نسبه: أبو محمد بن يحيى المبارك، أحد بني عدي بن عبد شمس بن زيد مناة بن تميم.
سمعت أبا عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن أبي اليزيدي يذكر ذلك، ويقول: نحن من رهط ذي الرمة.
لم يقال له اليزيدي؟: وقيل: إنهم موالي بني عدي، وقيل لأبي محمد: اليزيدي لأنه كان فيمن خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بالبصرة، ثم توارى زماناً حتى استتر أمره، ثم اتصل بعد ذلك بيزيد بن منصور خال المهدي، فوصله بالرشيد، فلم يزل معه. وأدب المأمون خاصةً من ولده، ولم يزل أبو محمد وأولاده منقطعين إليه وإلى ولده، ولهم فيهم مدائح كثيرة جياد.
مكانته العلمية والأدبية وشيوخه: وكان أبو محمد عالماً باللغة والنحو، راوية للشعر، متصرفاً في علوم العرب. أخذ عن أبي عمرو بن العلاء ويونس بن حبيب النحوي وأكابر البصريين، وقرأ القرآن على أبي عمرو بن العلاء، وجود قراءته ورواها عن.، وهي المعول عليها في هذا الوقت. وكان بنوه جميعاً في مثل منزلته من العلم والمعرفة باللغة، وحسن التصرف في علوم العرب. ولسائرهم علمٌ جيد .
من له شعر يتغنى به من أولاده: ونحن نذكر بعد انقضاء أخباره أخبار من كان له شعر وفيه غناء من ولده، إذ كنا قد شرطنا ذكر ما فيه صنعة دون غيره.
فمنهم محمد بن أبي محمد، وإبراهيم بن أبي محمد، وإسماعيل بن أبي محمد. كل هؤلاء ولده لصلبه، ولكلهم شعر جيد.
ومن ولد ولده أحمد بن محمد بن أبي محمد، وهو أكبرهم، وكان شاعراً راوية عالماً.
ومنهم عبيد الله والفضل ابنا محمد بن محمد، وقد رويا عن أكابر أهل اللغة، وحمل عنهما علم كثير. وآخر من كان بقي من علماء أهل هذا البيت أبو عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن أبي محمد، وكان فاضلاً عالماً ثقة فيما يرويه، منقطع القرين في الصدق وشدة التوقي فيما ينقله.
وقد حملنا نحن عنه وكثيرٌ من طلبة العلم ورواته علماً كثيراً، فسمعنا منه سماعاً جماً. فأما ما أذكر ها هنا من أخبارهم فإني أخذته عن أبي عبد الله عن عميه عبيد الله والفضل، وأضفت إليه أشياء أخر يسيرة أخذتها من غيره، فذكرت ذلك في مواضعه، ورويته عن أهله.
يقول في المأمون شعراً وقد ضرب عنق أسيرين فأبان رأسيهما: أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثني عمي عبيد الله عن عمه إسماعيل بن أبي محمد قال: حدثني أبي قال: كان الرشيد جالساً في مجلسه فأتي بأسير من الروم، فقال لدفافة العبسي: قم فاضرب عنقه، فضربه فنبا سيفه، فقال لابن فليح لندني: قم فاضرب عنقه، فضربه فنبا سيفه أيضاً، فقال: أصلح الله أمير المؤمنين! تقدمتني ضربة عبسية، فقال الرشيد للمأمون، وهو يومئذ غلام: قم -فداك أبوك- فاضرب عنقه، فقام فضرب العلج، فأبان رأسه، ثم دعا بآخر فأمره بضرب عنقه، فضربه فأبان رأسه، ونظر إلي المأمون نظر مستنطق، فقلت:
أبقي دفافة عاراً بعد ضربـتـه
|
|
عند الإمام لعبس آخـر الأبـد
|
كذاك أسرته تنبـو سـيوفـهـم
|
|
كسيف ورقاء لم يقطع ولم يكد
|
ما بال سيفك قد خانتك ضربتـه
|
|
وقد ضربت بسيف غير ذي أود
|
هلا كضربة عبد الله إذ وقعـت
|
|
ففرقت بين رأس العلج والجسد
|
يحتكم في فضله اثنان فيفضله الحكم على الكسائي فيقول في ذلك شعراً: قال إسماعيل ابن أخت الحسن الحاجب وسعيد والجوهري واقفين، فذكرا أبا محمد -يعني أباه والكسائي- ففضل حمويه الكسائي على أبي محمد، وفضل سعيد الجوهري أبا محمد على الكسائي. وطال الكلام بينهما إلى أن تراضيا برجل يحكم بينهما، فتراهنا على أن من غلب أخذ برذون صاحبه، فجعلا الحكم بينهما أبا صفوان الأحوزي، فلما دخل سألاه فقال لهما: لو ناصح الكسائي نفسه لصار إلى أبي محمد، وتعلم منه كلام العرب، فما رأيت أحداً أعلم منه به، فأخذ الجوهري دابة حمويه. وبلغ أبا محمد اليزيدي هذا الخبر فقال:
يا حمويه اسمع ثناً صادقـاً
|
|
فيك وما الصادق كالكـاذب
|
يا جالب الخزي على نفسـه
|
|
بعدا وسحقاً لك من جالـب
|
إن فخر النـاس بـآبـائهـم
|
|
آتيتهم بالعجب الـعـاجـب
|
قلت وأدغمت أباً خـامـلاً
|
|
أنا ابن أخت الحسن الحاجب
|
يهجو سلم الخاسر: قال إسماعيل: وحدثني أبي قال: كنت ذات يوم جالساً أكتب كتاباً، فنظر فيه سلمٌ الخاسر طويلاً، ثم قال:
أير يحيى أخط من كف يحيى
|
|
إن يحيى بأيره لخـطـوط
|
فقال أبو محمد يحيى:
أم سلـم بـذاك أعـلـم شـيء
|
|
إنها تـحـت أيره لـضـروط
|
ولهـا تـارةً إذا مـا عـلاهـا
|
|
أزمل مـن وداقـهـا وأطـيط
|
أم سلم تعلم الشـعـر سـلـمـا
|
|
حبذا شعر أمك الـمـنـقـوط
|
ليت شعري ما بال سلم بن عمرو
|
|
كاسف البال حين يذكـر لـوط
|
لا يصلي عليه فيمـن يصـلـي
|
|
بل له عنـد ذكـره تـثـبـيط
|
فقال له سلم: ويحك ما لك خبثت؟ أي شيء دعاك إلى هذا كله؟ فقال أبو محمد: بدأت، فانتصرت، والبادي أظلم.
