الموسيقى الشعبية

حيث ينقسم التراث الموسيقي التونسي إلى متقن أو كلاسيكي، وشعبي أو فلكلوري، وينال كلاهما مكانا مهمّا في التقاليد الشفوية التي انشئت عبر العصور وتناقلتها الأجيال جيلا عن جيل، ويعكس هذا التراث جوانب من الثقافة التونسية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ. ويحتلّ "المالوف" مكان الصدارة في التراث المتقن أو الكلاسيكي، وهو خلاصة للموسيقى الخاصة بأهل تونس، التي استفادت من الإضافات والروافد التي نقلها الأندلسيون والعثمانيون بداية من القرن الثالث عشر، وتطوّر هذا الفنّ ونما في المناطق الحضرية. وتتميّز الموسيقى المتقنة - كما في سائر البلدان العربية الإسلامية - بانتمائها إلى النظام المقامي، أي باعتمادها على المقامات، وبتعدّد إيقاعاتها وتنوّع قوالبها ومن أبرزها النوبة. أمّا الموسيقى الشعبية أو الفلكلورية، فهي وليدة الابداع الشعبي، ويذهب علماء موسيقى الشعوب إلى أنّها ليست سوى شكل مبسّط للموسيقى المتقنة أو الكلاسيكية، لا تلتزم بقوالبها وصيغها ولا تخضع لقواعدها، وإنما تصاغ في أشكال وأساليب تساعد على انتشارها بين الناس.

ولم تنل الموسيقى الشعبية التراثية باعتناء الباحثين بشكل جيد ، خلافا للموسيقى المتقنة التي تمّ جمع الجانب الأوفر منها وتصنيفها وترقيمها ونشرها. فإذا استثنينا ما ورد في كتاب الأغاني التونسية للصادق الرزقي فلا نظفر بمراجع تناولت الأغاني الشعبية قديما أو حديثا. وقد صنّف الصادق الرزقي الأغاني التونسية فجعلها أصيلة ودخيلة، والأصيلة هي "من صوغ قرائح التونسيين وبنات أفكارهم" وتقسّم إلى حضرية وبدوية. أمّا الدخيلة فهي التي وردت من المشرق والمغرب العربيين وانتشرت بالبلاد التونسية وردّدها التونسيون كلّ حسب ذوقه. ولكنّه اكتفى بالتعرّض إلى عدد من الأغاني الشعبية الحضرية فذكر نصوصها دون وصف خصائصها الفنية. وتكاد الموسيقى الشعبية تنحصر في الغناء، إذ لم تكشف عمليات الجمع والتدوين غير المنظمة عن معزوفات تخضع لأنماط وصيغ محدّدة.

كما ولا يلتزم الغناء الشعبي بالضوابط الفنية التي أفرزتها تقاليد الموسيقي المتقنة، ويستند إلى نصوص شعرية مؤلفة باللهجة التونسية الدارجة بقسميها الحضري والريفي وتطلق عليه تسمية "ملحون" وتشكّل الأشعار عنصرا فنيا هاما في ما يغنى إذ يتّسم جانب من الأغاني بتعدّد الأغراض، مع تركيز العناية على المعاني الغزلية، وثراء اللغة وتنوّع الأوزان وجمال الصور الشعرية.أمّا الألحان فتصاغ في المقامات أو "الطبوع" والايقاعات المأخوذة من التراث المتقن أو تكون خارجة عنها. ويؤدّى الغناء مصاحبا أو غير مصاحب بالالات الموسيقية، وسنتناول الأغاني الشعبية في الوسطين الحضري والريفي، باعتبار الخصوصيات الفنية التي تميّز كلا منها.

الأغاني الشعبية المرافقة بالآلات الشعبية

وتستخدم الأغاني الشعبية الحضرية المنتسبة إلى القسم الثاني آلات المزود أو المندولينة والبندير والدربوكة وأحيانا الطار، واهم أنواعها أغاني "الربوخ" أو أغاني "الزوافرية" و"الزندالي" أو "الزنداني". وتتّسم كلّ هذه الأغاني بالخفة وبسهولة تداولها بين الناس، وكثيرا ما تؤدى لمصاحبة الرقص في الحفلات العامة والخاصة. وتنظّم حفلات "الربوخ" في أوساط العمال المتواضعة وبالضواحي القريبة من المدن الكبرى (كالمرسى وسيدي بوسعيد ومنوبة القريبة من تونس العاصمة).

ومن هذه الأغاني: هيّوا هيّوا لبنات ما تلوموا عليّ حرقت قلبي جنّات بالفنطازيّه وتجري ألحان أغاني "الربوخ" و"الزندالي" على مقامات بعضها تقليدي مثل "راست الذيل" و"الأصبعين" وبعضها الاخر لا يستعمل إلا في الموسيقى الشعبية "محيّر عراق" و"محيّر سيكاه". والملاحظ أنّ أداء المقامات في الموسيقى الشعبية مغاير لأدائها في الموسيقى الكلاسيكية من ذلك أنّ الألحان لا تتعدّى الدرجة الخامسة من السلّم تماشيا وطبيعة الالات التي ترافق هذه الألحان، وأهمّها المزود إذ أنّ صنعها لا يسمح بعزف أكثر من ست درجات.


المراجع

mawsouaa.tn

التصانيف

تصنيف :موسيقى   تصنيف :أنواع موسيقية   الفنون