـــج
|
جلـب الـخـيل مـن تـــهـــامة حـــتـــى
|
|
بلـغـت خـــيلـــه قـــصـــور زرنـــج
|
حيث لم تأت قبله خيل ذي الأكتاف يوجفن بين قف ومرج
|
|
|
عروضه من الخفيف. الشعر لعبيد الله بن قيس الرقيات، والغناء ليونس الكاتب ماخوري بالبنصر، وفيه لمالك ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق.
المراجع
al-hakawati.net
التصانيف
فنون ثقافة وحضارات