يطلب سلم الخاسر أن يهجوه على روي سماه، فيفعل، فيغضب سلم: قال أبو عبد الله محمد بن العباس اليزيدي حدثني عبيد الله وعمي أبو القاسم عن أبي علي إسماعيل قال: قال لي أبي: قال سلم الخاسر يوماً: يا أبا محمد، قل أبياتاً على قول امرئ القيس:
ولا أبالي أن تهجوني فيها، فقلت:
رب مغمـوم بـعـافـية
|
|
غمط النعماء من أشـره
|
موردٌ أمـراً يسـر بــه
|
|
فرأى المكروه في صدره
|
وامرئٍ طالت سلامـتـه
|
|
فرماه الدهر من غـيره
|
بسهـام غـير مـشـوية
|
|
نقضت منه عرا مـرره
|
وكذاك الدهر مختـلـف
|
|
بالفتى حالين من عصره
|
يخلط العسرى بمـيسـرة
|
|
ويسار المرء في عسـره
|
عق سلـم أمة سـفـهـا
|
|
وأبا سلم علـى كـبـره
|
كل يوم خـلـفـه رجـل
|
|
رامح يسعى على أثـره
|
يولج الغرمول سـبـتـه
|
|
كولوج الضب في حجره
|
فانصرف سلم وهو يشتمه ويقول: ما يحل لأحد أن يكلمك يطلب شاعر أن ينظم على قافية معينة فيهجوه فيما نظم: قال: وقال لي يوماً أبو حنش الشاعر: يا أبا محمد، قل أبياتاً قافيتها على هاءين، فقلت له: على أن أهجوك فيها، فقال نعم، فقلت:
قلت ونفسي جم تأوهـهـا
|
|
تصبو إلى إلفها وأندههـا
|
سقيا لصنعاء لا أرى بلـداً
|
|
أوطنه الموطنون يشبههـا
|
حصنا ولا كبهـجـتـهـا
|
|
أعذى بلادٍ عذا وأنزههـا
|
يعرف صنعاء من أقام بها
|
|
أرغد أرض عيشا وأرفهها
|
أبلغ حضيراً عني أبا حنش
|
|
عائرةً نجوه أوجـهـهـا
|
تأتيه مثل السهام عـامـدة
|
|
عليه مشهورةً أدهدهـهـا
|
كنيته طرح نون كـنـيتـه
|
|
إذا تهجيتها ستفقـهـهـا
|
يريد إسقاط النون من أب حنش حتى يكون أبا حس .
يقول شعراً في يونس بن الربيع وكان وسيماً: قال أبو عبد الله: وحدثني عمي قال: حدثني الطلحي -وكان له علم وأدب- قال: اجتمعت مع أبي محمد عند يونس بن الربيع، وكان قد دعانا، فأقمنا عنده، فاتفق مجلسي إلى جنب مجلس أبي محمد، فقام يونس لحاجته، وكان جميلاً وسيماً، فالتفت إلى اليزيدي فقال:
وفتى كالقناة في الطرف منه
|
|
إن تأملت طرفه استرخـاء
|
فإذا الرامح المشـيح تـلاه
|
|
وضع الرمح منه حيث يشاء
|
يهجو قتيبة الخراساني لأنه كان يسأله كالمتعنت: قال: وحدثني عمي عن عمه إسماعيل عن أبي محمد قال: كان قتيبة الخراساني عيسى بن عمر يأتيني، فيسألني عن مسائل كالمتعنت، فإذا أجبته عنها انصرف منكسراً، وكان أفطس، فقلت له يوماً:
أمخبري أنـت يا قـتـيبة عـن
|
|
أنفك أم أنت كـاتـمٌ خـبـره؟
|
بأي جـرم وأي ذنـب تــرى
|
|
سوت بخديك أنفك الـبـقـره
|
فصيرتـه كـفـيشة نـبـتـت
|
|
في وجه قرد مفضوضة الكمره
|
قد كان في ذاك شاغل لك عـن
|
|
تفتيش باب العرفان والنـكـره
|
وقلت فيه أيضاً:
إذا عافى مليك الناس عـبـداً
|
|
فلا عافاك ربك يا قـتـيبة
|
طلبت النحو مذ أن كنت طفلاً
|
|
إلى أن جللتك قبحت شيبـه
|
فما تزداد إلا النقـص فـيه
|
|
وأنت لدى الإياب بشر أو به
|
وكنت كغائب قد غاب حينـاً
|
|
فطال مقامه وأتى بخـيبـه
|
يلقن قتيبة غريباً فيه فحش، فيعابي به عيسى بن عمر: قال أبو محمد: كان عيسى بن عمر أعلم الناس بالغريب، فأتاني قتيبة الخراساني هذا، فقال لي: أفدني شيئاً من الغريب أعايي به عيسى بن عمر، فقلت له: أجود المساويك عند العرب الأراك، وأجود الأراك عندهم ما كان متمئراً عجارما جيدا، وقد قال الشاعر:
إذا استكت يوماً بالأراك فلا يكن
|
|
سواك إلا المتمئر العجـارمـا
|
يعني الأير. قال: فكتب قتيبة ما قلت له، وكتب البيت، ثم أتى عيسى بن عمر في مجلسه، قال: يا أبا عمر، ما أجود المساويك عند العرب؟ فقال: الأراك، يرحمك الله. فقال له قتيبة: أفلا أهدي إليك منه شيئاً متمئراً عجارما؟ فقال: أهده إلى نفسك. وغضب، وضحك كل من كان في مجلسه، وبقي قتيبة متحيراً، فعلم عيسى أنه قد وقع عليه بلاء، فقال له: ويلك! من فضحك وسخر منك بهذه المسألة؟ ومن أهلك ودمر عليك؟ قال: أبو محمد اليزيدي، فضحك عيسى حتى فحص برجله، وقال: هذه والله من مزحاته وبلاياه. أراه عنك منحرفاً، فقد فضحك. فقال قتيبة: لا أعاود مسألته عن شيء.
الخليل يحبه ويجله: حدثني عمي قال: حدثني عبيد الله بن محمد اليزيدي قال: حدثني أخي أبو جعفر قال: سمعت جدي أبا محمد يقول: صرت يوماً إلى الخليل بن أحمد، والمجلس غاص بأهله، فقال لي: ها هنا عندي، فقلت أضيق عليك، فقال: إن الدنيا بحذافيرها تضيق عن متباغضين، وإن شبراً في شبر لا يضيق عن متحابين. قال: وكان الخليل لأبي محمد صافي الود.
يجمع بين الخليل وابن المقفع: حدثنا اليزيدي قال: حدثني عمي عبيد الله قال: حدثني أخي أحمد قال: سمعت جدي أبا محمد يقول: كنت ألقي الخليل بن أحمد، فيقول لي: أحب أن يجمع بيني وبين عبد الله بن المقفع، وألقى ابن المقفع فيقول: أحب أن يجمع بيني وبين الخليل بن أحمد. فجمعت بينهما، فمر لنا أحسن مجلس وأكثره علماً، ثم افترقنا، فلقيت الخليل فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، كيف رأيت صاحبك؟ قال: ما شئت من علم وأدب، إلا أني رأيت كلامه أكثر من علمه، ثم لقيت ابن المقفع فقلت: كيف رأيت صاحبك؟ فقال: ما شئت من علم وأدب، إلا أن عقله أكثر من علمه .
يناظر الكسائي في مجلس المهدي فيغلبه: حدثنا اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله قال: حدثني أخي أحمد بن محمد قال: حدثني أبي محمد بن أبي محمد قال: قال لي أبو محمد: كنا مع المهدي ببلد في شهر رمضان قبل أن يستخلف بأربعة أشهر، وكان الكسائي معنا، فذكر المهدي العربية وعنده شيبة بن الوليد العبسي عم دفافة، فقال المهدي: نبعث إلى اليزيدي والكسائي، وأنا يومئذ مع يزيد بن المنصور خال المهدي، والكسائي مع الحسن الحاجب، فجاءنا الرسول، فجئت أنا، فإذا الكسائي على الباب قد سبقني. فقال: يا أبا محمد، أعوذ بالله من شرك، فقلت: والله لا تؤتى من قبلي حتى أوتى من قبلك.
فلما دخلنا عليه أقبل علي، وقال: كيف نسبوا إلى البحرين فقالوا: بحرانيٌ، ونسبوا إلى الحصنين فقالوا: حصني ولم يقولوا حصناني. كما قالوا بحراني؟ فقلت: أصلح الله الأمير! لو أنهم نسبوا إلى البحرين فقالوا: بحري لم يعرف أإلي البحرين نسبوا أم إلى البحر؟ فلما جاءوا إلى الحصنين لم يكن موضع آخر يقال له: الحصن ينسب إليه غيرهما فقالوا: حصني. قال أبو محمد، سمعت الكسائي يقول لعمر بن بزيع -وكان حاضراً- لو سألني الأمير لأخبرته فيها بعلة هي أحسن من هذه. قال أبو محمد: قلت: أصلح الله الأمير، إن هذا يزعم أنك لو سألته لأجاب بأحسن مما أجبت به. قال: فقد سألته: فقال الكسائي: لما نسبوا إلى الحصنين كانت فيه نونان، فقالوا: حصني اجتزاء بإحدى النونين عن الأخرى، ولم يكن في البحرين إلا نون واحدة، فقالوا: بحراني. فقلت: أصلح الله الأمير! فيكف تنسب رجلاً من بني جنان فإنه يلزمه على قياسه أن يقول: جني إن في جنان نونين، فإن قال ذلك فقد سوى بينه وبين المنسوب إلى الجن.
قال: فقال المهدي وله: تناظرا في غير هذا حتى نسمع، فتناظرا في مسائل حفظ فيها قولي وقوله إلى أن قلت له: كيف تقول: إن من خير القوم أو خيرهم نيةً زيد؟ قال: فأطال الفكر لا يجيب. فقلت: لأن تجيب فتخطئ فتتعلم أحسن من هذه الإطالة. فقال: إن من خير القوم أو خيرهم نيةً زيداً. قال: فقلت: أصلح الله الأمير، ما رضي أن يلحن حتى لحن وأحال. قال: وكيف؟ قلت: لرفعه قبل أن يأتي باسم إن، ونصبه بعد رفعه.
فقال شيبة بن الوليد: أراد بأو -بل، فرفع هذا معنى. فقال الكسائي: ما أردت غير ذلك فقلت: فقد أخطأ جميعاً أيها الأمير. لو أراد بأو -بل رفع زيداً؛ لأنه لا يكون بل خيرهم زيداً، فقال المهدي: يا كسائي، لقد دخلت علي مع مسلمة النحوي وغيره، فما رأيت كما أصابك اليوم. قال: ثم قال: هذان عالمان، ولا يقضي بينهما إلا أعرابي فصيح يلقى عليه المسائل التي اختلفا فيها فيجيب. قال: فبعث إلى فصيح من فصحاء الأعراب. قال أبو محمد، وأطرقت إلى أن يأتي الأعرابي، وكان المهدي محباً لأخواله، ومنصور بن يزيد بن منصور حاضر، فقلت: أصلح الله الأمير! كيف ينشد هذا البيت الذي جاء في هذه الأبيات:
يا أيها الـسـائلـي لأخـبـره
|
|
عمن بصنعاء من ذوي الحسب
|
حمير ساداتهـا تـقـر لـهـا
|
|
بالفضل طراً جحاجح العرب
|
وإن من خيرهم وأكـرمـهـم
|
|
أو خيرهم نـية أبـو كـرب
|
قال: فقال لي المهدي: كيف تنشده أنت؟ فقلت: أو خيرهم نية أبو كرب على إعادة إن، كأنه قال: أو إن خيرهم نية أبو كرب. فقال الكسائي: هو والله قالها الساعة. قال: فتبسم المهدي، وقال: إنك لتشهد له وما تدري. قال: ثم طلع الأعرابي الذي بعث إليه فألقيت عليه المسائل، فأجاب فيها كلها بقولي، فاستفزني السرور حتى ضربت بقلنسيتي الأرض، وقلت: أنا أبو محمد. قال لي شيبة: أتتكني باسم الأمير؟ فقال المهدي: والله ما أراد بذلك مكروهاً، ولكنه فعل ما فعل للظفر، وقد -لعمري- ظفر. فقلت: إن الله -عز وجل- أنطقك أيها الأمير بما أنت أهله، وأنطق غيرك بما هو أهله.
يتهدده شيبة بن الوليد فيهجوه في رقاع دسها في الدواوين: قال: فلما خرجنا قال لي شيبة: أتخطئني بين يدي الأمير؟ أما لتعلمن! قلت: قد سمعت ما قلت، وأرجو أن تجد غبها، ثم لم أصبح حتى كتبت رقاعاً عدة، فلم أدع ديواناً إلا دسست إليه رقعة فيها أبيات قلتها فيه، فأصبح الناس يتناشدونها، وهي:
عش بـــجـــد ولا يضـــرك نــــوك
|
|
إنـمـا عـيش مـن تـرى بـالـــجـــدود
|
عش بجد وكن هبنقه القيسي نوكا أو شيبة بن الوليد
|
|
|
شيب يا شيب يا جدي بني القعقاع ما أنت بالحليم الرشيد
|
|
|
لا ولا فيك خلةٌ من خلال الخير أحرزتها لحزم وجود
|
|
|
غير ما أنك المجيد لتقطيع غناءٍ وضرب دف وعود
|
|
|
فعلى ذا وذاك يحتمل الدهر مجيداً له وغير مجيد
|
|
|
يهجو خلفا الأحمر: قال: وقال أبو محمد اليزيدي يهجو خلفا الأحمر أستاذ الكسائي، أنشدنيه عمي الفضل:
زعم الأحمر المقيت علي
|
|
والذي أمه تقر بمقـتـه
|
أنه علم الكسائي نـحـواً
|
|
فلئن كان ذا كذاك فباسته
|
يأمر له الرشيد بمال، ويستعين الغساني على تعجيله فلا يعينه: وبهذا الإسناد عن أبي محمد قال: أمر لي الرشيد بمال وحضر شخوصه إلى السن ، فأتيت عاصما الغساني -وكان أثيراً عند يحيى بن خالد- فقلت له: إن أمير المؤمنين قد أمر لي بمال، وقد حضر من شخوصه ما قد علمت، فأحب أن تذكر أبا علي يحيى بن خالد أمره ليعجله إلي. فقال: نعم، ثم عدت بعد ذلك بيومين، فقال لي يتفخم في لفظه: ما أصبت بحاجتك موضعاً. قال: قلت فاجعلها منك -أكرمك الله- ببال. فلما خرجت لحقني بعض من كان في المجلس، فقال لي: يا أبا محمد، إني لأربأ بك أن تأتي هذا الكلب أو تسأله حاجة، قلت: وكيف؟ قال: سمعته يقول -وقد وليت- لو أن بيدي دجلة والفرات ما سقيت هذا منهما شربة، فقيل له: ولم ذاك -أصلحك الله- فإن له قدراً وعلماً؟ قال: لأنه من مضر، وما رأيت مضرياً قط يحب اليمانية.
قال: فأحببت ألا أعجل، فعدت إليه من غد فقلت: هل كان منك -أكرمك الله- في الحاجة شيء؟ فقال: والله لكأنك تطلبنا بدين فتحقق عندي ما بلغني عنه، فقلت له: لا قضى الله هذه الحاجة على يدك، ولا قضى لي حاجة أبداً إن سألتكها، والله لا سلمت عليك مبتدئاً أبداً، ولا رددت عليك السلام إن بدأتني به. ونفضت ثوبي وخرجت.
يستعين بجعفر بن يحيى على تعجيل المال فيعينه: فإني لأسير وأفكر في الحيلة لحاجتي إذا براكب يركض حتى لحقني، فقال: بعثني إليك أبو علي يحيى بن خالد لتقف حتى يلحقك، فرجعت مع رسوله إليه فلقيته، وكان قريباً، فسلمت عليه ثم سايرته، فقال لي: إن أمير المؤمنين أمرني أن آمرك بطلب مؤدب لابنه صالح، فإني أحدثك حديثاً حدثني به أبي خالد بن برمك: أن الحجاج بن يوسف أراد مؤدباً لولده، فقيل له: ها هنا رجل نصراني عالم، ها هنا مسلم ليس علمه كعلم النصراني، قال: ادعوا لي المسلم.
فلما أتاه قال: ألا ترى يا هذا أنا قد دللنا على نصراني قد ذكروا أنه أعلم منك، غير أني كرهت أن أضم إلى ولدي من لا ينبههم للصلاة عند وقتها، ولا يدلهم على شرائع الإسلام ومعالمه؟ وأنت -إن كان لك عقل- قادر على أن تتعلم في اليوم ما يعلمه أولادي في جمعه، وفي الجمعة ما يعلمهم في الشهر، وفي الشهر ما يعلمهم في سنة. ثم قال لي يحيى: فينبغي يا أبا محمد أن نؤثر الدين على ما سواه، فقلت له: قد أصبت من أرضاه، وذكرت له الحسن بن المسور، فضمه إليه ثم سألني: من أين أقبلت؟ فأخبرته بخبر عاصم وما كان منه، فقلت له: قد حضر هذا المسير، ولست أدري من أي وجه أتقاضاه؟ فضحك وقال: ولم لا تدري؟ الق صديقك جعفراً، يعني ابنه، حتى يكلم أمير المؤمنين أو يذكرني حاجتك، فقد تركته على المضي الساعة، فانثنيت إلى جعفر وقلت له في طريقي:
يا سائلي عـمـا أخـبـره
|
|
عن جعفر كرماً وعن شيمه
|
إن ابن يحيى جعفراً رجـل
|
|
سيط السماح بلحمه ودمـه
|
فعليه "لا" أبـداً مـحـرمةٌ
|
|
وكلامه وقف على نعمـه
|
وترى مسابقـه لـيدركـه
|
|
بمكان حذو النعل من قدمه
|
فلما دخلت إليه أخبرته الخبر، وأنشدته الأبيات، وأعلمته ما أمرني به أبوه، فقال لي: قل بيتين تذكره فيهما إلى أن أجدد طهرا واكتبهما حتى يكونا معي، فأذكر بهما حاجتك، فقلت: نعم يا سيدي، وأخذت الدواة وكتبت:
أحق من أنجـز مـوعـوده
|
|
خليفة الله على خـلـقـه
|
ومن له إرث نبي الـهـدى
|
|
بالحق لا يدفع عن حـقـه
|
ينسب في الهدي إلى هـديه
|
|
براً وفي الصدق إلى صدقه
|
ومن له الطاعة مفـروضة
|
|
لائحة بالوحي فـي رقـه
|
والراتق الفتق العظيم الـذي
|
|
لا يقدر الناس على رتقـه
|
يهجو الغساني لأنه لم يعنه على تعجيل المال: قال: فأخذ الشعر، ومضى إلى الرشيد في حاجتي وأقرأه إياه، فصك إلي بالمال عليه، وقبضته بعد ذلك بيوم، وأنشأت أقول في الغساني:
ألا طرقت أسماء أم أنت حالـم؟
|
|
فأهلاً بطيف زار والليل عاتـم
|
إذا قيل أي الناس أعظم جفـوة
|
|
وألآم قيل الجرمقاني عـاصـم
|
دعي أجاءته إلى اللـؤم دعـوة
|
|
ومغرس سوء لؤمه متـقـادم
|
شهيدي على أن ليس حراً صليبةً
|
|
صفيحة وجه ابن استها واللهازم
|
صفيحة دقاق أبـوه شـبـيهـه
|
|
وجداه سمـاك لـئيم وحـاجـم
|
أعاصم خل المكرمات لأهلهـا
|
|
وأغض على لؤم ووجهك سالم
|
فكيف تنال الدهر مجداً وسـوددا
|
|
وفي كل يوم كوكبٌ لك ناجـم؟
|
وأصلك مدخول وفسقك ظاهـر
|
|
وعجبك مهموز وعردك عارم
|
تصانع غساناً لتلـحـق فـيهـم
|
|
ورب دعي ألحقته الـدراهـم
|
فإن راب ريب أو أصابتك شدة
|
|
رجعت إلى شلتى وأنفك راغم
|
-قال: وكان اسم ابنه شلثي، فصيره صلتا -
إذا عاصماً يوماً أتيت لحـاجة
|
|
فلا تلـقـه إلا وأيرك قـائم
|
وعرض له من قبل ذاك بأمردٍ
|
|
وضيء وسيم أثقلته المـآكـم
|
وإلا فلا تسأله ما عشت حاجة
|
|
ولا تبكه إن أعولته المـآتـم
|
يستعينه الغساني على رد ضيعة له قبضت فيعينه: قال: فلما حدث بيني وبين برمك ما حدث قبضت ضيعته في المقبوض من ضياع أسبابهم، فصار إلي وكلمني في أمرها، وسألني كلام الجوهري في ذلك، فقمت له حتى ردت الضيعة عليه، فجاءني يشكرني، ويعتذر مما جرى من فعله المتقدم، فقلت له: تناس ما مضى، فلست ممن يكافئ على سوءٍ أحداً.
يتهمه أبو عبيدة بذكر مساوئ الناس في المسجد فيهجوه: قال أبو محمد: كان أبو عبيدة يجلس في مسجد البصرة إلى سارية، وكنت أنا وخلفٌ الأحمر نجلس جميعاً إلى أخرى، وكان أبو عبيدة من أعضه الناس للناس وأذكرهم لمثالبهم، فقال لأصحابه: أترون الأحمر واليزيدي إنما يجتمعان على الوقيعة للناس وذكر مساويهم؟ وبلغني ذلك وأنه قد رمانا بمذهبه، فقلت لخلف: دعه، فأنا أكفيكه. فلما كان من الأذان جئت أنا وخلفٌ إلى المسجد، فكتبت على الجص في الموضع الذي كان يجلس فيه أبو عبيدة:
صلى الإله على لوط وشيعته
|
|
أبا عبيدة قل باللـه آمـينـا
|
قال: وأصبح الناس، وجاء أبو عبيدة، فجلس وهو لا يعلم ما فوق رأسه مكتوباً وأقبل الناس ينظرون إلى البيت ويضحكون، ورفع أبو عبيدة رأسه ونظر إليه، فخجل، ولم يزل منكسا رأسه حتى انصرف الناس وأنا وخلف ناحيةً ننظر إلى ما به، ثم قمنا حتى وقفنا عليه، فقلنا له: ما قال صاحب هذا البيت إلا حقاً، نعم فصلى الله على لوط، فأقبل علي وقال: قد علمت من أين أتيت، ولن أعاود التعرض لتلك الجهة، ولم يعد لذكرنا بعد ذلك.
يجفوه يزيد بن المنصور فيعاتبه فيعتبه: وقال أبو محمد: اعتللت علة من حمى ربع طالت علي أشهرا، فجفاني يزيد بن منصور، ولم يمر بي في علتي، ولم يتفقدني كما ينبغي؛ فكتبت رقعة إليه ضمنتها هذه الأبيات:
قل للأمير الذي يرجو نوافـلـه
|
|
من جاء طالباً للخير منـتـابـاً
|
إني صحبتك دهراً كل ذاك أرى
|
|
من دون خيرك حجاباً وأبوابـاً
|
وكم ضريكٍ أجاءته شـقـاوتـه
|
|
إليك إذا أنشبت ضراؤها نـابـا
|
فما فتحت له بابـاً لـمـيسـرة
|
|
ولا سددت له من فـاقة بـابـا
|
كغائب شاهدٌ يخفى عليك كمـا
|
|
من غاب عنك فوافى حظه غابا
|
فلما قرأها قال: جفونا أبا محمد؛ وأحوجناه إلى استبطائنا. والله المستعان، وبعث إليه بصلة.
يعبث به خلف الأحمر في قصيدة نسبه فيها إلى اللواط: أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي أبو دلف قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن الفهم، وكان من أصحاب الأصمعي، قال: كان خلف الأحمر يعبث بأبي محمد اليزيدي عبثاً شديداً، وربما جد فيه وأخرجه مخرج المزح، فقال فيه ينسبه إلى اللواط:
إني ومن وسج المـطـي لـه
|
|
حدب الذرى أذاقهـا رجـف
|
يطرحن بالبيد الـسـحـال إذا
|
|
حث النجاء الركب وازدهفوا
|
والمحرمين لصوتهـم زجـل
|
|
بفناء كعبتـه إذا هـتـفـوا
|
وإذا قطعن مساف مهـمـهة
|
|
قذف تعرض دونهـا شـرف
|
وافت بهم خوص مـحـزمة
|
|
مثل القسي ضوامرٌ شسـف
|
منـي إلـيه غـير ذي كـذب
|
|
ما إن رأى قوم ولا عرفـوا
|
في غابر الناس الذين بـقـوا
|
|
والفرط الماضين إذ سلـفـوا
|
أحداً كيحيى في الطعان إذا اف
|
|
ترش القنا وتضعضع الحجف
|
في معرك يلقى الكمـي بـه
|
|
للوجه منبطحـاً وينـحـرف
|
وإذا أكب القـرن ينـبـعـه
|
|
طعناً دوين صلاه ينخـسـف
|
للــه درك أي ذي نـــزلٍ
|
|
في الحرب إذ هموا وإذ وقفوا
|
لا تخطئ الوجـعـاء ألـتـه
|
|
ولا تصد إذا هـم زحـفـوا
|
وله جـياد لا يفـرطـهـا ال
|
|
إحلال والمضمار والعـلـف
|
جرد يهان لهـا الـسـويق وأل
|
|
بان اللقـاح كـأنـهـا نـزف
|
مرد وأطـفـال تـخـالـهـم
|
|
درا تطابق فوقـه الـصـدف
|
فهـم لـديه يعـكـفـون بـه
|
|
والمرء منه اللين واللـطـف
|
ومتى يشا يجـنـب لـه جـذع
|
|
نهدٌ أسيل الخـد مـشـتـرف
|
يمشي العرضنة تحت فارسـه
|
|
عبل الشوى في متنه قـطـف
|
ربذٌ إذا عرقـت مـغـابـنـه
|
|
ذهب السكون وأقبل العـنـف
|
فأعـد ذاك لـسـرجـه ولـه
|
|
في كل غادية لـهـا عـرف
|
في حقـوه عـردٌ تـقـدمـه
|
|
صلعاء في خرطومها قـلـف
|
جرداء تشحـذ بـالـبـزاق إذا
|
|
دعيت نزال وهب مـرتـدف
|
أوفى على قيد الـذراع شـدي
|
|
د الجلز في يافوخـه جـوف
|
خاظٍ ممـر مـتـنـه ضـرم
|
|
لا خانه خـور ولا قـضـف
|
عرد المجس بمتـنـه عـجـر
|
|
في جذره عن فخـذه جـنـف
|
فلـو أن فـياضـا تـأمـلـه
|
|
نادى بجهد الـويل يلـتـهـف
|
وإذا تـمـسـحـه لـعـادتـه
|
|
ودنا بجهد الطعان فمدعس ثقف
|
وإذا رأى نفـقـا ربـا ونـزا
|
|
حتى يكـاد لـعـابـه يكـف
|
لا ناشـئا يبـقـى ولا رجـلاً
|
|
فنداً وهـذا قـلـبـه كـلـف
|
يا ليتنـي أدري أمـنـجـيتـي
|
|
وجناء ناجـيةٌ بـهـا شـدف
|
من أن تعلـقـنـي حـبـائلـه
|
|
أو أن يواري هامتي لـجـف
|
ولقد أقول حـذار سـطـوتـه
|
|
إيهاً إلـيك تـوق يا خـلـف
|
ولو أن بيتـك فـي ذرا عـلـم
|
|
من دون قلة رأسـه شـعـف
|
زلـقٍ أعـالـيه وأسـفـلـه
|
|
وعر التنائف بـيتـهـا قـذف
|
لخشيت عـردك أن يبـيتـنـي
|
|
أن لم يكن لي عنه منصـرف
|
أعرابي يعلق على بيت من هذه الفائية: قال الأصمعي: فحدثني شيخ من آل أبي سفيان بن العلاء أخي أبي عمرو بن العلاء قال: أنشدت قصيدة خلف الفائية هذه و أعرابي جالس يسمع، فلما سمع قوله:
فإذا أكب القرن أتبـعـه
|
|
طعناً دوين صلاه ينخسف
|
قال الأعرابي: وأبيك لقد أحب أن يضعه في حاق مقيل ضرطته.
يشغب في مجلس ضم خلفا الأحمر، ليهجوه خلف فيغضب: أخبرني هاشم بن محمد قال: حدثني ابن الفهم قال: حدثني الأصمعي قال: كنت مع خلفٍ جالساً، فجرى كلام في شيء من اللغة، وتكلم فيه أبو محمد اليزيدي وجعل يشغب، فقال لي خلفٌ: دعني من هذا يا أبا محمد، وأخبرني من الذي يقول:
فإذا انتشأت فإنـنـي
|
|
رب الحريبة والرميح
|
وإذا صحوت فإننـي
|
|
رب الدوية واللـويح
|
يعرض به أنه معلم، وأنه يلوط، فغضب اليزيدي، وقام فانصرف.
يهجو مواليه بني عدي لقعودهم عنه وقد استنهضهم: أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثني طلحة الخزاعي قال: حدثني أبو سعيد عثمان بن يوسف الحنفي قال: غاضب أبو محمد اليزيدي مواليه بني عدي رهط ذي الرمة من بني تميم لأمر استنهضهم فيه، فقعدوا عنه، فقال يهجوهم:
يأيها السائل عن قـومـنـا
|
|
لما رأى بزة أحبـارهـم
|
وحسن سمت منهم ظاهـراً
|
|
إعلانهم ليس كإسرارهـم
|
سائل بهم أحمـر أو غـيره
|
|
ينبيك عن قومي وأخبارهم
|
قوم كرام ما عـدا أنـهـم
|
|
صولتهم منهم على جيرانهم
|
أسد على الجيران أعداؤهم
|
|
آمنة تخطر فـي دارهـم
|
لو جاءهم مقتبساً جـارهـم
|
|
ما قبسوه الدهر من نارهم
|
وقد وترناهم فلم نخش مـن
|
|
ينهض في سيره أو ثارهم
|
أحسن قوم لـمـوالـيهـم
|
|
إن أيسروا يوماً لأيسارهـم
|
شهادة الزور لـهـم عـادة
|
|
حقاً بها قيمة أخبـارهـم
|
وما لهم مجد سوى مسجـد
|
|
به تعدوا فوق أطوارهـم
|
لو هدم المسجد لم يعرفـوا
|
|
يوماً ولم يسمع بأخبارهـم
|
يهنئ الرشيد ويمدح المأمون لتوقفه في أول خطبة له: أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال: أخبرني عمي عبيد الله قال: حدثني عمي إسماعيل وأخي أحمد قالا: لما بلغ المأمون وصار في حد الرجال أمرنا الرشيد أن نعمل له خطبة يقوم بها يوم الجمعة، فعملنا له خطبته المشهورة. وكان جهير الصوت حسن اللهجة، فلما خطب بها رقت قلوب الناس، وأبكى من سمعه، فقال أبو محمد اليزيدي:
لتهن أمير المؤمـنـين كـرامةٌ
|
|
عليه بها شكـر الإلـه وجـوب
|
بأن ولي العهد مأمـون هـاشـم
|
|
بدا فضله إذ قام وهو خـطـيب
|
ولما رماه الناس من كل جانـب
|
|
بأبصارهم والعود منه صـلـيب
|
رماهم بقول أنصتوا عجبـاً لـه
|
|
وفي دونه للسامعـين عـجـيب
|
ولما وعت آذانهم مـا أتـى بـه
|
|
أنابت ورقت عند ذاك قـلـوب
|
فأبكى عيون الناس أبلـغ واعـظ
|
|
أغر بطاحي النجـار نـجـيب
|
مهيب عليه للـوقـار سـكـينة
|
|
جريء جنـانٍ لا أكـع هـيوب
|
ولا واجبٌ فوق المنابر قـلـبـه
|
|
إذا ما اعترى قلب النجيب وجيب
|
إذا ما علا المأمون أعواد منبـر
|
|
فليس له في العالمين ضـريب
|
تصدع عنه الناس وهو حديثـهـم
|
|
تحدث عـنـه نـازح وقـريب
|
شبيه أمير المؤمـنـين حـزامةً
|
|
إذا وردت يوماً عليه خـطـوب
|
إذا طاب أصل في عروق مشاجه
|
|
فأغصانه من طيبه سـتـطـيب
|
فقل لأمير المؤمنـين الـذي بـه
|
|
يقدم عبـد الـلـه فـهـو أديب
|
كأن لم تغب عن بلدة كان والـياً
|
|
عليها ولا التدبير منـك يغـيب
|
تتبع ما يرضيك في كـل أمـره
|
|
فسيرته شخص إلـيك حـبـيب
|
، ورثتم بني العباس إرث محمـد
|
|
فليس لحي في التراث نصـيب
|
وإني لأرجو يا بن عم مـحـمـد
|
|
عطاياك والراجيك ليس يخـيب
|
أثبني على المأمون وابني محمداً
|
|
نوالاً فـإياه بـذاك تـثـــيب
|
جناب أمير المؤمنـين مـبـارك
|
|
لنا ولكل المؤمنـين خـصـيب
|
لقد عمهم جود الإمام فكـلـهـم
|
|
له في الذي حازت يداه نصـيب
|
صوت فلما وصلت هذه الأبيات إلى الرشيد أمر لأبي محمد بخمسين ألف درهم، ولابنه محمد بن أبي محمد بمثله.
أخبرني عمي قال: حدثنا الفضل بن محمد اليزيدي قال: حدثني أخي أحمد عن أبيه قال: أستأذن أبو محمد الرشيد وهو بالرقة في الحج، فأذن له، فلما عاد أنشدنا لنفسه:
يا فرحتا إذ صرفنـا أوجـه الإبـل
|
|
إلى الأحبة بالإزعاج والـعـجـل
|
نحـثـهـن ولا يؤتـين مـن دأب
|
|
لكن للشوق حثـاً لـيس لـلإبـل
|
يا نائياً قربـت مـنـه وسـاوسـه
|
|
أمسى قرين الهوى والشوق والوجل
|
إن طال عهدك بالأحباب مغتـربـاً
|
|
فإن عهدك بالتسـهـيد لـم يطـل
|
أما اشتفى الدهر من حران مختبـل
|
|
صب الفؤاد إلى حران مخـتـبـل
|
عش بالرجاء وأمل قـرب دارهـم
|
|
لعل نفسك أن تبقـى مـع الأمـل
|
أخبار من له شعر فيه صنعة من ولد أبي محمد اليزيدي وولد ولده شعر له غنى فيه: فمنهم محمد بن أبي محمد، ومما يغنى فيه من شعره قوله: صوت
أتيتك عائذاً بك منك لما ضاقت الحيل
|
|
وصيرني هواك وبي
|
|
لحـينـنـي يضـرب الـمـثــل
|
فإن سـلـمـت لـكـم نـفـســي
|
|
فمـا لاقـيتـــه جـــلـــل
|
وإن قـتـل الـهــوى رجـــلاً
|
|
فإنـي ذلـــك الـــرجـــل
|
الشعر لمحمد بن أبي محمد اليزيدي، يكنى أبا عبد الله، والغناء لسليم بن سلام، ثقيل أول بالبنصر، وله أيضاً فيه ماخوريٌ.
يمدح سليم بن سلام المغني: وكان سليم صديق محمد بن أبي محمد اليزيدي، كثير العشرة له، وليس في شيء من شعره صنعة إلا له. وله يقول محمد بن أبي محمد اليزيدي: صوت
بأبـــي أنـــت يا ســـلـــيم وأمـــي
|
|
ضقـت ذرعـاً بـهـجـر مـن لا أسـمـــي
|
صد عني أقر من خلق الله لعيني فاشتد غمي وهمي
|
|
|
ما احتيالي إن كان في القدر السا
|
|
بق لـلـحـين أن أمـوت بـسـقـــمـــي؟
|
الغناء لسليم، خفيف رمل بالوسطى عن عمرو.
ينظر إليه أبو ظبية العكلي فيعجب له: أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثني عبيد الله عن أخيه أبي جعفر عن أبيه محمد بن أبي محمد قال: قال لي أبي: نظر إليك أبو ظبية العكلي -وقد جاءني- فقال لي، وقد أقبلت:
يلد الرجال بنيهم أولادهـم
|
|
وولدت أنت أباً من الأولاد
|
يجيب أبا طبية شعراً وقد كتب إليه شعراً: قال أبو محمد: وكتب أبو ظبية يوماً:
أيحيى لقد زرناك نلتمـس الـجـدا
|
|
وأنت امرؤ يرجى جـداه ونـائلـه
|
وما صنع المعروف في الناس صانع
|
|
فيحمد إلا أنت بالخـير فـاضـلـه
|
تخيرك الناس الـخـلـيفة لابـنـه
|
|
وأحكمت منه كل أمـر يحـاولـه
|
فما ظن ذو ظن من الناس علـمـه
|
|
كعلمك إلا مخطيء الظن فـائلـه
|
إليك تناهت غاية النـاس كـلـهـم
|
|
إذا اشتبهت عند البصير مسـائلـه
|
قال أبو محمد: فكتب إليه:
أبا ظبية اسمع ما أقول فخير ما
|
|
يقال إذا ما قيل صدق قـائلـه
|
إذا شئت فانهد بي إلى من أردته
|
|
وأملت جدواه فإني منـازلـه
|
فإن يك تقصيرٌ ولا يك عارفـاً
|
|
بحقك فاعذله فتكثر عـواذلـه
|
يتمنى العباس بن الأحنف أن يكون سبقه إلى بيتين له: حدثني أبو عبد الله محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثني عمي عبيد الله قال: حدثني أخي أحمد عن أبي قال: صرت إلى العباس بن الأحنف، فقال لي ما حاجتك؟ قلت: أمرني أخوك وأبي أن أصير إليك وأستفيد منك، فقال لي: أتصير إلي؟ وددت أني سبقتك إلى بيتين قلتهما وأني لم أقل من الشعر شيئاً غيرهما، فدخلني من السرور ما الله به عليم، فقلت وما هما؟ فقال: قولك:
يا بعيد الدار موصو
|
|
لا بقلبي ولسانـي
|
ربما باعدك الـده
|
|
ر وأدنتك الأماني
|
لم يسرق من الشعر إلا معنيين لمسلم بن الوليد: حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثني بن داود الجراح قال: حدثني أبو القاسم عبيد الله بن محمد اليزيدي قال: حدثني أحمد بن محمد قال: سمعت أبي يقول: ما سرقت من الشعر شيئاً إلا معنيين: قال مسلم بن الوليد:
ذاك ظبي تحير الحسن في الأر
|
|
كان منه وحل كـل مـكـان
|
عرضت دونه الحجال فمـا يل
|
|
قاك إلا في النوم أو في الأماني
|
فقلت:
يا بعيد الدار موصو
|
|
لا بقلبي ولسانـي
|
ربما باعدك الـده
|
|
ر وأدنتك الأماني
|
وقال مسلم أيضاً:
متى ما تسمعي بقتيل حب
|
|
أصيب فإنني ذاك القتيل
|
فقلت أنا:
أتيتك عائذاً بك مـن
|
|
ك لما ضاقت الحيل
|
وصيرني هواك وبي
|
|
لحيني يضرب المثل
|
فإن سلمت لكم نفسي
|
|
فما لاقيتـه جـلـل
|
وإن قتل الهوى رجلاً
|
|
فإني ذلك الـرجـل
|
يعتب على صديق له فيجيبه: أخبرني محمد بن العباس قال: حدثني عمي عبيد الله عن اخيه أبي جعفر قال: عتب أبي - يعني محمد بن أبي محمد- على يونس بن الربيع، وكان صديقه فكتب إليه:
سأبكيك حياً لا بكـيتـك مـيتـاً
|
|
بأربعة تجري علـيك هـمـولاً
|
وأعفيك من طول اللقاء وإنـنـي
|
|
أرى اليوم لا ألقاك فيه طـويلاً
|
فكيف بصبري عنك لا كيف بعدما
|
|
حللت محلاً في الفؤاد جـلـيلا!
|
قال، وكتب إليه يونس:
إلى كم قد بليت وليس يبلى
|
|
عتاب منك لي أبداً طويل؟
|
إذا كثر التجني من خلـيل
|
|
ولم تذنب فقد ظلم الخليل
|
يقول في قنفذ شعراً اقترح عليه: أخبرني عمي قال: حدثني الحسن بن الفهم قال: قال لي أبو سمير عبد الله بن أيوب مولى بني أمية: بات عندي ليلةً محمد بن أبي محمد اليزيدي، فظهر لنا قنفذ، فقلت له: قل فيه شيئاً، فأنشأ يقول:
وطارق ليل زارنا بعد هـجـعة
|
|
من الليل إلا ما تحدث سـامـر
|
فقلت لعبد الله ما طـارقٌ أتـى؟
|
|
فقال امرؤ سبقت إليه المقـادر
|
قريناه صفو الزاد حـين رأيتـه
|
|
وقد جاء خفاق الحشا وهو سادر
|
جميل المحيا والرضا فـإذا أبـى
|
|
حمته من الضيم الرماح الشواجر
|
ولست تراه واضعاً لـسـلاحـه
|
|
مدى الدهر موتوراً ولا هو واتر
|
يحجب عن المأمون، فيرسل إليه شعراً، فيأذن له ويجيزه: حدثنا اليزيدي قال: حدثني عمي الفضل قال: حدثني أبو صالح بن يزداد قال: حدثني أبي قال: جاء محمد بن أبي محمد اليزيدي إلى باب المأمون وأنا حاضر، فاستأذن، فقال الحاجب: قد أخذ دواء وأمرني ألا آذن لأحد. قال: فأمرك ألا توصل إليه رقعة؟ قال: لا، فدفع إليه رقعة فيها :
هديتي التحـية لـلإمـام
|
|
إمام العدل والملك الهمام
|
لأني لو بذلت له حياتـي
|
|
وما أهوى لقلا للإمـام
|
أراك من الدواء الله نفعا
|
|
وعافيةً تكون إلى تمـام
|
وأعقبك السلامة منه رب
|
|
يريك سلامة في كل عام
|
أتأذن في السلام بلا كلام
|
|
سوى تقبيل كفك والسلام
|
قال: فأوصلها، وخرج فأذن له، فدخل وسلم وحملت معه ألفا دينار.
يستحسن المعتصم شعراً اقترحه ليه: حدثني عمي قال: حدثني الفضل اليزيدي قال: حدثني أخي أحمد عن أبي: قال: دخلت إلى المعتصم وهو ولي عهد وقد طلع القمر، فتنفس ثم قال: يا محمد، قل أبياتاً في معنى طلوع القمر، فإنه غاب مدة كما غاب محبوب عن حبيبه ثم طلع، فإن كان كما أحب فلك بيت مائة دينار، فقلت: صوت
هذا شبيه الحبيب قد طلعا
|
|
غاب كما غاب ثم قد لمعا
|
وما أرى غيره يشاكـلـه
|
|
فأسأله بالله عنه ما صنعا؟
|
فرق بيني وبـينـه قـدر
|
|
وهو الذي كان بيننا جمعا
|
فهل له عودة فأرقبـهـا
|
|
كما رأينا شبهه رجـعـا
|
فقال: أحسنت وحياتي، ثم قال لعلويه: عن هذه الأبيات -وكان حاضراً- فغنى فيها، وشرب عليها ليلته، وأمر لي بأربعمائة دينار ولعلويه بمثلها.
لحن علويه في هذه الأبيات رمل.
المأمون يحكم له بثلاثة آلاف دينار من مال عبد الله بن طاهر: حدثني عمي قال: حدثنا الفضل بن محمد قال: حدثني أخي عن أبي قال: شكوت إلى المأمون دينا علي، فقال: إن عبد الله بن طاهر اليوم عندي، وأريد الخلوة معه، فإذا علمت فاستدع أن يكون دخولك أو إخراجه إليك، فإني سأحكم لك عليه بمال، فلما علمت أنهم قد جلسوا للشرب صرت إلى الدار، وكتب بهذين البيتين:
يا خير سـادات وأصـحـاب
|
|
هذا الطفيلي علـى الـبـاب
|
فصيروا لي معكم مجـلـسـاً
|
|
أو أخرجوا لي بعض أصحابي
|
وبعثت بهما إليه، فلما قرأهما قال: صدق اكتبوا إليه وسلوه أن يختار، فكتب إلي: أما وصولك فلا سبيل إليه، ولكن من تختار لنخرجه إليك فتمضي معه. فكتبت: ما كنت لأختار على أبي العباس أحداً. فقل له المأمون: قم إلى صديقك. فقال: يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تعفيني من ذلك. أتخرجني عما شرفتني به من منادمتك وتبدلني بها منادمة ابن اليزيدي! قال: لا بد من ذلك أو ترضيه. قال: فليحتكم. قال: أخاف أن يشتط أو تقصر أنت، ولكني أحكم فأعدل. قال: قد رضيت. قال: تحمل إليه ثلاثة آلاف دينار معجلة. قال: قد فعلت، فأمر صاحب بيت المال أن يحملها معي، وأمر عبد الله بردها إلى بيت المال.
يعشق جارية ويحرمها فيعوضه المأمون: حدثني الصولي قال: حدثني عون بن محمد قال: كان محمد بن أبي اليزيدي يعشق جارية لسحاب يقال لها عليا ، وكانت من أظرف النساء لساناً وأحسنهن وجهاً وغناء، فأعطي بها ثلاثة آلاف دينار فلم تبع، واشتراها المعتصم بخمسة آلاف دينار، وذلك في خلافة المأمون، وكان علي بن الهيثم جونقا صديقاً لمحمد بن أبي أحمد اليزيدي، فبلغ المأمون الخبر، فدعا محمداً، وقال: ما قصتك مع عليا؟ قال: قد قلت في ذلك أبياتاً، فإن أذن أمير المؤمنين أنشدتها قال: هاتها فأنشده:
أشكو إلى الله حبي للعـلـيينـا
|
|
وأنني فيهم ألقـى الأمـرينـا
|
حسبي علياً أمير المؤمنين فقـد
|
|
أصبحت حقاً أرى حبي له دينا
|
وحب خلي وخلصاني أبي حسن
|
|
أعني علياً قريع التغلـبـيينـا
|
ورقتي لبني لي أصـبـت بـه
|
|
وجدي به فوق وجد الآدميينـا
|
ورابع قد رمى قلبي بأسهمـه
|
|
فجزت في حبه حد المحبينـا
|
وبعض من لا أسمي قد تملكـه
|
|
فرحت عنه بما أعيا المداوينـا
|
أتاه بالدين والدنيا تمكـنـه
|
|
فلم يدع لي لا دنيا ولا دنيا
|
قال: فقال المأمون: لولا أنه أبو إسحاق لانتزعتها منه، ولكن هذا ألف دينار فخذه عوضاً، ولقيني المعتصم في الدار فقال لي: يا محمد، قد علمت ما آل أمر فلانة، فلا تذكرنها. فقلت السمع والطاعة لأمرك.
ينظم شعراً اقترحه المأمون عليه: أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدثنا أبو العباس محمد بن الحسن بن دينار مولى بني هاشم قال: حدثني جعفر بن محمد اليزيدي عن أبيه محمد بن أبي محمد قال: كنت عند المأمون فقال لي: يا محمد، قل شعراً في نحو هذين البيتين:
صحيح يود السقم كيما تـعـوده
|
|
وإن لم تعده عاد عنها رسولها
|
ليعلم عل ترتاع عند شـكـاتـه
|
|
كما قد يروع المشفقات خليلها؟
|
قال فقلت:
صحيحٌ ود لو أمسى عـلـيلاً
|
|
لتكتب أو يرى منكم رسـولاً
|
رآك تسومه الهجران حتـى
|
|
إذا ما اعتل كنت له وصولا
|
فودضنا الحياة بـوصـل يوم
|
|
يكون على هواك له دلـيلاً
|
هما موتان موت هوى وهجر
|
|
وموت الهجر شرهما سبيلاً
|
قال: فأمر لي بعشرة آلاف درهم.
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال: حدثني أبو جعفر بن محمد بن أبي محمد اليزيدي. عن أبيه قال: دخلت على المأمون وهو يشرب، وعنده عريب ومحمد بن الحارث بن بسخنر يغنيانه، فقال: أطعموا محمداً شيئاً، فقلت: قد بدأت بذلك في دار أمير المؤمنين، فقال: أما ترى كيف عتق هذا الشراب حتى لم يبق إلا أقله، ما أحسن ما قيل في قديم الشراب؟ فقلت: قول الحكمي:
عتقت حتى لو اتصلت
|
|
بلسان ناطـق وفـم
|
لاحتبت في القوم ماثلة
|
|
ثم قصت قصة الأمم
|
فقال: هذا كان في نفسي، ثم قال: اسقوا محمداً رطلين، وأعطوه عشرين ألف درهم، ثم نكت في الأرض ورفع رأسه ثم قال: يا محمد:
إني وأنت رضيعاً قهوة لطـفـت
|
|
عنى العيان ودقت عن مدى الفهم
|
لم نرتضع غير كأس درها ذهبٌ
|
|
والكأس حرمتها أولى من الرحم
|
قال: والشعر له قاله في ذلك الوقت.
ومما فيه غناء من شعر محمد بن أبي محمد، أنشدناه محمد بن العباس عن عمه عبيد الله عن أخيه أحمد: صوت
أنت امرؤ متـجـن
|
|
ولست بالغضـبـان
|
أنت امرؤ لك شـأنٌ
|
|
فيما أرى غير شاني
|
صرح بما عنه أكني
|
|
أكف عنك لسانـي
|
حسبي أسأت فهـلا
|
|
مننت بالغـفـران
|
صوت
يا أحــســـن الأمة فـــي
|
|
عينـي أمـا تـرحـمـنــي!
|
أمـا تـرانـي كـــامـــداً
|
|
موكـلاً بــالـــحـــزن
|
أمـا تــرى فـــيك مـــدا
|
|
راتـي لأهـل الـظــنـــن
|
أصرف طـرفـي عـنـك خـو
|
|
فاً مـنـه أن يفـضـحـنــي
|
يراني الله وما ألغى وإن لم ترني
|
|
|
وممن له شعر فيه صنعة من ولد أبي محمد اليزيدي لصلبه إبراهيم:
صوت
لا تلحني إن منحت عشقاً
|
|
من كان للعشق مستحقاً
|
ولم يقدم علي خـلـقـاً
|
|
ولم أقدم عليه خلـقـاً
|
يملك رقي ولست أبغي
|
|
من ملكه ما حييت عتقاً
|
لم أر فيمن هويت خلقـاً
|
|
أعطف منه ولا أرقـاً
|
الشعر لإبراهيم بن محمد اليزيدي، والغناء لأبي العبيس بن حمدون، خفيف ثقيل مطلق. وفيه لعريب رمل مزموم.
المراجع
al-hakawati.net
التصانيف
فنون ثقافة وحضارات